رياض سطوف: أرفض أن أكون صانع قصص هزلية عن العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان روائي القصص المصورة رياض سطوف معروفاً على ساحة القصص الهزلية المزدهرة في فرنسا، يرسم أعمالاً كاريكاتورية لاذعة مضحكة من خلال مشاهداته للمجتمع الفرنسي الذي يعيش فيه، عندما قرر مساعدة أقربائه السوريين في الخروج من سوريا عام 2011.

وبعد أن تبين له صعوبة إصدار تأشيرات لهم، شعر برغبة في الكتابة عن أوضاع السوريين، مدركاً أنه في سياق ذلك سيسرد قصة حياته: عن طفولته في ليبيا وسوريا، وعن والديه وهو من أب سوري وأم فرنسية، وسنوات المراهقة التي أمضاها في بريتاني بفرنسا.

كتابه الصادر حديثاً هو الثاني ضمن سلسلة «عرب المستقبل»، التي تسرد سيرته الذاتية بأسلوب القصص المصورة الكاريكاتورية الهزلية، وكان قد نقل في المجلد الأول صورة عن حياة أسرته في ليبيا وسوريا أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الفائت، وهو يستكمل في المجلد الثاني الصادر حديثا تصوير حياة أسرته في ضيعة بحمص قبل انتقاله للعيش في فرنسا.

خيار

وعلى الرغم من رسم هذين البلدين العربيين، إلا أن سطوف متردد حيال فكرة رؤيته كصوت للشرق الأوسط، ويقول في مقابلة أجرتها معه صحيفة «غارديان» البريطانية بمناسبة صدور كتابه الثاني بالإنجليزية، إنه عالق في مكان حيادي وسط جذوره الفرنسية السورية.

وأنه يمقت أي نوع من السياسات التي تؤكد الهوية أو النزعة الوطنية على طريقة اليمين الأوروبي، ويوضح انتظاره الطويل لسرد هذه القصة عندما بدأ برسم الكاريكاتور، بالقول: «لم أكن أريد أن أكون ذلك الشاب من أصول عربية الذي يصنع قصصاً هزلية عن الشعب العربي».

ولهذا السبب أيضا ألف سلسلة قصص هزلية في فرنسا لا تربطها أي علاقة بهذا الجانب من حياته، لكنه، خلال كل تلك الأعمال، يقول إنه كان يفكر بهذه القصة الجيدة التي لديه، وكيف يمكنه أن يسردها.

أفكار وردية

ما يميز عمله هو سرده بسيرة حياته من خلال عيون طفل صغير. في المجلد الأول، كان سطوف طفلاً في الثانية من عمره، أشقر كثيف الشعر. وفي المجلد الثاني، بلغ السادسة وهو لا يزال بشوشاً، بريئاً، لكن أفكاره الوردية ومزاحه يعمقان شعوره بعدم الارتياح للكبت الكامن.

ففي المجلد الأول يضع والده دلوا على رأس ابنه ليحجب عنه رؤية رجلين معلقتين بحبل المشنقة في ميدان عام، أما في المجلد الثاني، فإن ما يشد طفل السادسة يتمثل في مواضيع الأغنياء والفقراء، والقوة والعنف، والوضع الاجتماعي المسحوق للنساء، بما في ذلك جرائم الشرف.

في كل أعماله هناك نظرة بريئة لكنها ثاقبة للحياة، ومن وجهة نظره هذا الأمر أساسي في وصف عبثية الحياة اليومية في ظل الدكتاتورية.

كان والداه قد التقيا في كافيتريا جامعة السوربون بباريس. ويصور سطوف والده عبد الرزاق، القومي العربي الذي يعتقد أن التعليم سيرفع العرب ويحررهم من نير الاستعمار، فيختار العودة إلى العالم العربي من فرنسا على أمل المشاركة في هذا التحول، وتربية ابنه «عربي المستقبل».

والد مستبد وكاره

والد سطوف في المجلد الثاني «عرب المستقبل 2» هو مستبد كاره للنساء وعنصري، لكنه برغم ذلك شخصية مؤثرة بطريقة ما؛ فهو رجل عصري ظاهرياً يعيش في قريته الغارقة في التقاليد، يقف مع المظالم، ولا يفعل أي شيء للتصدي لها. كان بإمكان سطوف أن يصدر أحكامه عليه، لكنه بدلا من ذلك، يُظهره من وجهة نظر ابن يكاد يعبد والده.

يقول سطوف: «أردت محاولة وصف الجانب المظلم والجانب الإيجابي، لو كان هناك جانب إيجابي، ككل.. أردت أن أعبر عن المفارقة التي كانت تكتنف والدي بين العصرنة والتقاليد. هذه مفارقة شائعة جداً وإنسانية». وستبرز المدرسة بكل فظاعاتها في المجلد الثاني.

حيث يلجأ الأساتذة إلى العنف كعقاب للطلبة، جاعلين عيون الأطفال تجحظ من حدقاتها بأسلوب القصص المصورة. ثم هناك معلمة الصف التي بعد الانتهاء من شرحها للأطفال كيف يقلدون صوت المطر بأيديهم، تجلس للحظات هادئة تحت تأثير تنويم التصفيق الرتيب للعاصفة الكاذبة التي أحدثوها، قبل أن تنقض فجأة عليهم بالعصا.

ويقول سطوف: «ما كان مطبقا في المدارس وسائل أشبه بالأساليب العسكرية». لكنها أيضا شبيهة بأساليب التدريس في فرنسا في بداية القرن، ويذكر سطوف أن كبار السن في فرنسا كانوا يقولون له خلال توقيع كتابه في فرنسا إنهم تعرفوا في كتبه على مشاهد من طفولتهم.

لكن المدرسة تشكل نظرة عمومية عن كيفية إعداد مسرح الحياة للمجتمع، وهو يعتقد أنه من الأسهل تقبل الأمور الحزينة، بل إنها تصبح أكثر حزناً عندما يجري سردها مع فكاهة.

هوس

في باريس حاليا، هناك هوس بالهوية الوطنية. لكن سطوف يفضل أن يصف انتماءه الوطني بشكل «كاريكاتوري» أكثر من أن ينجر إلى سجال بشأن الهوية. يقول انه لم يسبق أن عانى من العنصرية، لم يكن مظهره «عربياً» أو ألفاظه «عربية»، وكمراهق في بريتاني بفرنسا لم يجر الافتراض مطلقا انه من أصول مغربية، ما كان يمكن أن يعرضه للتمييز.

وهو يعتبر نفسه محظوظا في انتمائه لأصلين مختلفين، فرؤية الأشياء من وجهتي نظر تساعد في إثراء الفكر دائما، حسبما يقول لكنه يشدد في المقابل: «لا أريد أن أمثل أي شيء. أعمالي هي تجربتي عندما كنت شابا. وانا أعيد سرد ما رأيته بالطريقة الأكثر صدقاً. أعلم أنها طريقة ذاتية، لكن لن أتورط في السياسة أو الجيوسياسة، فليست لدي المعرفة التي يتطلبها ذلك».

موقف وصراحة

يوضح سطوف أفكاره قائلا: «أنا بالفعل أكره النزعة الوطنية. وانا لا يعجبني عندما يعبر الناس عن فخرهم بالمكان الذي ولدوا فيه.

ولا أشعر بالارتياح خلال مبارايات كأس العالم لكرة القدم، أو خلال الألعاب الأولمبية حينما يصرخ الناس عند سماع نشيدهم الوطني.. لكن الأمر ليس محدداً ببلد دون آخر. فأنا لا أحب النزعة الوطنية الفرنسية، ولا أحب اليمين المتطرف أينما كان أو بمعزل عما هو.. كما أن انتمائي إلى هوية مزدوجة يعني أنه من الصعب أن أكون فخوراً بجانب أو آخر».

2011

الطفل الأشقر في مجلده «بشعره الكثيف» هو رجل أسود الشعر الآن. ويقول إنه لم يتعمد ذلك، كانت تلك ملامحه في الصغر، وسيسرد باقي القصة وكيف تغير لون شعره لاحقاً، لكنه يستغرب من فناني الفكاهة كيف يرسمون أنفسهم بلطف أكثر مما ينبغي، وأكثر جمالاً مما هم عليه في الحياة.

رسم سطوف ما كان يسترق السمع إليه، والمشاهد التي رآها في المترو حول باريس، لكنه لم يرسم يوماً كاريكاتوراً سياسياً أو سخرية سياسية. ويترك للمجلدات التالية التي ستمتد إلى 5 مجلدات، إعلامنا بما حل بأقربائه الذين حاول مساعدتهم في مغادرة سوريا عام 2011.

«عرب المستقبل 2» تناقضات الاندماج في مجتمع مغلق

تعرفنا إلى طــــفولة رياض سطوف الأولى في فرنسا وليبيا وسوريا في المجلد الأول «عرب المستقبل 1»، والتقينا بوالدته الفرنسية كليمنتين، ووالده القومي العربي المتباهي عبد الرزاق، بتناقضاته وإحباطاته، وهو يــــجر العائلة من فرنسا إلى ليبيا تحت حكم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وقراراته العبثية.

ومن ثم إلى قرية سورية حيث السلطة الذكورية والعنف.. وبعد أن تعرفنا بالطبع على رياض نفسه، الطفل الرقيق صاحب الشعر الأشقر الكثيف، ننتقل في تتمة «عرب المستقبل 2»، إلى عام 1984، حيث لا تزال العائلة تقيم في قرية تر المعلا، مسقط رأس والده في حمص، ويذهب رياض إلى المدرسة، مكرساً نفسه ليصبح سورياً حقاً.

1984

يصف سطوف نفسه بعد أن بلغ السادسة من عمره في المجلد الثاني من قصصه المصورة، على الشكل الآتي:

اسمي رياض، بلغت السادسة عام 1984 وما زلت رائعاً كالمعتاد.

*شعر أشقر متماوج كممثلة هوليوودية.

*واثق بسحره أكثر قليلا مما ينبغي.

*أحاول جاهدا عدم البكاء عندما أقع على الأرض.

*صوتي صوت فتاة صغيرة.

في المدرسة الحكومية

القصة تتناول محاولات اندماج أسرة عبد الرزاق في مجتمع القرية، حيث تدخل في سياق ذلك مواضيع السياسة والفقر والدين بالتركيز على وقائع الحياة اليومية، سواء في سادية أساتذة الصف، أو إغراء السوق السوداء، أو إذلال عبد الرزاق برفقة المقربين من النظام.

ثم هناك جزء كبير من المجلد الثاني يدور حول سنوات رياض في مدرسة حكومية، تلونها لمسات قلمه بالأحمر والأخضر، حيث يتعرض الطلبة الصبيان لعقاب جماعي مفاجئ، ولا يحرك توسل صبي في السادسة من عمره قلب أستاذة قساة.

ويستمر سطوف في استغلال الفجوة الأليمة بين تخيلات والده والواقع. لكن خداع الذات يصبح كريها، حيث ينتهي الكتاب بتواطؤ عبد الرزاق في السكوت عن جريمة شرف، واستسلامه التدريجي للتقاليد المحلية.

وتبقى في ثنايا القصة شخصيات رقيقة، مثل رفيقه في الصف الذي يبتسم فيما دموعه تنهمر عندما يتعرض للضرب، وأبناء عمه وائل ومحمد اللذين يناقشان مواضيع الدين والخرافات وكيفية التعامل مع الفتيات.

مقاربة ساخرة

يعد كتاب «عرب المستقبل 2: طفولة في الشرق الأوسط» مقاربة شخصية مضحكة ساخرة لحيثيات حياة تعيشها بلاد وأسرة. وبأسلوب مبدع ساخر يسرد سطوف طفولته تحت سقف والده العروبي السوري، فيما يجر عائلته وراء أحلامه.

في المجلدين يبدو والده شخصية قوية، فيما أمه تبدو خاضعة لزوجها ومخططاته. ويعتمد الكاتب في أسلوب رسمه على التبسيط والمبالغة وغيرهما من المؤثرات، تماما كما يفعل أي رسام كاريكاتور. يرسم شخصياته بالأسود والأبيض مع لمسات معبرة:

أنف كبير، خط واحد للحاجبين، وغيره. وفيما حظي كتاب سطوف الأول بإشادات كثيرة، كان تصويره لواقع الريف السوري الكئيب قد اجتذب الكثير من النقد، لكنه يؤكد، برغم إشارة عنوان كتابه إلى العرب، إن الهدف من مشروعه هو الكتابة عن طفولته في ضيعة نائية، وليس عن سوريا، ناهيك عن العالم العربي.

يقول سطوف إنه يوثق حالياً في المجلد الثالث حياته غير السعيدة عندما كان في سن المراهقة في فرنسا، فيما كان يعيش في مشروع سكني حكومي في بريتاني، وبلا شك سوف تضيء عينه الثاقبة على كثير من الشروخ هناك.

الكاتب في سطور

ولد روائي القصص المصورة الهزلية ومخرج الأفلام رياض سطوف في باريس عام 1978. وترعرع في سوريا وليبيا، قبل أن ينتقل إلى باريس، حيث يعيش حالياً.

ألف أربع سلاسل قصص هزلية في فرنسا، كما ساهم في الكتابة لمنشورات ساخرة هناك، وهو حالياً كاتب عمود أسبوعي في مجلة «لوبس». صدر له مجلدان ضمن سلسلة من خمسة أجزاء متوقع نشرها بعنوان «عرب المستقبل». أخرج فيلمين ركز فيهما على سن المراهقة، وهما: «المقبلون الفرنسيون» و«جاكي في مملكة النساء».

* كتابي الجديد يُصوّر المفارقة التي عاشها العروبي بين العصرنة والتقاليد

*  أحس بأنني عالق في مكان حيادي وسط جذوري الفرنسية السورية

*  السرد بعيون طفل أساسي في وصف عبثية الحياة في ظل التسلط

Email