فهد المعمري:تراثنا معين فكرنا وثقافتنا

فهد المعمري

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد كتاب «الرياح والأهوية المحلية في التراث الشعبي الإماراتي»، للباحث فهد المعمري، الفائز بجائزة العويس للإبداع في دورتها الـ23: 2017، أول معجم أو أطلس للرياح المحلية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وهو يحكي في حواره مع«بيان الكتب»، عن بحثه وجهده لإنجاز هذا الكتاب، عارضا في الوقت نفسه لمجموعة آراء وقناعات يقتدي بها، ويجدها تشكل أساسا ثابتا يتوجب أن تسير عليه وطبقا له أية مساقات بحثية. كما يؤكد أن تراثنا نبع وخزان فكرنا وثقافتنا.

هل فتشت عن الكتب والأطروحات التي تتعلق بموضوع كتابك، قبل خوض غمار البحث والشروع في عملك «الرياح والأهوية في التراث الشعبي الإمارتي»، وحين بدأت بفكرة الكتاب. أم أنك اكتفيت بالمواد السمعية والصوتية والفهارس المكتبية والبيانات في هذا الميدان؟

بداية لا بد لأي بحث ميداني أو أدبي من تتبع المواد المعرفية السمعية والبصرية والكتابية، التي تطرقت للموضوع المراد البحث عنه، فهذه المواد دائما ما تكون النواة لأي عمل بحثي.

وبالأخص الرواة الذين يمثلون الدعامة الأساسية لكل بحث ميداني، ولكن في بحثي هذا لم تكن الاستفادة من هذه المواد ذات قيمة غنية، لأني لم أجد من كتب في هذا الموضوع، باستثناء قلة لا تكاد تروي الغلة، فكان لي بصيص من الأمل، ولكن جل اعتمادي كان على الرواة، فهم من أثرى هذا البحث.

مهارات بحثية

كتابك البحثي فيه أيضا انطباع إنساني وبعد ثقافي، ما المهارات التي يحتاجها الباحثون بشكل عام، لاستغلال الإمكانيات المتوافرة لديهم وطرحها في منصات جديدة، كما فعلت؟

المهارات كثيرة وتتنوع من باحث إلى آخر، وكذلك الإمكانيات، وهناك فرق بين المهارة والإمكانية، فالمهارة تتوضح في اللباقة وحسن المحاورة، والطرح الجيد للموضوع المراد البحث فيه، واختيار الشخص المناسب للموضوع، وهذه المهارات هي عامل مساعد في تحقيق بعض الأهداف في عملية البحث، أما الإمكانيات فتتوضح من خلال ناحيتين رئيستين هما المعنوية والمادية.

فالمعنوية تنحصر في شخصية الباحث نفسه، من خلال اللغة الأدبية والمعلومات الوفيرة، والحس البحثي من خلال التدوين الدائم، أما المادية فعامل مؤثر بحيث تساعد الباحث على المضي قدما في هذا الميدان، أو التقدم ببطء أو التوقف والانسحاب بهدوء، وبالتالي ربما نفقد من خلال الإمكانات المادية خيرة الباحثين، فبعض الأبحاث يتطلب التفرغ والسفر والتزامات مالية تقف عائقا أمام بعض الباحثين.

مكمن القصور

أن نضع الأسئلة البحثية، أمر في غاية الأهمية، وخطوة حاسمة في عملية البحث، لكن سؤال البحث يتفاوت لدى أي باحث، بين الواسع جدا والضيق جدا.. فهل عانيت خلال إنجازك عملك، من البحث عن السؤال نفسه؟

دائما ما تكون الأسئلة واضحة، من وجهة نظري الشخصية، في عملية البحث الميداني في الموضوعات الخاصة بتراث الإمارات مثل: الشعر الشعبي، والرياح والأهوية والدرور والألعاب والأمثال والعطور والأزياء، والعادات والتقاليد والزراعة «النباتات الموسمية والنخيل والغاف والسدر والسمر». ولكن المعاناة تكمن في شخصية الباحث إن لم يكن ملما بمادة البحث، وهنا يكون القصور من الباحث وليس من الراوي أو الباحث المتخصص في الإجابة.

صبر وتحمل

تعمل الأحداث المثيرة للاهتمام، بشكل عام، على تطوير البحث وتؤدي إلى اهتمام الناس بقراءته.. لكن الأبحاث النوعية تبقى نقطة انطلاق جديدة للتفكير، وطريقة نرى العالم بها بشكل حقيقي.. هل تعتقد أن ذلك هو طريق الباحث المحترف، الذي يندر، وإلى أي الطريقين تميل؟

الأبحاث النوعية دائما ما تبقى محل اهتمام لشمولية الموضوع الذي تم البحث عنه، ودقة المعلومات ووفرتها في كتاب واحد، وبالتالي يحمل صفة السهولة، فيسهل على القارئ الرجوع إليه بأيسر السبل وأقل جهد، إضافة إلى قراءة موضوع واحد مشبع بالمعلومات، ومثل هذه الموضوعات النوعية قليل من يتطرق لها لأنها تحتاج إلى صبر وتحمّل.

حفظ

المعلومات الحقيقية في البحث قائمة بين الرأي أو الدعاية.. فما الذي طرحته في كتابك كعلم موثق، بعيد عن المشكوك أو بعيد عن التحيز؟ وهل تضع ما لديك مجردا مع تلك اللغة الخالية من العاطفة، أم أن النوايا والتخيلات قد دخلت في بحثك؟

البحث الذي تطرقت إليه كان بحثا خاليا من الدعاية ومن الآراء المتعددة، فالمعلومات الواردة فيه كلها واقعية وصحيحة.

ولكن الاختلاف كان في التسميات، وهذا الاختلاف يعود للاختلاف الجغرافي والتضاريسي لأهل الإمارات، والمسمى الرئيسي فهو واحد، أما موضوع اللغة، فهناك أبحاث تقف عند لغة واحدة هي لغة التوثيق، وهذه اللغة لا تحتمل العاطفة أو الخيال أو المحسنات اللفظية والبديعية، المهم أن تكون لغة أدبية وإنشائية، لأن الموضوع موضع حفظ وتوثيق.

غير موثوقة

غالبية الموضوعات الإنسانية المرجعية المتوافرة، كتبت منذ سنوات عديدة.. وربما تتطلب التعديل أو التحديث. هل برأيك ستصبح مصدرا غير موثوق به مستقبلا في المنطقة؟

متى ما دونت الأبحاث الجديدة أو الكتب القديمة بشكل كتاب أصبحت المعلومة موثقة، أكانت بشكل كبير أو صغير، لكن الهدف هو التوثيق، وبالعكس، فدائما ما تكون الروايات والحكايات والقصاصات مصدرا غير موثوق، ولكن بعد تفريغها في كتاب منشور، تصبح هذه المعلومات موثقة، ولكن الثقة تتفاوت من باحث إلى آخر بتفاوت المصداقية وتحري المعلومة.

نعم

هل تؤثر الضغوطات المادية والمهنية على أبحاث الباحث المقدمة للمشاركة في أي من المسابقات أو الميادين في الدولة ؟

نعم، تؤثر وبشكل مباشر، فمتى كان الباحث متمكنا من أدواته وقادرا على التوسع في عملية البحث، جاء البحث شاملا وافرا، وهذا لا يتأتى إلا بعاملين رئيسين: المال والوظيفة.

قسمان وواقع قاس

كيف هي التغيرات في طبيعة البحث والبيئة البحثية في الدولة، وهل تمويل البحث من قبل الحكومة صعب في تقديرك...؟

تنقسم الأبحاث إلى قسمين، قسم داخلي وقسم خارجي، أما الداخلي فمن ما يمثله هو تراث دولة الإمارات، فهذا داخلي ولا يستهلك مجهودا خارج حدود دولة الإمارات، ولا يحتاج إلى دعم مالي لأنه ليس عائقا، ولكن أكثر المؤسسات الحكومية، كـ«وزارة الثقافة وتنمية المعرفة»، وهيئات الثقافة المحلية المتفرقة..

وبعض مؤسسات الثقافة غير الحكومية، نجدها تدعم الباحثين والمؤلفات وتقدم لهم مكافأة مالية، ولكن الدعم والتمويل مطلوب في الأبحاث التاريخية والسياسية وأبحاث البيئة والفلك، والبحوث العلمية، لتحقق أهدافها.

مسؤولية

هل ستتبنى المطالبة بحقوق الباحث في مجتمعنا.. أترى ضرورة لإصدار قانون في هذا الشأن، كالحقوق المعنوية، من إسناد وائتمان حقوق النشر وأذوناته.. وحقوق الاستنساخ...؟

هناك حقوق الباحث في أبحاثه المنشورة، وكذلك أوراق العمل المقدمة في كل الحقول العلمية، ولكن ما مدى قوة هذا القانون، هذا لا أعلمه، وهل يقف في صف الباحث أم ضده، وهل هو مشبع بالمواد أم هزيل لا يقوى على شيء، هذا يعود للقائمين على الثقافة، لا سيما اتحاد الناشرين، واتحاد الأدباء والكتاب.

وجهات نظر

ما الصعوبات التي واجهتك أثناء هذا البحث، وهل طرحت الأسئلة على نفسك وعلى الأشخاص الذين يعنيهم بحثك بشأن الموضوع وما تطرحه؟

الصعوبات ليست بذاك العائق الذي يذكر، وإنما هي وجهات نظر، فالبعض يعرف الإجابة ويضن بالحديث عنها لاعتبارات في نفسه، فالبعض يصرح بها، والآخر يخفيها ولا يذيعها، ولكن في الأغلب الأعم، كنت أرى الإقبال والتجاوب، ولكن التوجه للمختصين والعارفين بموضع البحث هو السبيل الصحيح للوصول إلى المعلومة الصحيحة والدقيقة.

جهد متواصل

ما الدور الذي يلعبه الكتاب البحثي في تقديم المعرفة برأيك، خصوصاً في الأوساط الأكاديمية في الدولة، وما خطتك المقبلة لتعزيز دورك كباحث في المستقبل؟

الكتاب البحثي هو مشروع التوثيق لكل علم في دولة الإمارات العربية المتحدة، لا سيما الشعبي منه، الذي يحتاج إلى جهد متواصل ومضاعف لتحقيق الغايات المرجوة منه، ولنقول للآخرين هذا تراثنا، وتراثنا هو أدبنا، وأدبنا هو فكرنا وثقافتنا، وليس لي خطة سوى العمل على كتابة الأبحاث المنهجية لتراث وشعر الإمارات.

فالشعر جمع منه الكثير، ولكن علينا دراسة هذا الشعر وكيف وظفه شعراء الإمارات؟ كيف استفادوا من المؤثرات المحيطة بهم؟ كيف كتبوا الشعر في كل فن؟ وهذا ما فعلته في مؤلفات سابقة، وهناك كتاب قيد الطباعة وهو كتاب المختار من الأشعار في الشعر الشعبي الإماراتي.

بطاقة

فهد المعمري. كاتب وباحث إماراتي. يعنى بالتراث والتاريخ. وهو مدير إدارة «مكتبة دبي العامة» في «هيئة دبي للثقافة والفنون».

«الرياح والأهوية»..حكايا المناخ المحلي في المرويات

تتبدى أهمية كتاب «الرياح والأهوية في التراث الشعبي الإماراتي»، من منطلق إسهامه النوعي في عملية توثيق الأسماء الكثيرة للرياح في الدولة، والصفات التابعة لهذه الأسماء، كذلك التنبؤ بهذه الرياح من خلال معرفة الجيل السابق بالدرور، وهو مصطلح يعني التنبؤ بالأرصاد الجوية، ومعرفة حالة الطقس، ومعرفة الرياح التي ستأتي.

4 أبواب

قسم الكتاب إلى أربعة أبواب رئيسية، وسبق هذه الأبواب مدخل لدراسة الرياح والأهوية في التراث الشعبي الإماراتي، أوضح فيه فهد المعمري، أهمية الرياح واهتمام الأهالي قديما بها، وعرف بأسمائها وصفاتها واتجاهاتها وتاريخ هبوبها، وخاصة أهل البحر، رابطا كل ذلك بأدب أهل المكان وتراثهم من خلال الروايات والحكايات والأشعار، ليؤكد صحة الأسماء الواردة في ثنايا صفحات كتابه.

فجاء الكتاب وافرا وزاخرا بالتاريخ والجغرافيا والأدب والشعر والرواية، فتضمن في بابه الأول بخمسة وسبعين اسماً للرياح المحلية في دولة الإمارات، شارحا اسمها ووقت هبوبها، ومن أي اتجاه تهب، ومبينا هل هي خفيفة أو نشطة أو سريعة أو متلفة، أما الباب الثاني فذكر فيه المعمري أسماء وصفات الأهوية.

أبيات وكنايات

جاءت الأبواب الأربعة في الكتاب، على النحو التالي: في أسماء الرياح في دولة الإمارات، في أسماء صفات الأهوية في دولة الإمارات، أساليب الشعراء النبطيين والشعبيين في تناولهم الرياح في دولة الإمارات، وقسّمه المعمري إلى أربعة فصول:

مخاطبة الريح في قصيدة كاملة، ذكر الرياح المختلفة في بيت واحد أو في أبيات عدة من القصيدة، افتتاح القصيدة بذكر الرياح، اختتام القصيدة بذكر الرياح. وأخيرا في الباب الرابع، تناول المعمري الرياح في الأمثال والكنايات الشعبية الإماراتية، وقسّم البحث إلى فصلين: الفصل الأول الرياح في الأمثال الشعبية الإماراتية، والفصل الثاني الرياح في الكنايات الشعبية الإماراتية.

شروحات

ومن خلال متن الكتاب، شرح المؤلف الكلمات التي تحتاج إلى التوضيح، وقدم ترجمة موجزة لكل شاعر من الذين استشهد بأبياتهم، إضافة إلى تخريج الأبيات الشعرية، من خلال ذكر المصدر والجزء ورقم الصفحة، وفي نهاية موضوع الكتاب، وضع المؤلف خمسة فهارس متخصصة، إضافة إلى فهرس عام الموضوعات، بهدف الوصول بسرعة إلى المعلومات الواردة في متن الكتاب.

Email