كارول بيرتش: أكتبُ عن المحن لتجاوزها وقطف الحكمة منها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتقد المؤلف البريطاني دي جيه تايلور، أن الكاتبة كارول بيرتش، من الروائيين البريطانيين الذين قُلل من شأنهم على مدى ربع القرن الماضي، ويعود هذا ربما إلى تنوع رواياتها مما حجب ما حققته من إنجازات. إذ ألفت بيرتش خلال مسيرتها المهنية 12 رواية،.

وتمكنت من تأكيد موقعها ضمن الرواية التاريخية، لكنها تأبى باستمرار إسقاطها ضمن نمط روائي محدد، وتؤكد لصحيفة «غارديان» البريطانية، في مقابلة أجرتها معها أخيراً، بمناسبة صدور روايتها «يتامى الكرنفال»، أنها تعمل على شيء جديد معاصر ومختلف تماماً عن رواياتها السابقة.

في روايتها «يتامى الكرنفال» التي ستصدر في نوفمبر المقبل تعود بيرتش بالتاريخ إلى العصر الفيكتوري لتروي حياة المكسيكية جوليا باسترانا، المرأة المولودة عام 1834 باضطراب جيني أفضى إلى نمو شعر كثيف على وجهها وجسدها ونتوء حاد في فكيها، والتي كانت ضمن استعراضات المخلوقات الغريبة في ذاك العصر.

خيار

وتشير بيرتش عن اختيارها لحياة تلك المرآة المضطهدة إلى أنها منجذبة للكتابة عن الموضوعات الكئيبة، مثل المعاناة والمجاعة والموت وغيرها، وما ترغب بتحقيقه هو المرور عبر كل تلك المحن والخروج ببعض العناصر الإيجابية. وما يثير دهشتها حسب قولها: «هي المرات العديدة التي يمر بها الناس عبر تجارب قصوى»، دون أن يفقدوا صوابهم، بل تراهم أصبحوا أكثر حكمة، وهي «مذهولة تماماً من قوة هؤلاء الأشخاص».

خطرت لها فكرة الكتابة عن جوليا باسترانا بعد مطالعة كتاب عن «القصة المأساوية للمرأة القردة من العصر الفيكتوري»، فعرفتها على الفور، لأن صورة تلك المرأة كانت قد أثرت فيها كثيراً عندما كانت في سن المراهقة، فبعض الأشياء تنطبع في الذهن وتجلجل في الرأس، حسب قولها.

ويعرف عن جوليا أنها عاشت في العصر الفيكتوري، عصر العروض الغريبة والنزعة الفضولية العلمية فاقدة الإنسانية، وجرى تقديمها بأسماء عديدة تحط من شأنها، مثل: «سيدة البابون» و«الرابط المفقود بين الإنسان والقرد»، لكن جوليا في الواقع، كانت تتحدث ثلاث لغات.. إلى جانب كونها مغنية موهوبة وراقصة. تزوجها مدير أعمالها ثيودور لنت ليضمن ولاءها، فأنجبت منه طفلاً ورث مرضها.

وتوفي بعد أيام معدودة، ولحقته جوليا بعد فترة قصيرة. وما حصل لها بعد مماتها هو الذي ترك التأثير الأعمق. إذ حنطها زوجها هي وطفلها، واستمر في عرضهما في خزانة من زجاج، وانتقل الجثمانان في معارض حتى سبعينيات القرن الماضي إلى أن وضعا في مخزن في أوسلو اقتحمه مراهقون، وظناً منهم أن جوليا عارضة من خشب اقتلعوا زراعها، أما الرضيع فتحلل تماماً ورمي في القمامة.

قصة مشابهة

تقول بيرتش، إنها أرادت استعادة الطفل في روايتها الأخيرة بطريقة رقيقة ومثيرة للصدمة، وذلك من خلال نسج قصة جوليا مع قصة فتاة ضالة تدعى روز، من ثمانينيات القرن الفائت أيضاً، لديها عاطفة جياشة تجاه الأشياء غير المألوفة.

وبطريقة ما، ضربت بيرتش كذلك، على وتر السجال الدائر بشأن إعادة معروضات المتاحف إلى أوطانها.

الـ30

يصدح نثر بيرتش عموما، بأنغام موسيقية تزيّن أعمالها، فوالدها كان يعزف موسيقى الجاز، وتعتقد أنه لا ينبغي التقليل من شأن قوة الموسيقى حتى الرخيصة منها.

لم تتفرع للكتابة إلا في فترة متأخرة، عند بلوغها الثلاثين من عمرها، ففي تلك السنة توفي والدها واثنتان من صديقاتها، وتقول في الصدد: «فكرة الموت تضرب على وتر حساس، فتفكر هل ستفعل ذلك أم أنك ستكتفي بالدوران حول الأمر؟».

ومنحها الانتقال إلى غرب إيرلندا، الوقت والمكان المناسبين، وتتحدث عن تجربتها هناك، حيث أمضت ثماني سنوات: «كدحت ووصلني الكثير من الرفض، فترة طويلة». ثم نشرت روايتها الأولى «الحياة في القصر» في عام 1988، ففازت بجائزة، وهي تصف هذا العمل بأنه من نوع روايات «الشقق القاتمة»، ذاك النوع الأدبي الذي ستهرب منه لاحقا.

وعقبها، منحتها روايتها «عرض وحوش جاماراتش» التي أدرجت على القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر عام 2011، بطاقة الدخول إلى العالم الأدبي، بعد أكثر من عقدين من نشر أول عمل لها.

وفي وصفه لأسلوبها الأدبي، يقول المؤلف دي جيه تايلور بيرتش، إنها روائية: «بمهارة كتابية رائعة وبأسلوب يتصف بالصور والذكريات والمشاعر القوية مع اهتمام مستمر بمشكلات النساء اللاتي يجري استنزافهن من قبل رجال منحرفين». لكن بيرتش تقاوم أية تفسيرات نسوية لمؤلفاتها، وتقول: «لا أراها عملية استنزاف، بل عملية متبادلة، وإذا فكرت وفقا لشروط من هذا النوع فإنني سأفقد شخصيات روايتي".

وما يربط شخصيات رواياتها هو المغامرة وتحمل الشدائد، حيث تحاول جوليا في «يتامى الكرنفال» الحفاظ على كرامتها في وجه خوف الناس وازدرائهم لها. وتقول بيرتش كان هناك «المزيد الذي يمكن تخيله» مع جوليا، وراء تلك الصورة الملونة عن حياتها.

«يتامى الكرنفال».. الأدب محتفياً بالإنسانية

«يتامى الكرنفال». رواية تستلهم أجواء العصر الفيكتوري، حيث كانت استعراضات المخلوقات الغريبة شائعة، القصة سوداوية حزينة تتبع حياة شخصية تاريخية حقيقية، وهي قصة المرأة المكسيكية المضطهدة جوليا باسترانا التي وصفت بـ«المسخ» منذ ولادتها، لكثافة الشعر على جسدها ونتوء فكيها، وكذا تجوالها بين العروض في أميركا وأوروبا في القرن التاسع عشر، مستفيدة من موهبتها ومظهرها الغريب.

1850

تجري القصة في نوع من السيرك، وسط أجواء تقبض على الأنفاس. وتمتد عبر عقود، وتوظف الروائية كارول بيرتش فيها سردا مزدوجا. قصة جوليا التي تبدأ في عام 1850 مع أول عرض لها في برودواي، في موازاة قصة حديثة بطلتها فتاة اسمها روز من الهيبيين تعيش على هامش المجتمع، في إنجلترا التاتشرية، وكانت تاتشر قد صرحت بأنها ستحتضن كل قيم عصر فيكتوريا.

جوليا المولودة عام 1834 باضطراب جيني جلبها إلى العالم المأساوي للسيرك، تعرضت للحط من شأنها، وسيطلق عليها «المرأة الدب» و«الرابط المفقود بين الإنسان والقرد»، وغيرها من الصفات، وستخضع لفحوصات طبية عامة.

حيث سيشخص أطباء ذلك العصر حالتها بأنها «هجين تتغلب فيه طبيعة المرأة على البهيمة»، إذ إن جوليا تتقن التحدث بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية، عدا عن كونها مغنية ماهرة بصوت رائع، كما أنها تركب الخيل وترقص. مع ذلك، فإن ما يلاحظه الآخرون في نهاية المطاف، هو مظهرها المثير للنفور.

تناقض

تتجول جوليا عبر نيو أورليانز ونيويورك ولندن وبرلين وفيينا وموسكو، وتتواصل مباشرة مع المجتمع الراقي، صانعة شهرتها وثروتها. لكن وراء الأضواء الساطعة والتصفيق المدوي هناك إنسانة حساسة رقيقة، تتماسك رابطة الجأش أمام الجمهور الذي ينظر إليها بنفور.

وهي تعيش وسط هذا التناقض بين دور المؤدية التي تتوج في حفل موسيقي، والوحش الذي ينبغي إخفاؤه عن الأطفال والحوامل، واعتقادها بأنها لن تستمتع بحب رجل، سيدفع بطبيب من نيو أورلينز إلى وصف جرعة دواء لها.

في موازاة ذلك، تتقدم قصة روز التي تنقذ دمية غريبة من القمامة وتصحبها إلى منزلها، وفي هذه القصة المسكونة بقضايا الهوية والحب والحرية، تلتقي المرأتان في النهاية لتحديد ما إذا كان هناك أي سلام لمن هم خارج المألوف في العالم.

ليست سيرة ذاتية

استخدمت بيرتش الوقائع في حياة جوليا للكتابة عنها، لكن الرواية متخيلة، وليست سيرة ذاتية. ورحلة جوليا غريبة، تنتقل من الخوف حول مجموعة من الأطفال (وهي أكثر قلقاً بشأن إخافة طفل بسبب مظهرها).. إلى عالم الحفلات الراقصة. تدخل امرأة الخيمة وهي تخفي وجهها..

وفي يدها غيتار، وترقص وتغني أغاني شعبية من موطنها المكسيك، ويبدو على الجمهور أنه أحبها، ثم يبدأ الصراخ لها لتكشف عن وجهها، فيتحول الأمر من الإعجاب إلى الرعب. ومدير أعمالها يتظاهر بأن الجمهور يراها ساحرة، لكن جوليا يمكنها رؤية الرعب والنفور في أعين الجمهور. ومع ازدياد شهرتها، تعمل بمزيد من الجهد ليجري تقبلها بفضل موهبتها، وسيصبح مديرها الجديد زوجها..

لكنها لن تحقق ما تريده والمتمثل في أن يحبها شخص كامرأة عادية. ويمكن الشعور بالألم الذي يعتصر داخلها من دون أي تذمر، وحتى بعد وفاتها كانت لا تزال تجول بمعية زوجها، روحاً لطيفة تأسر القارئ وسط عالم دون روح.

وفي الرواية تصف بيرتش المحيط الذي تعيش جوليا في أرجائه بشكل دقيق، عالم يتحرك ببطء، قطارات تسير بالبخار، وقاعات دافئة مزينة، ورجال يصدرون الأحكام السريعة.

12

ولدت الروائية الإنجليزية كارول بيرتش في مانشستر عام 1951، ودرست الأدبين الإنجليزي والأميركي في جامعة كيلي، وتمكنت خلال مسيرتها المهنية من تأليف 12 رواية.

فازت بعدة جوائز، منها: «ديفيد هيغهام» لأفضل رواية أولى عن روايتها «الحياة في القصر» عام 1988، «جيفري فيبر التذكارية» عن «خط السحاب» عام 1991. كما أدرجت روايتها «عد إلى المنزل مجدداً» ضمن اللائحة الطويلة لجائزة مان بوكر عام 2003، وروايتها قبل الأخيرة «عرض وحوش جاماراتش» ضمن اللائحة الطويلة لجائزة أورانج واللائحة القصيرة لجائزة مان بوكر عام 2011.

تدرّس بيرتش حاليا الكتابة الإبداعية، وتسهم في مراجعات في عدد من الصحف.

Email