زين العابدين فؤاد: عوالم الأدب تمنحني التفاؤل وحب الحياة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبث الشاعر زين العابدين فؤاد في ديوانه الأخير«قهوة الصبحية»، رسائل ثائرة لأصدقائه ولأرواح شهداء ثورة 25 يناير، بأسلوب يصنفه معه كثير من النقاد كوريث لمدرسة شاعر الشعب بيرم التونسي. ورغم ارتباطه الطويل بالشعر السياسي مع الشيخ إمام؛ إلا أنه يرفض، كما يوضح في حواره مع«بيان الكتب»، تصنيف الإبداع كسياسي أو رومانسي أو نسوي.. وغيرها من هذه المسميات التي يؤكد أنه ضدها. ففي رأيه كل القضايا مطروحة في الشعر، وكلها تنبع من رؤيته الخاصة.

كما يبين فؤاد في الحوار أن الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم استرزق بقصيدته «اتجمعوا».

تضمن ديوانك الأخير«قهوة الصبحية» أسماء بعض شهداء ثورة 25 يناير، ومع ذلك لم تجنح إلى أسلوب المرثيات أو البكائيات. فهل قصدت ذلك؟

ما يفسر الديوان هو مقدمته. أنا أرى الموت فعلا شديدا ومدمرا وقاسيا أكثر، حين يطال الأشخاص الذين ليس لديهم أثر في الدنيا؛ أما من ترك أثرا فحتما سيعيش، لذا أنا أتكلم في الديوان عن الحياة وليس الموت، الحياة التي أخذت منحى آخر.. فالموت ليس النهاية؛ بل ربما يكون البداية. وهو ما يعينننني على الايمان الراسخ بهذا، انغماسي في عوالم الأدب التي تجعلني متفائلا دوما.

1986

كيف تشكلت لديك هذه الرؤية المتصالحة مع الموت؟

لدي علاقة خاصة بالموت، من خلال قصيدة «شجرة الموت»؛ فأمي توفيت أثناء ولادتي، لذا دائما أقول إن«الموت دخلني من حبل السرة»، ومن أحببتهم ماتوا وأنا صغير، أبي توفي حين بلغت سن العاشرة، كما توفي أخي الكبير محمد فؤاد عام 1986، لذلك أحسستُ في أوقات معينة أن الموت يسكن في داخلي؛ بل إنه جزء من نسيجي. وأحيانا فإنه، بالطبع، يكون موجعا، وذاك كما كان مع وفاة زوجتي باسمة حلاوة، لكن، ورغم ذلك، أعترف بأنني متفائل.

قصيدة المقاومة

يلاحظ جمهورك أن قصيدة المقاومة تجذبك أكثر من الأنواع الأخرى؟

الأمر كله مرتبط بالرؤية، والرؤية تختلف عن الموقف السياسي؛ بل هي مثل قطعة النسيج التي تنسج بخيوط متداخلة، عندما تتداخل تشبه شيئا واحدا؛ فالجانب السياسي، وموقفي مثلا من المرأة، ورؤيتي للحياة، كل هذه الأشياء تدخل ضمن رؤيتي الخاصة، أنا ضد تسمية أو تصنيف نوع ما من الإبداع، فكل القضايا جائز أن تكون مطروحة في الشعر..وبأي أسلوب يبغيه المبدع.

حادثة

كثيرون يعتقدون أن قصيدتك «اتجمعوا العشاق» التي غناها الشيخ إمام تنتمي إلى الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم.. فهل يضايقك هذا؟

لا يعنيني هذا.. لكن أتذكر أنه في عام 1984 كنا في معهد إعداد القادة بالقاهرة وكان هناك احتفال، وأصر أحمد فؤاد نجم أن أصعد في تلك اللحظة، خاصة أن صديقي الصحفي جلال عارف وقف لتقديم نجم وقال إنه من كتب أغنية «اتجمعوا العشاق»، حينها نبهت الصالة أن نجم ليس من كتبها، وصعدت وغنيت معهم. وحينها، سأل المهندس يحيى حسين، رئيس المعهد آنذاك، نجم: لماذا ليست هذه الأغنية في أي من دواوينك؟ فقال له لأنها ليست له، فعاود حسين سؤاله: ولماذا لا تقول هذا؟ فأجاب أحمد فؤاد نجم ضاحكا:«لأنه رزق وقد جاء لي».

اطلاع مبكر

قرأت في طفولتك لشوقي.. فكيف تذوقت أشعاره وأنت في العاشرة؟

بدأت القراءة، وبفعل ملازمتي لإخوتي الكبار، وعمري ست سنوات، كنت أقرأ وأسمع، وكانت هناك مكتبة في الفصل والمدرسة. فأخذت ديوان شعر لشوقي، وأستطيع أن أقول إنه كان من حسن حظي أنني قرأت لشوقي في صغري إذ جذبني للغاية؛ خاصة في قصيدته«أبو الهول»، فشوقي أحدث نقلة كبيرة في الشعر المصري.

وبدأت في نشر قصائد الفصحى وأنا في العاشرة من العمر. ودائماً أقول إنني مدين للشعر وانه أنقذني؛ فقد فتح لي أبوابا مختلفة بعيدا عن قسوة الحياة اليومية. ولفتت انتباهي منذ البواكي، وبعمق، الصورة الشعرية.

الاتجاه إلى العامية

كثير من المبدعين يبدؤون حياتهم الأدبية بكتابة الشعر ثم يتحولون إلى نوع أدبي آخر، بينما حافظت أنت على رحلتك مع الشعر طيلة هذه الأعوام...

أرى أن أولى تجارب الإبداع تكون عادة باليدِّ ونستطيع التحكم بها، فأي طفل يظهر الإبداع لديه عن طريق الرسم، فهو التعبير الحر الذي يقوم به الطفل ويكوِّن من خلاله وجهة نظره، ومنه يكتشف الصواب والخطأ، ثم يعبِّر بالكتابة عن طريق الأفكار الرومانسية التي تعبر عن مرحلة المراهقة وهو يعتقد أن ما يكتبه هو شعر.

كتبتَ في البداية باللغة العربية الفصحى، ثم اتجهت إلى العامية، حتى صرت من أبرز مبدعيها.. فلماذا كان هذا التحول ؟

كانت لدي أسبابي الشخصية للاتجاه إلى العامية، جزء منها فني؛ إذ اكتشفت جماليات في الكلمة وأن لها مليون معنى ومليون ظل ليس لها دلالة ثابتة. أما الجزء الثاني فكان تأثير كتاب «بلوتو لاند» للكاتب لويس عوض..إذ كان له عظيم الأثر في تحولي إلى العامية. ثم توقفت عن الكتابة لمدة عامين وعدت إلى العامية..ثم نشرت قصائدي الأولى بالعامية، ذاك منذ يناير 1962 وحتى الآن.

لم تمانع حضور قصيدة النثر. لكن هل تختلف أو ترفض أنواعا إبداعية أخرى، مثل «القصة الشاعرة». أم أنك تجد الأدب مضمارا مفتوحا لكل الأصناف؟

التطور فرض وجود وحدة القصيدة، ثم تغيرت إلى قصيدة التفعيلة، وهي موزونة، لكن ليس بالضرورة أن تتساوى الأشطر، وكتب بها بدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور ونازك الملائكة. فكلها وسائل للتعبير عن النفس. ولكن، ما الذي يجعل ويوجه صنفي الشعر أو النثر؟! إنه التعبير بالصورة وبالتكثيف؛ لذا أنا لست ضد أحد ما دامت هناك رؤية فنية حقيقية وتعبير. إنني أدعم كل التجارب الجديدة في أي مجال إبداعي.

هل هناك عمل تعكف على كتابته الآن؟

أفكر في كتابة سيرتي الذاتية، والتي أروي فيها قصة حياتي. ما زالت حتى الآن تحت التجهيز، إلا أنني لم أبدأ فيها بشكل فعلي بعد، وسيصدر لي قريبا فيلم باسم«وش مصر» بالتعاون مع المخرجة مها شهبة.

يؤرِّخ ويوثق الشاعر زين العابدين فؤاد في ديوانه «قهوة الصُبحية» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لمختلف الأصدقاء الذين شاركوه قهوة صبحياته، سواء بحضور فعلي أو عن طريق استجلابهم في مخيلته لمؤانسته في هذا الوقت.

30

يضم الديوان نحو ثلاثين قصيدة، ومن ضمنها: القلب والأصحاب، الشهدا بيشربوا الشاي، الشمس، السكن في نني العين، 4 قصايد إلى باسمة حلاوة، يرجع البلشون يطير، 4 قصايد للفرح والبكا، عديد مصري على شهيد مصري، اعتذار عن كتابة قصيدة، والنيل ما يفضيشي في الغربة، تفرد رموشك مواكب، الرصاص يكتب أسامينا، سفر، الحكواتي، يقتطف ورد الدموع، رسوم قديمة في جدار.

ومن القصائد التي يضمها الديوان أيضاً: حلمي سالم يرحل في الأماكن، أغنية حب، أغنية فرح، جوسلين، شيء بيعيط في القلب، براويز لناس في الغياب، الفراشة، حديث خاص مع مينا دانيال، والشعب وحده اللي حي، جرح البدن، ملاك النوم، السفر في جناين يوسف درويش، وأحمد سيد حسن بعيون بسمة، أغنية صغيرة، بسمة، بسمة تتهجى الحياة، لما نادية تنام، في السفر، طويل يا سفر، من أغاني بيروت صوت المسا، طالت الوقفة وإمتى العيد، عبدالمنعم رياض، شجرة الموت، مريم، كتابة على كفن سالي زهران.

ويتناول فؤاد من خلال هذه القصائد يتناول ما يقرب من مائة اسم لأصدقائه، ويبعث إليهم سلامه عبر إهدائه في أول الديوان، والذي حمل عنوان «القلب والأصحاب»، قائلًا فيه: «مقدرش أكتب كل الأسامي، لكن قهوة الصبحية كل يوم، والسنة فيها 360 يوم، وباشرب قهوتي مع أصحابي، اللي في المدن البعيدة، والقريبة على قلبي».

أمل طاغ

يتميز الديوان بنزعة كبيرة من الأمل حاضرة فيه بقوة، رغم أسماء الموتى والشهداء بداخله، وهو الأمر الذي دفع عددا من النقاد إلى وصف الديوان بأنه رومانتيكي ثوري، كما أثنى آخرون على لغته ووصفوها بأنها تخلصت من طبقاتها، مشبهين أسلوب زين العابدين بالشاعر بيرم التونسي، الذي اهتم بالشعب المصري والحارة المصرية، إضافة إلى رسالة الأمل التي يبثها في ثنايا أبياته.

تعكس قصيدة«القلب والأصحاب» في الديوان، الأمل الكبير لدى الشاعر، حتى مع المرارات. ومما يقول فيها:

«ساعات باستغرب»

إزاي القلب يقدر يحفظ الأصحاب اللي مروا

ويحتفل بوجودهم وأثرهم

لكن بابص على جلدي وأشوف المسام اللي فيه

وألاقيهم كلهم،

كل واحد سايب علامة على جلدي وعقلي وقلبي

لازم افتكرها».

ويتابع الشاعر:

«أحتفل بكل اللي مروا في حياتي وسابوا أثر

وأشرب معاهم قهوة الصبحية

واسألوا:

المهدي بن بركة، وطاهر عبد الحكيم ونبيل الهلالي ويوسف درويش

ومحمد سيد سعيد وعبد العزيز شفيق وعبد الحميد العليمي

وأروى صالح وسهام صبري

وعبد السلام الشهاوي وأمل دنقل ومحمد سيد سعيد وأحمد عبد الله

وبهجت عثمان وبدر حمادة ومحيي اللباد وزهدي العدوي

فاروق رضوان، وأحمد نصر وحسين شاهين

ومحمد عفيفي مطر وإبراهيم أصلان

ومصطفى الحسيني وعبد الوهاب المسيري

وزكي مراد وفتحية سيد وفاطمة زكي ومحمود أمين العالم

وممدوح عدوان وغسان كنفاني

ونصر أبو زيد ومينا دانيال ومريم فكري

وباسمة حلاوة والشيخ إمام وعدلي فخري ونعم فارس».

ويختم فؤاد

«ساعات ما قدرش أكتب كل الأسامي

لكن قهوة الصبحية كل يوم

والسنة فيها 360 يوم

وباشرب قهوتي مع أصحابي

اللي في المدن البعيدة

والقريبة على قلبي».

رسائل أمل ينثرها عبير «قهوة الصُبحية»

Email