إبراهيم عبدالمجيد: الفن أبقى وأفضل من العمل السياسي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«أنتمي إلى فوضى الأدباء وأعشق الموسيقى وأتمرد على كل ما أعرفه كي أكون مستقلًا»، هكذا يصف الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد نفسه في حواره مع «بيان الكتب».

وربما كان لمكان اللقاء به ميزة وسمات إثراء خاصة شحذت الحوار بالكثير، حيث بدأنا، في مقهى ريش وسط العاصمة المصرية (القاهرة)، من موضوعة الثراء الثقافي والمعرفي، إذ يشدد على أنه توصل إلى قناعة بأن الفن والأدب أبقى من العمل السياسي وأفضل، كما يلفت إلى أنه يرى الأغلبية العظمى من النتاجات الروائية الحالية، رديئة.

«ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع»، هذا النوع من الكتابة قليل في الوطن العربي وربما لا يحظى بالرواج المناسب، فهل توقعت أن يحظى بهذا القدر الكبير من الحفاوة والتكريم؟

أنا من الكُتّاب الذين لا يتوقعون أي شيء، أعتبر مهمتي إنجاز الكتابة فقط، أما بعد ذلك فالكتاب ملك القراء، ينجح أو لا ينجح تلك مسألة لا أتدخل فيها ولا أنتظرها، لأني إذا انتظرت ردود أفعال الناس على كتاب ما فلن أكتب ثانية، لكني أحصل على حقي أثناء كتابته؛ حيث أكون في حالة من السعادة الروحية.

وكيف تنظر إلى نيلك جائزة الشيخ زايد للكتاب«2016»، عن هذا العمل أخيراً؟

فخور جداً بهذه الجائزة رفيعة المستوى. إن هذا الفوز وسام فريد يمثل طموح جميع المبدعين حالياً، وأشير إلى أنها فعلاً باتت تلعب دوراً نوعياً في تحفيز الإبداع والثقافة في العالم العربي، بل على مستوى عالمي أيضاً.

كتابة في دفعة واحدة

ذكرتَ في الكتاب أنك تحب القصة القصيرة لأنها لا ترهقك. متى نقرأ لك مجموعة قصصية جديدة؟

كتبتُ قصة قصيرة أخيراً نُشرت في جريدة «الأهرام»، وقبلها كتبت 4 قصص قصيرة لم تنشر بعد، وحتى الآن ليس لديّ عدد يمكن أن يُنشر في مجموعة قصصية مستقلة؛ لأني أكتب القصة القصيرة حين تطلبها روحي، فهي بالنسبة إليّ استراحة محارب، فأحياناً وأنا أكتب الرواية تطرق على بالي فكرة ما لا تصلح لأن تكون رواية، فأكتبها دفعة واحدة، لأن القصة القصيرة عبارة عن مشهد واحد..

وحالة واحدة، مكثفة ومركزة؛ لذلك ليست متعبة، لكن مع الأسف أنا حزين على فن القصة القصيرة، بسبب اكتساح الرواية، فأصبح هناك عدد هائل من الروايات معظمها ليس جيداً، وفي كل 20 رواية نجد واحدة فقط جيدة.

اختيرت روايتك «لا أحد ينام في الإسكندرية» ضمن «أفضل مئة رواية في العالم»، فهل يمكن القول إنها أفضل ما كتبت؟

لا، أفضل ما كتبتُ هو آخر ما أكتبه، وحتى الآن أعتبر أن «آداجيو» هي أفضل ما كتبت إلى أن أكتب رواية أخرى تصير هي الأفضل، أما القراء فهم يحبون رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية»، وهم أحرار في اختيارهم، ورغم هذا فأنا أحب «طيور العنبر» أكثر منها، وأعتبرها الأقرب إلى قلبي.

متعتي الوحيدة

هل تتفق مع الرأي القائل إن المبدع إذا شعر بأنه قدَّم أفضل ما لديه، لن يكتب مرة أخرى؟

بالفعل أنا مع هذا الرأي، لذلك أعتبر متعتي الكتابة فقط، ولا أشغل بالي بغير ذلك، الكتابة عندي هي الحرية، وأنا أمارس حريتي بعيداً عن النقد الأدبي، وتمردتّ على كل ما أعرفه كي أكون مستقلاً وأحدد لنفسي مواصفات مختلفة عن غيري، وأخرج عن كل التقاليد والتابوهات وأضع بصمتي الخاصة في الشكل الأدبي.

بصمة

هل بصمتك هذه تتمثل في قدرتك على إيجاد الشعارات السياسية على خلفية رواياتك رغم بُعدها الظاهري عن السياسية؟

بعد أن تفتح وعيي على هزيمة 1967م أدركت أن الحياة ليست جميلة كما تخبرنا السلطة دوماً، ولذلك انضممت إلى الجماعات السياسية الماركسية، واستفدت منها في التعرف إلى كثير من الكتاب والمفكرين الكبار، أمثال: فريدة النقاش ومحمود العالم وعبدالعظيم أنيس، كذلك كان لها سلبياتها مثل أنها تثقل على فكرة الأدب الموجَّه، وتصبح الرواية زاعقة، واكتشفت أن الأدب أعمق من الكلام المباشر..

ويجب أن أتخلص من السياسة في كتاباتي، وبالفعل نجحت في ذلك عندما كتبت رواية«المسافات»، التي كان ثمنها أني تركت الحزب الشيوعي وابتعدت عن العمل السياسي المنظم لأركز في جنون الأدباء، لأني وجدت أن الفن أفضل وأبقى، وفضلت أن تحمل رواياتي الشعارات السياسية دون تصريح مباشر، وأعتقد أن هذا يحسب لي.

نعرف أن الأماكن هي التي تستفزك في الأغلب لتكتب عنها، بينما في رواية «آداجيو» استفزك لحن موسيقيّ. كيف حدث ذلك؟

منذ 1969م وحتى الآن أستمع كل ليلة إلى البرنامج الموسيقي على«الراديو»، ودائماً تذاع الموسيقى الكلاسيكية أولاً ثم الموسيقى الخفيفة ثم التصويرية؛ ما يجعل روحي محلقة في فضاء غرفتي، لكن وسط هذه الموسيقى المبهجة يذاع دائماً لحن حزين، عرفت فيما بعد أن اسمه «آداجيو»، ومعناه بالإيطالي لحن بطيء حزين.

وتتداخل ذكرياتي المؤلمة مع اللحن، فأتذكر زوجتي التي توفيت متأثرة بمرض السرطان، ومررت معها بتجربة قاسية، فاستفزني اللحن، وأخذت من تجربة زوجتي فكتبت رواية «آداجيو» عن امرأة مصابة بالسرطان، وجعلت من اللحن خلفية حزينة للرواية، وفيها أخرجت كل معلوماتي عن الموسيقى وأظهرتها في أسلوب الكتابة، فأصبحت أكتب بلغة الموسيقى..

فإذا كانت بطيئة أكتب ببطء، وإذا كانت سريعة أكتب بإيقاع سريع، وإذا كانت موسيقى مبهجة تصبح لغتي مبهجة والجمل قصيرة.. وكل هذا أخذ مني جهداً كبيراً لتخرج الرواية بمثل هذا الشكل الفني، والحمد لله، نالت إعجاب القراء.

مدينة العالم

كتبتَ عن الإسكندرية كما عديد من الكُتاب. كيف تفسر حالة السحر الخاصة بهذه المدينة التي تبدو معشوقة الجميع؟

الإسكندرية بلورة سحرية، تنظر إليها فتعكس عشرات الصور التي تحمل معاني متنوعة وعديدة. كانت مدينة العالم في العصر السكندري أو الهيليني، وامتزجت فيها الآلهة اليونانية والمصرية، وعاش فيها العديد من العلماء والفلاسفة والفنانين من شتى أنحاء العالم، لكنها بدأت الاضمحلال قبل نحو قرن من العصر الإسلامي، ثم اضمحلت لأن شعبها متمرد بطبعه، فلم يكن يحبها الحكام.

صرحتَ سابقاً أنك كتبت رواية «هنا القاهرة» من أجل أصدقائك. فمن هم؟ ولماذا تأخرت في كتابتها؟

الرواية تتطرق إلى جزء كبير من حياتي عندما كنتُ شاباً، وجمعت أكثر من شخص من أصدقائي في شخصية واحدة في الرواية، بينهم: مخرجون وفنانون وأدباء، أحدهم المخرج سامي صلاح، وكانوا دائماً يطلبون أن أكتب عنهم رواية، لكني لم أفعل حتى مات أكثر من كنت أحبه من بينهم قبل شهور قليلة من ثورة يناير، فقررت أن أكتب الرواية، وتمنيت لو أنه كان موجوداً ليقرأها.

تصنف أكثر أدباء جيلك استمراراً وقراءة من قبل الشباب. فكيف تفسر ذلك؟

ذلك لأني متواصل مع الشباب على الإنترنت وأناقش أفكارهم وأتابع إنجازهم الأدبي بقدر الإمكان، وأعتبر نفسي أعيش حياة عصرية ولست منكفئاً على الماضي.

«ما وراء الكتابة».. أسماء حقيقية لأبطال روائيين

دفعت الرغبة في البوح إبراهيم عبدالمجيد، إلى تسجيل كثير من أسرار وكواليس رواياته، وأن يشرك القارئ في جزء من أفكاره ويطلعه كيف كانت تأتيه أفكار أعماله، لكنه لم يتوقع أن يفوز كتابه «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2016؛ وهو ما سره كثيراً.

ولجنة تحكيم الجائزة قالت في حيثيات منحه الجائزة«الكتاب»: «إنه سيرة تتناول بالعرض التحليلي، الملابسات التي شكلت أعمال إبراهيم عبدالمجيد الروائية، والكتاب يعرض لهذه الأبعاد التي تبّين الجذور الواقعية الأولى لهذه الأعمال وتكشف العلاقة بين الواقع والمتخّيل، وهو شهادة إبداعية موسّعة عابرة للأجناس الأدبية، تعبر عن الحوارية التعددية التي تستمد جمالياتها من مختلف الأجناس».

كيف ولماذا وإجابات

لا يتطرق عبدالمجيد في الكتاب إلى شيء سوى الكتابة، معترفاً بأسماء أبطال رواياته الحقيقيين، وكيف تولدت أفكار هذه الروايات وكيف اكتملت، ولماذا كتبها؛ حيث يصطحبنا في رحلة طويلة وممتدة عبر أكثر من أربعة عقود أنتجت روايات وقصصاً وكتباً ودراسات ومقالات أصبحت ضمن أهم الأعمال الروائية والقصصية في القرن الأخير.

4 أقسام

يتكون الكتاب من أربعة أقسام، تسبقها مقدمة قصيرة بعنوان«المعنى الذي أريده» تحمل بوضوح الهدف من تأليف الكتاب ودوافعه.

أما القسم الأول فيتمحور حول الروايات الأولى في مسيرة عبدالمجيد السردية، وهي«المسافات» و«الصياد واليمام» و«ليلة العشق والدم»و«بيت الياسمين». ونتعرف هنا على تكوين عبدالمجيد الثقافي وميوله السياسية ومشاركته في المظاهرات الطلابية، بل ونلمس كيف تبدلت قراءاته وجمعت بين الفلسفة والتصوف والماركسية والشعر والأدب الغربي والعربي.

أسرار

وفي القسم الثاني بعنوان«الكتابة عن الإسكندرية» يأخذنا إلى أسرار كتابته عن المدينة الساحرة؛ وهكذا جاءت كواليس ثلاثيته الشهيرة «لا أحد ينام في الإسكندرية»و«طيور العنبر»و«الإسكندرية في غيمة» وكأنها قصيدة نثرية من فرط ما تثيره من حنين الكاتب لمدينته. ويأتي القسم الثالث ليتناول روايات «برج العذراء»و«عتبات البهجة» و«في كل أسبوع يوم جمعة».

وتحت عنوان«هنا القاهرة.. أخيراً أحببتها» تحدث عن مدينة القاهرة، التي تركها تنجرف بين وجدانه بصخبها.

اختلاف أكيد

أما القسم الرابع والأخير فيجيب فيه عن تساؤل «هل يختلف ما وراء القصص القصيرة عن الرواية؟»، فيجيب: «من المؤكد أنه يختلف»، ويفيض عبدالمجيد في الحديث عن كتابته للقصة القصيرة وبداياته معها فيقول:«كانت القصة القصيرة هي الطريق إلى الوجود الأدبي؛ ومن ثمّ إلى المسابقات».

ويحكي عن تلك الفترة المبكرة من حياته الأدبية قائلًا: «أستطيع أن أقول إن كل القصص كان لها أصل في الحياة. لم تكن القصة القصيرة ترهقني كثيراً في البحث عن لغة أو بناء، كانت تعجبني قصص كتّاب الستينيات من القرن الـ20، المجيدين، مثل: بهاء طاهر والبساطي ويحيى الطاهر عبدالله، لخصتها كلها في كلمتي «التجريب والإيجاز».

 

Email