مانيا سويد: شهرتُ عقد قران الأدب والسينما

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعكس ارتباط السينما بالأدب، منذ انطلاقتها وحتى يومنا هذا، حالة العشق بينهما، والتي تنسحب أيضاً على شريحة واسعة من الأدباء والمبدعين في مختلف مجالات الفنون.

ومن الطبيعي رؤية الأديب للأفلام السينمائية المقتبسة من الأعمال العالمية، بعين تختلف عن الناقد السينمائي، ليتناول الفيلم من منظور العاشق للكلمة والصورة. وأبرز مثال على هذا العشق كتاب «سينما وأدب في 100 عام» (1915 – 2015) للأديبة والإعلامية د. مانيا السويد، الذي صدر حديثاً من دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.

وبهدف التعرف على المحاور التي تناولها الكتاب، وكيفية تفاعل الأديب مع السينما، ومعرفة جهة انحيازه بشأن كفة من يرّجح في الإبداع إن وضعنا في الميزان الرواية والفيلم المقتبس عنها.

والفوارق الجوهرية بين السينما القديمة والحديثة والمعاصرة، التقى «بيان الكتب»، الدكتورة مانيا التي صدر لها روايتان وثلاث مجموعات قصصية ومؤلفات أخرى، إذ تبين في الحوار أنها، ومع كتابها الجديد، أشهرتُ عقد قران الأدب والسينما، الذي هو موجود أساساً.

تقول د. مانيا في مقدمة كتابها: «لم يخطر لي يوماً أن أكتب عن هذا العالم السينمائي العجيب، لتمضي السنون من دون أن يمر يوم لا أرى فيه فيلمين أو ثلاثة، في صالات العرض السينمائي حيناً، وعلى شاشات التلفاز، ومن خلال المواقع الإلكترونية في أحيان أخرى. ثم جاءت الفكرة: لماذا لا أشهر عقد قران هذين المحببين إلى قلبي، السينما والأدب؟».

كيف اخترت الأفلام المائة وأسلوب تناولها؟

اخترت الأفلام المقتبسة من عمل أدبي متميز كرواية أو قصة أو (سيناريو أصلي)، لأني من المؤيدين لاعتبار السيناريو من الأعمال الأدبية، وإن كان يحتوي على تقنيات سينمائية وتلفزيونية. وجمعت في عرضي للأفلام بين السرد والتحليل وفي بعض الأحيان النقد للجانب الأدبي، والكتاب ليس متخصصاً في السينما أو في الأدب، بل هو كتاب يزاوج بينهما.

«امرأتان»

هل انحصرت الأفلام التي أضأت عليها في ما قدمته سينما هوليوود؟ أم تطرقت لأفلام من إنتاج دول أخرى؟

معظم الأفلام كانت هوليوودية الطابع، وذلك لصعوبة الوصول إلى الأفلام الأوروبية المقتبسة من الأدب، وشحّ مصادرها. أما بالنسبة للسينما العربية فهي تستدعي قراءة خاصة بها، ومع ذلك فبعض الأفلام لم تكن من إنتاج هوليوود حيث تناولت فيلماً إيطالياً بعنوان «امرأتان»، ومن اليونان فيلم «زوربا اليوناني» ومن فرنسا فيلم «زد».

عمق

بصفتك أديبة وقارئة: هل تفوق أي من الأفلام التي استعرضتها أو وازت عمق وجماليات الرواية المستلهمة منها؟ وما الأفلام التي أفلحت بهذا تحديداً؟

نعم، كانت هناك بعض التجارب التي أكدت لي أن المعالجة السينمائية تفوقت على المعالجة الأدبية، وزادتها عمقاً على الرغم من ذيوع سيط مبدع العمل الأدبي.

مثل مسرحية تينسي ويليامز (عربة اسمها الرغبة)، التي تفوق فيها الفن السينمائي من وجهة نظري على الإبداع الأدبي، بفضل عمق تجربة المخرج إيليا كازان وموهبة بطليّ الفيلم مارلون براندو وفيفيان لي. هذا مجرد رأي لا يقلل مطلقاً من قيمة الأديب العالمي تينسي ويليامز.

المحتوى أساس

ما السمات العامة التي تميز أفلام سينما كل مرحلة، بدءاً من: الصامتة ومروراً بمرحلة الأبيض والأسود، ومن ثم الحديثة، فالمعاصرة؟

اعتقد أن مفتاح المفاضلة بين أفلام الأبيض والأسود والأفلام الحديثة والأفلام المعاصرة، يكمن في المحتوى. فقد لاحظت في أفلام الأبيض والأسود أن الحدث «الحكاية» هو الذي يسيطر على الزمن الذي يستغرقه عرض الفيلم، بينما تبدل هذا (المحتوى) في السينما الحديثة ليتحول إلى «الحركة» وهيمن على مضمون السينما المعاصرة، التكنولوجيا (الرقمية) على وجه التحديد. وأُرجّح عودة السينما في المستقبل إلى محتوى الحدث.

بعد رحلة «100 فيلم مقتبس من الأدب» ما الأكثر متعة: قراءة الأدب أم مشاهدة السينما؟

ألهمتني رحلتي مع الكتاب إطلاق مصطلح «الأدب المصور» على الأفلام المقتبسة من الأدب، وأرى أن لكل منهما متعته الخاصة به. ورابط قياس المتعة بينهما الرؤية (العين تقرأ المكتوب وتشاهد المصور)، إذ تأكد لي الفرق بينهما في مصدر الحركة.

فالقارئ يتخيل حركة الشخوص والأحداث والأماكن كما يصورها له خياله، أما الحركة في الأدب المصور فهو يشاهدها وفق رؤية المخرج فيحدث نوع من الصدام (إن صح التعبير) بين التصورين، وهو صدام حميد بالمناسبة، لأنه يثري الخيال.

لو طلب منك إعادة النظر في المائة فيلم، أي فيلم ترغبين استبداله بآخر، ولماذا؟

من الصعب جداً حذف أي منها، لأني تعايشت مع كل فيلم معايشة وصلت إلى حد أنني كنت أعزل نفسي عن المحيط لأنفرد به، فقصة عملي على الفيلم إضافة (بالنسبة لي) على أصل العمل. كما جمعت بيني وبين كل فيلم ذكريات وأحداث ليس من السهل محوها من ذاكرتي.

فمثلاً كنت أمر بظروف مؤلمة خلال كتابتي عن أفلام كوميدية واستعراضية، ومع ذلك عشت في أجوائها دون تقاطعات. أما عن الإضافة، فأنجزت قبل طباعة الكتاب 15 فيلماً لم يضمها، حيث سبق وأن رسمت الخط الذي أردته وكم أتمنى لو أضيفها.

«سينما وأدب في 100 عام».. إبداع مصور واقتباسات شيّقة

تنبع قيمة كتاب «سينما وأدب في 100 عام – 1915 – 2015»، للدكتوره مانيا سويد، من توثيقه الدقيق لأبرز إنجازات السينما المقتبسة من الأدب في عالم هوليوود بأميركا، وفي بعض الدول الأخرى. وتحوز الأفلام التي استعرضتها مؤلفته د. مانيا سويد فيه، مكانة مهمة تؤهله ليكون بحق مرجعاً وثائقياً فنياً يتخصص في دراسة مئة فيلم تركت بصمتها في عالم الفن السابع.

«امرأتان»

أما متعة القارئ المتأتية عن هذا الكتاب، فمصدرها اختزال الكاتبة المعلومات الأساسية كسياق مرجعي، لتدخل القارئ بأسلوب مشوق وسلس إلى جوهر العمل الذي يختلف في كل فيلم، مع إضاءة إما على مرجعية اسمه أو حياة المخرج أو أبعاد الرواية وغيرها.

وسرعان ما يتلاشى ثقل وزن الكتاب من ذهن القارئ الذي يستغرق في عوالمه من دون أي جهد، رغم أنه يصل في عدد صفحاته إلى 610 من القطع المتوسط.. فما إن ينتهي من قراءة عرض أحد الأفلام حتى يجد نفسه منجذباً إلى معرفة المزيد عن الفيلم الآخر، سواء الذي يليه، أو ذاك الذي استوقفه فيه اسم المخرج أو الممثلة أو الروائي.

فمن يستطيع تجاهل فضوله لقراءة ما كتب عن الفيلم الإيطالي الشهير «امرأتان» 1960، الذي جمع بين ثلاثة أعلام في الفن: الروائي البرتو مورافيا والمخرج فيتوريو دوسيكا والممثلة صوفيا لورين. ويتعرف القارئ هنا على تجربة الروائي والمخرج الذي شكل هذا الفيلم بمثابة تحد له ولصناع السينما، الذين شككوا في نجاحه بتقديم فيلم تراجيدي بعد تصنيفه ضمن مخرجي الأفلام الكوميدية.

تسلسل زمني

اعتمدت مانيا سويد في فهرسة كتابها على التسلسل الزمني، ابتداء من الفيلم الصامت «كارمن» عام 1915، ويليه «السماء السابعة» 1927 الذي شكل سابقة بحصول صناعه بين مخرج وسيناريست وممثل، على الأوسكار، و«السيرك» عام 1928 الذي كتبه وأخرجه وأنتجه ومثله ووضع موسيقاه عبقري السينما البريطاني تشارلي تشابلن الذي حصل على جائزة تقديرية خاصة من الأوسكار، في سابقة هي الأولى من نوعها لكونه أكبر من المنافسة. وتستمر رحلة القارئ مع الأفلام وصولاً إلى الفيلم الأخير «المريخي» عام 2005.

بين اللحن والرسالة

واستهلت مانيا عرضها لكل فيلم بالمعلومات الأساسية التي ضمت تاريخ الإنتاج واسم المخرج والرواية المقتبس منها.. واسم كاتبها.. إضافة إلى أبرز الممثلين فيه، ذلك مع صور للمخرج والروائي والممثل أو الممثلة. لتقدم بعدها ملخصاً عن أحداث الفيلم أو الرواية، تليه محاور اختارتها الكاتبة تبعاً لأهميتها من وجهة نظرها، فتارة الموسيقى وأخرى رسالة الأديب أو المخرج أو نشأته.

وتقرأ محاور كتاب د. مانيا سويد، في مجموعة أفلام مهمة. إذ يتبدى لنا بجلاء، في محطاته المتنوعة، مدى نجاحها في إنجاز تحليلات معمقة منطلقها إيمانها الكامل، بفعل البحث والدراسة، أن مصطلح «الأدب المصور» هو المسمى الذي يليق بحق بالأفلام المقتبسة من الأدب. ومن بين أبرز الأفلام التي تناولتها الكاتبة، فيلم بابل: «Babel»، لجيليرمو أرياجا.. اليخاندرو كونزاليس إيناريتو.. برات بيت.

إذ يعد هذا الفيلم من بين أهم الروائع السينمائية، وهو من إنتاج العام 2006م، كتب له السيناريو المكسيكي جيليرمو أرياجا (1958م) ومن فكرة وإخراج المكسيكي اليخاندرو كونزاليس إيناريتو (1963م)، ومثله الأميركي براد بيت (1963م) والأسترالية كيت بلانشيت (1969م) واليابانية رينكو كيكوتشي (1981م) والمكسيكية أدريانا بارازا (1956م).

أحداث الفيلم

تُفصّل سويد في صور ومضامين الفيلم ومقارباته الأدبية، وذلك في كل تفاصيله، عاكسة وحاكية جميع ذلك قياساً إلى الحبكة الفريدة للفيلم، إذ يضم ثلاث قصصٍ منفصلة مكانياً، الأولى تقع أحداثها في منطقة نائية بالصحراء المغربية، والثانية في أقصى الغرب بين المكسيك والولايات المتحدة الأميركية..

والثالثة في أقصى الشرق باليابان، لكن القصص الثلاث متداخلة زمنياً ويربط بينها حدث واحد، بندقية تركها سائح ياباني لأحد البدو بالصحراء المغربية، بعد أن أمضى إجازته في صيد الغزلان بصحبة ذلك البدوي الذي كان يعمل مرشداً له أثناء الرحلة.

2و3

وتتحول سويد لتضيء على المحتوى الأدبي والجمالي في صوره وصيغه ضمن محطات وإبداعات متناسقة، فتزامناً مع تلك الأحداث في الفيلم، تدور أحداث القصة الثانية ببحث الشرطة اليابانية عن رجل يدعى ياسوجيرو واتايا، الذي قام بدوره الممثل الياباني كواجي ياكوشو (1956م)، للتحقيق معه في أسباب وجود بندقيته مع أحد البدو في الصحراء المغربية، وكانت الشرطة تتبعه من خلال ابنته التي تعاني من أزمة نفسية بسبب موت أمها منتحرة، الحوار في هذه القصة كان باللغة اليابانية.

 

Email