لين كتسوكاكي:لا أكتب الرواية لأفسر التاريخ

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جوانب إنسانية مجهولة تضيئها الرواية الأولى للكاتبة الكندية من أصل ياباني لين كتسوكاكي، الصادرة أخيرا بعنوان «ترجمة الحب»، عن حياة الكنديين اليابانيين الذين جرى ترحيلهم إلى اليابان المدمرة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وتقول الكاتبة في مقابلة أجرتها معها مجلة «سبايت»، إنها أرادت أن تكتب عن تلك الفترة من منظور أشخاص لا نفكر فيهم كثيراً، أولئك الكنديين والأميركيين اليابانيين الذين وجدوا أنفسهم في اليابان تحت الاحتلال الأميركي، في مواجهة ظروف شديدة الصعوبة عام 1946.

وتصف الكاتبة تلك الأزمنة بأنها أوقات من الارتباك الكبير، ومن الذعر الواضح، فالحكومة الكندية طرحت على الكنديين من أصل ياباني القابعين في معسكرات الاعتقال لديها، خيارين لا ثالث لهما، إما التوجه شرقاً نحو جبال روكي والانتشار هناك، أو الذهاب إلى اليابان..

وأحدث الأمر باعتقادها صدمة عنيفة، إذ إن الكثير منهم لم يمنح الوقت الكافي ليتخذ قراره، والعائلات كانت مرتبكة ولا تدري ماذا تفعل.

الرواية بالكامل من نسج الخيال، لكن الكاتبة تقول إن لديها هذا الرابط مع هذا الجزء المعين من التاريخ، الذي لا تعتقد أن عددا كبيرا من الناس على علم بشأنه. فوالدها ووالدتها المولودان في فانكوفر بكندا أمضيا فترة في معسكر اعتقال في مقاطعة كولومبيا البريطانية بكندا، وجداها من جانب والدتها رُحلا إلى اليابان، حيث توفي جدها بعد سنتين، قبل أن تعود جدتها بعد سنوات إلى كندا.

تقول الكاتبة إنها لا تصدق أنه لم يسمح للكنديين من أصل ياباني بالعودة من بعد 100 ميل من شاطئ المحيط الهادي، حتى عام 1949. وفي النهاية، عاد العديد منهم لأن الحياة في اليابان كانت صعبة لأسباب شتى: اقتصادية، ثقافية.. ولأنهم كانوا كنديين.

زخم مطلوب

وتشرح الكاتبة في مقالة على موقع «بوكبايغ.كوم»، أنها من اللحظة التي خطرت على بالها فكرة كتابة رواية، كانت متأكدة من شيء واحد، وهو أن روايتها ستكون في اليابان. كانت قد درست اللغة اليابانية، وأمضت بعض الوقت هناك، وكأمينة مكتبة أكاديمية تخصصت بالمواد المتعلقة باليابان.

اعتقدت بعد تأليفها قصصاً قصيرة عن اليابان المعاصرة، أن لديها أفكارا تخولها كتابة رواية، لكنها لم تجد الزخم المطلوب، إلى أن قرأت عن الرسائل التي بعثها اليابانيون إلى الجنرال مكارثر خلال الاحتلال. كانت الرسائل في نطاقها وتنوعها مثيرة للاهتمام، لكن الأكثر إثارة للذهول كان عددها، وهو ما يصل إلى 500 ألف رسالة.

وفي مكان ما في هذا الجانب غير المعروف كثيرا في التاريخ، كانت هناك رواية. كان هناك تشرد وجوع وسوق سوداء وبغاء، وفي المقابل، كان كثير من الناس متفائلين لما رأوه كاتجاه جديد لبلادهم.

وأبلغت الكاتبة مجلة «سبايت» أنها كانت أوقاتاً عصيبة ومليئة بالمتغيرات الكبرى، لكنها كانت أيضاً مليئة بالاحتمالات الهائلة والأمل، لأنه لا أحد كان يدري كيف ستسير الأمور في المستقبل. وهي تعتقد أن معظم الناس كانوا فرحين بانتهاء الحرب وبأنهم نجوا بأنفسهم، وكتابها محاولة للوصول إلى ذلك الأمل الذي كان لدى الناس.

فتاتان

الرواية تركز على حياة فتاتين: أيا شيمامورا التي عاشت عمرها في كندا قبل أن يجري ترحيلها إلى اليابان مع أبيها، فومي تاناكا- وهي مواطنة من طوكيو تستعين بآيا للبحث عن أختها المفقودة-. ومعاً تحاول الفتاتان الاتصال بالجنرال مكارثر، في رحلة عبر الأوضاع المعقدة لليابان ما بعد الحرب. تقول المؤلفة إنها أرادت أن تكتب عن الفترة الأولى من الاحتلال الأميركي..

لأنه في تلك الفترة كانت الظروف قاتمة في اليابان، كان هناك نقص حاد في الغذاء، لا سيما في المدن، ونظام التقنين الغذائي لم يكن كافياً لسد الرمق.

وبالتالي، كان على الجميع الاتكال على طرق أخرى للحصول على غذاء إضافي لا سيما من السوق السوداء. وتعمدت جعل الشخصيتين الرئيستين فتاتين في سن 12 و13 عاما، لأنها تحب هذه الفئة العمرية، وتصفها بـ: فترة التحول والعبور من البراءة إلى المعرفة.

وهي أحبت أن تكون الفتاة اليابانية فومي في عمر 12 سنة، لسبب محدد بعينه، وهو أن الجنرال مكارثر استخدم عبارة لطالما أثارت حنقها، وهي «إذا كانت أميركا كدولة يمكن تشبيهها برجل ناضج بعمر 45 عاما، فإن اليابان كدولة أشبه بفتى بعمر 12 عاما».

تحد

الفتاتان في القصة ستتحديان السلطة، عندما تحاولان الاتصال بمكارثر. وتقول المؤلفة إنها لم تكن تهدف من تأليفها للرواية تفسير التاريخ، فالدور الذي تلعبه الرواية برأيها، هو في جعل القارئ يتواصل مع قصة شخص آخر، وهي تأمل أن تكون قد ألفت شخصيات حقيقية بما يكفي بحيث يتواصل القارئ معها فكريا وعاطفيا ومع الأشياء التي مرت بها.

«ترجمة الحب» تطرد يباب الحروب وتزرع الأمل

تقدم رواية «ترجمة الحب» للكاتبة الكندية لين كتسوكاكي، صورة مؤثرة عاطفياً عن حياة فتاة رُحلت من كندا إلى اليابان، وتحكي عن سعيها لمساعدة زميلتها في المدرسة في البحث عن أختها المفقودة بين حانات جينزا بطوكيو.

فبعد قضائها سنوات الحرب في معسكر اعتقال كندي، ليس لسبب إلا لأن أجدادها يابانيون، تواجه آيا شيمامورا البالغة من العمر 13 عاماً ووالدها، خياراً عسيراً فرضته عليهما الحكومة الكندية عام 1945: إما التوجه شرقاً نحو جبال روكي والتفرق هناك كي لا يشكلوا مجتمعا، أو «العودة» إلى اليابان.

1946

الوالد الممنوع من العودة إلى منزله، والمكلوم بانتحار زوجته والمحاط بمشاعر الكراهية، يوقع على أوراق تسمح للحكومة بترحيله.

لكن طوكيو المدمرة بفعل الحرب ليست أفضل حالاً. كانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها، إلا أن الصراع من أجل البقاء معركة يومية لعدد كبير من سكان طوكيو عام 1946.

ويصارع والد آيا لإيجاد عمل، ويساوم على أخلاقه، ويكدح لساعات طوال، وفي غضون ذلك، فإن ابنته المولودة في فانكوفر تشعر بأنها منبوذة في مدرستها، إلى أن تقرر الفتاة الجالسة بقربها فومي تاناكا أن آيا التي تتقن اللغة الإنجليزية، مساعدتها في إيجاد أختها المفقودة..

لا سيما عندما تسري شائعات بأن الجنرال مكارثر الذي يشرف على الاحتلال يقرأ شخصياً آلاف الرسائل التي يتلقاها من المواطنين اليابانيين، وهو الذي قال لهم: «إذا كان لديكم مشكلة فاكتبوا رسالة، وهذا ما تعنيه الديمقراطية».

صداقة تتعزز

تطلب فومي من آيا مساعدتها في كتابة رسالة للجنرال تستجدي منه أن يساعدها في إيجاد سوميكو، فتتعزز الصداقة بينهما. وبطريقة ما، تقع الرسالة في يد الجندي الأميركي الياباني مات ماتسوموتو، الذي يقضي عمله بترجمة آلاف الرسائل التي يتلقاها مكارثر أسبوعياً. وماتسوموتو مثل آيا، حزين بسبب وفاة أخيه في الحرب في أوروبا، وهو يكافح للعيش في اليابان كأجنبي.

ويشعر ماتسوموتو بالتعاطف مع فومي، ويقرر محاولة إيجاد سوميكو بنفسه. لكن عندما تمر أسابيع بلا سماع أي شيء منه، تقرر الفتاتان أن تأخذا القضية بأيديهما، وتغامران في الدخول إلى العالم المظلم والخطير للسوق السوداء والحانات من مقاطعة جينزا في طوكيو، حيث مقر الجنود الأميركيين، من دون أن تدركا أن أستاذهما كوندو، الذي يكسب بعض المال من كتابة رسائل الغرام، يحمل مفتاح عودة أخت فومي، سوميكو.

الرسائل ستترك تأثيرها في حياة الشخصيات. أولا هناك سوميكو التي «ستكتشف الجزء الذي كان مخفياً وراء الفتاة الطيبة المطيعة». وفي سبيل مساعدة العائلة على تأمين الطعام والدواء، ذهبت سوميكو للعمل في الأحياء الخلفية لمنطقة جينزا. ثم هناك كوندو، أستاذ المرحلة المتوسطة الذي يعمل على تدريس دروس الديمقراطية، كما هو مطلوب في المنهج التعليمي لما بعد الحرب.

بحث تاريخي معمق

نجد في القصة مقاطع لافتة تشهد على أبحاث الكاتبة في التاريخ الياباني، من بينها: رش الجنود الأميركيين الطلبة اليابانيين بمادة «دي دي تي» لمنع انتشار عدوى الجرب، تعليمهم دروساً في الديمقراطية حيث تقدم الكاتبة وصفاً حياً «لوجبات الغذاء الديمقراطية»، كيف يقال للطلبة اليابانيين إن تناول الخبز الأبيض وزبدة الفول السوداني يساعدهم «في التفكير بشكل أوضح وأكثر حرية».

وهناك مقاطع أخرى لا تقل تأثيراً في الرواية، عندما تصف الكاتبة رد فعل طلبة اليابان، حين يكتشفون أن بلادهم لا تحتل موقعاً مركزياً، وأن شكلها يشبه «حبة فاصوليا ذابلة». وكيف يمنع الجندي الأميركي ماتسوموتو، من دخول حانة أميركية من قبل الحراس اليابانيين.

الرواية غنية بالمشاهد التي تصف الطريقة التي تشكل بها الحرب حياة الناس، وكيف يترك المواطن العادي للتكيف مع الحياة والأمل واستعادة حياته اليومية.

Email