عادل خزام:

كمال أشياء الحياة يكمن في نقائضها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

امتلاكنا للعيون لا يعني رؤيتنا كل شيء في الحياة، كما أنه ليس بمقدور كل من حباه الله نعمة العقل أن يدرك حقائق الأمور ويتوغل في وصف الأشياء. هذا ما يؤكده الأديب عادل خزام، الذي يتوخى تقديم جواهر وحكم مخبوءة عبر كتابه «الحياة بعين ثالثة» الصادر عن مجلة «دبي الثقافية». ويلفت خزام، في حواره مع «بيان الكتب»، إلى أنه في كتابه، كما في نهجه وفي مضمون رؤاه الفكرية العامة، متمرد على الجمل الروتينية والتعبيرات الجاهزة والأفكار المعلبة، كما أن كمال أشياء الحياة يكمن في نقائضها.

جرعة تشويق

يبدأ التشويق من أولى صفحات الكتاب، حيث تتوالى الحكايات الواحدة تلو الأخرى، حاملة بين طياتها جرعة تشويق فريدة ونصائح وحِكم تلخص خبرة خزام الحياتية، ونستشفها من خلال مغامرات كل من الشاعر والحكيم، اللذين سارا في رحلات عدة وخاضا مواقف معينة، يقول عادل خزام: «أنا مبدع ثائر على الجمل الروتينية والتعبيرات الجاهزة والأفكار المعلبة، وهذا يفسر استغراقي أربع سنوات في كتابة نص متحرر من القوالب الشعرية، يذهب من التفصيل إلى المطلق، لا يركز على تسمية الأماكن وتحديد الأزمان، أشبه بالبنيان المرصوص، بطلاه شاعر وحكيم يسافران إلى أماكن عدة، ويخوضان تجارب عديدة، تفصح في نهاية المطاف عن جلوسي في منتصف الطريق بين الاثنين، حيث أردت أن يكون الكتاب عيناً للقارئ على الجوانب اللامرئية في الحياة، تلك التي تجعله أكثر قرباً من الحقيقة والجمال في آن واحد».

حيرة

يوضح خزام في شأن ما إذا كانت الحيرة الطاحنة ضمن كتابه، والتي انتهت بها الأحداث، وكذا طبيعة النهاية الدرامية الغريبة، مقصودة، أن كمال الأشياء في الحياة يكمن في نقائضها الكثيرة، ويضيف: «بالطبع، لأنها تعكس الواقع، فالحياة دوران دائم، وأردت أن أقول من خلالها إنه ليس من المهم لو كانت الخطوة اليمنى في مكان والثانية في مكان آخر، ولكن المهم أن يظل السعي خائضاً في الماء والنار، والضوء والعتمة، وفي معاني الموت والحياة، وبالنسبة إليّ. فكنت ولا أزال أعيش هكذا متنقلاً، بين الحكيم والشاعر».

الحرية

يتحدث خزام عن الحرية بلغة أدبية عالية، مبيناً في كتابه، أنها الصرخة التي تزيل غمامة الخوف، والأقدام الثابتة على أنقاض الأسس الرخوة المهدمة، والأهم أن يختار الفرد ماذا يسكب حتى لو كان كلمة. وهو يجيب عن سؤال حول الحرية التي يسعى إليها على الورق: «الحرية بالنسبة إليّ، هي الشعر حين ينتمي فقط إلى ذاته، متخلصاً من أي شيء سواه».

نص عام

ينفي خزام أن تكون أفكاره في الكتاب، ضمن محور وعنوان «عن الثورة»، موجهة إلى أي من الشعوب التي تعاني من الصراعات حالياً. ويحكي في الخصوص: «صممت منذ البداية على كتابة نص يصلح لكل مكان وزمان، ويلامس جميع الأجيال، وهذا جعلني أكثر حرية وانطلاقاً في التعبير عن ما يدور في ذهني. وبرأيي، فإن الإنسان الذي يتصدى لتغيير مصيره بنفسه، عليه أن يظل واقفاً طوال عمره، فلا يسمح لطاقات الغضب والكراهية أن تتسلل إلى عروقه، وإن حدث، فإنه يعرف كيف يتخلص منها، عن طريق المحبة وزرع بذرة الخير في نواياه وأفعاله وأقواله، فضلاً عن المحافظة على هذا النهج باستمرار حتى في أحلك الظروف، إلى أن يتخلص نهائياً من البذور السلبية الأولى التي تراكمت في شخصيته منذ الطفولة».

ترويض الذات

لا يرى عادل خزام أن استئصال السلبيات من شخصياتنا، أمر مستحيل، ويقول حول هذه القضية: «هناك العشرات من القصص لزهاد ومتأملين وحكماء، استطاعوا التجرد من كل شيء والعودة إلى ذواتهم الحقيقية، بعد أن كانوا متشبعين بالأطماع والأهواء والرغبات، وشكلوا بهذا درساً في كيفية انتصار الإنسان على ضعفه وخوفه وترويض ذاته».

الإهداء

ويشدد على دور وأهمية والدته في حياته، والتي أهداها كتابه من دون أن يشير إلى اسمها، ونجد أن حرصه على الخوض في المجردات والعموميات، لم يقتصر على مضمون مغامرات الشاعر والحكيم وأحداثها الشيقة، بل امتد ليشمل حتى الإهداء. ويقول هنا: «تعلمت من والدتي الكثير عن المسائل الحياتية المتنوعة، ولو كان للحياة قلب ينبض كي تستمر، لقلت هذا قلب أمي، ولو كان للعطاء يد لا تمن، لقلت: هذه يد أمي الحنون، وأحببت أن أهدي والدتي خلاصة ما تعلمته في الحياة، وتركت الإهداء من دون ذكر اسمها، حتى يصلح لجميع الأمهات العظيمات والرائعات؛ لو تنطق الرحمة أو يكون لها شكل آدمي، لقلت: هذه أمي.. طفوت على نهرها مثل ورقة خضراء، فكانت تحميني كلما نتأت الصخور في طريق طفولتي.. شربت من نبع حليبها عسلاً إلى أن غص فمي بالعذوبة، وكنت أصعد باتجاه الضوء متسلقاً ظهرها الذي انحنى أمامي جسراً لأعبر فوقه نحو غابة الاكتشاف.. أمي الشجرة التي لعبتُ تحت ظلالها آمناً، غير مكترث من أين يأتي الرزق وهي تمد أغصانها لي بالثمار.. أمي هي البلاد التي يشتعل الحنين إليها كلما اكفهرّت الغيمة فوق رأسي وحاصرتني القضبان الصدئة وشلت أجنحتي».

إضاءة

بدأ عادل خزام نشر قصائده والمشاركة في الأمسيات الشعرية، داخل الإمارات وخارجها، منذ العام 1984. صدر له الكثير من الدواوين الشعرية، أبرزها: «تحت لساني»، «الوريث»، «السعال الذي يتبع الضحك». ولديه رواية بعنوان «الظل الأبيض». ترجمت قصائده إلى لغات عدة، منها: الفرنسية والهندية والإنجليزية والألمانية. فاز بجوائز متنوعة.

حكيم وشاعر يرصدان الصراع بين النور والنار

يروي كتاب «الحياة بعين ثالثة»، لمؤلفه عادل خزام، رحلات رجلين: أحدهما حكيم والآخر شاعر. وهما يتشابهان في الجوهر ويختلفان في الشكل. كما أنهما يرصدان أبعاداً غير مرئية في الحياة، من خلال رحلاتهما العديدة، وفي إطار حِكم رائعة ونصائح تنم عن خبرة واسعة وتجارب عديدة. وما إن نبدأ تقليب صفحات الكتاب حتى نجد أنفسنا أمام بعد لا مرئي في الحياة، يعكس تقلباتها الشخصية بأدق تفاصيلها، من خلال حكاية شخصين يلتقيان ويحدقان في الشمس، هذا يسميها النار والآخر يلقبها بالنور، ثم يقتتلان ويضيع المعنى بينهما عند هبوط الليل. ويتجدد اختلافهما في تفسير الحب والحرية والصراعات والعلاقات إنسانية.

نجوم الحظ

لعل أبرز الحِكم التي يقدمها الكتاب، في أسلوب رشيق يعبر عن الواقع وعن حال النفس البشرية، قول الشاعر في الكتاب، ذات مرة، حين تمعن سماء الصحراء ليلاً: «تومض نجمة الحظ عند اشتداد الحلكة، وقد تشتعل السماء نجوماً حين تبتسم الدنيا لشخص، فيرى الكون مشعاً أبيضَ من شدة انتشاء قلبه وامتلاء جوانحه بالحب». وتأتي في هذا السياق، جمله الأخرى التي يقول فيها: «يدخل البشر إلى الحياة من باب الدهشة، يغويهم لغز الوجود على الحفر في رمل الغموض، ويدفعهم الغموض إلى النبش في فراغ الآفاق بحثاً عن المرايا التي تعكس وجوههم الحقيقية، ولكن هيهات، من لا يرى الدنيا بعين شاعرٍ، لن يقرأ في كل المرايا سوى الأقنعة التي تراكمها الحيرة، ولن يتعرف إلى الملامح الخارجية لما يظن أنه هو، والبشر إنما يبحثون عن المرايا التي تعكس دواخلهم عن صورة الذات التي تمور وتثور وتتوه في داخل الجسد، وتشط بأفكارها في متاهة العقل، فتصبح متاهة داخلية نسمعه طوال اليوم، ولكن لا نعرف مصدره من أين».

أسرار الحياة

أما الحكيم، فكان يحتضن عصاه كلما اكتمل الليل، ثم يبدأ رحلته كل يوم مع أول خيط أبيض في الفجر، حاملاً القليل من الكلأ، والكثير من الأمل في معرفة أسرار الحياة، وفي كل مرة، حين يظن أن الطريق وصلت إلى نهايتها، تبزغ من العدم أخرى جديدة، ويبدأ معها زمن وأسئلة جديدان، ما يؤكد أن المشي في طريق الشمس، والسعي لمعانقة الصفاء، يحتاجان عملاً دؤوباً وقاهراً لا يقوى عليه سوى المتأملين العظام، أولئك الذين يغمضون عيونهم ويرون الجانب الخفي من الوجود، والذين يذهبون إلى الصمت من أجل سماع موسيقى الكون الصافي.

ذكريات وحفرة

نقرأ من بين أجمل الحِكم التي يقولها الحكيم في الكتاب: «نذهب إلى الذكريات لأنها بيتنا الأول الذي تسكن فيه روحنا النقية الأولى، قبل أن تتلهى بها الظروف وتجرها السنين إلى الضياع في منافذ شتى، ولو قدر للبشر الاختيار ما بين طعم الحياة في الذكريات المبكرة، وما بين فاكهة الحاضر أو المستقبل، لاحتار أكثرهم هل ينحاز إلى ما خبره وعاشه، أم ينتظر ما سيأتي؟، لكن الحقيقة أن البشر يذهبون إلى المستقبل، متزودين بالذكريات التي تحصنهم من السقوط في الحفرة نفسها».

Email