«طريق شجرة الجميز» رواية يدين فيها جور «العدالة» الأميركية

جون غريشام.. روايات تنافس الهمبرغر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعود جون غريشام، الكاتب المتخصص في قصص المحاماة وصراعات العقول بين المحامين، وكذلك في ثغرات نظام العدالة، ليتصدر قائمة نيويورك تايمز، للكتب المطبوعة والإلكترونية، الأكثر مبيعاً، ذلك عن روايته الجديدة التي حملت عنوان :" سيكامور راو": (طريق شجرة الجميز)، وفي العموم، فإن نقاداً ومتخصصين كثيرين، يجمعون على أن جون غريشام سيد الحبكة القانونية والروائي الأفضل في أميركا.

إلهام

تجسد الرواية ترجمة حقيقية لنتائج تركيز غريشام واعتنائه بالبحث والقراءة، إذ إنه يتسم بأنه كان لديه، مبكراً، ميل إلى الكتابة، وبذا كان يستغل الوقت، قبل ذهابه إلى المكتب وأثناء الاستراحة، وفي فترات الانتظار في قاعات المحاكم، لممارسة هوايته التي بدأت تستحوذ على جزء كبير من تفكيره، وشرع فعلياً، في كتابة روايته الأولى :"

وقت للقتل" في عام 1984، وذلك بعد أن اشتعلت في رأسه الأفكار التي ألهمت قلمه عند سماعه شهادة فتاة في الثانية عشرة من عمرها، كانت ضحية جريمة اغتصاب، وهكذا فإنه راح يتخيل في بناء العمل، كيف ستكون الأحداث لو أن الطفلة سوداء البشرة، والمغتصبين من البيض، فماذا، حينها، لو قرر والد الطفلة أن ينطلق في رحلة انتقام من مغتصبي ابنته،بعد أن تفشل العدالة في إقرار معاقبتهم.

طفل نهم القراءة

لم يكن غريشام في البداية، متأكداً من مقدرته على كتابة قصة ولكنه مع ذلك، قرر أن يخوض هذه التجربة التي اكتشف من خلالها، أن الخلفية الأدبية التي اكتسبها من كثرة القراءة، أثناء مرحلة الطفولة، منحته، من غير أن يدرك، كفاءة وأهلية درامية، إلى جانب لغة متينة ومعين خبرة قانونية مميزة، جعلته على دراية بثغرات القوانين، وهو ما ساعده، بالتالي، على التميز في مساق وشكل الجنس الأدبي الذي كتب به، من دون سواه من الكتاب.

استغرق غريشام في كتابة روايته الأولى عدة سنوات، ونُشرت في يونيو 1989، بعد أن رُفضت من قبل عدد من الناشرين، واشتريت، في نهاية المطاف، من قبل مؤسسة "وينوود برس"، وبالرغم من الحبكة المثيرة التي جمعت أطراف الرواية، فإنها لم تحقق نجاحاً كبيراً لدى نشرها، وكان الإقبال على شرائها متوسطاً،..

لكن، وبعد أن أصدر غريشام روايته الثانية، التي لفتت إليه الأنظار ككاتب مهم يستحق المتابعة، عادت رواية "وقت للقتل" إلى الواجهة، ونالت شهرة كبيرة، حتى إن هوليوود اشترتها لاحقاً، بمبلغ قدره ستة ملايين دولار، ومن ثم حولت في العام 1996 إلى فيلم سينمائي، من بطولة : ساندرا بولوك وصامويل جاكسون.

1991

تجسدت وبرزت الانطلاقة الحقيقية لغريشام، في الفترة التي تلت إصداره روايته الثانية : "المؤسسة"، عام 1991، إذ إنها وضعت اسمه بين الكتاب الأكثر شهرة، خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، وذلك بعد أن استمرت ( الرواية)، قبلها، مدرجة في قائمة أفضل الكتب مبيعاً في صحيفة «نيويورك تايمز»، على امتداد 47 أسبوعاً متتالية..

وعقب ذاك، عمدت شركة " باراماونت" للإنتاج، إلى شراء حقوق تحويلها إلى فيلم سينمائي، حمل العنوان عينه، وهو من بطولة: النجم توم كروز، ذلك تحديداً في عام 1993. وبعد هذه الرواية، استقال غريشام من مهنة المحاماة وتفرغ للكتابة، التي تحول من خلالها إلى عدو لدود للمحامين، وتوالت بعد ذلك، أعماله الادبية، فرسخ اسمه ككاتب جدير بالاهتمام، ومعظم أعماله تحولت إلى أفلام سينمائية ناجحة..

كما أن روايتة : "العميل"، أصبحت سلسلة تلفزيونية حملت الاسم ذاته، وعرضت بين عامي 1995 و 1996، وكذلك حققت روايته "صانع الأمطار"، نجاحاً كبيراً، وحولت عام 1997 إلى فيلم سينمائي من بطولة : مات دامون وداني ديفيتو. ويضاف إلى ذلك العديد من الروايات الأخرى، مثل : قضية البجعة، محلّف هارب، الشريك، محامي الشوارع، الأخوّة، المنزل المطلي، السمسار.

سيناريوهات

لم يقصر غريشام نشاطه على المجال الأدبي، فولج عوالم الكتابة السينمائية إذ كتب سيناريو فيلم:"رجل الكعكة"، الذي أنتج عام 1998 . كما كتب أيضا، سيناريو فيلم "ميكي"، الذي يدور حول لعبة البيسبول التي حلم بأن يحترفها في طفولته، وهو يتولى مهام تدريب الأطفال عليها، بنفسه، ضمن دوري الناشئين في الولايات المتحدة الأميركية.

موقف

لم يخف غريشام حقيقة علاقته غير الجيدة مع هوليوود، وصرح في هذا السياق، أن غالبية الأفلام المقتبسة عن رواياته، لم تعجبه، إلا أنه عقب، في الوقت ذاته، أنه لا يرى ضيراً أو ضرراً، في أن يبيع أعماله إلى صناع السينما، لقاء بضعة ملايين من الدولارات. كما أن غريشام، اختار في فضاءات إبداعاته، أن لا ينحصر في ثوب الأدب فقط، وبذا فإنه أصدر كتاب «البريء»، إذ ها جم فيه، بضراوة، النظام القضائي الأميركي، الذي يؤدي، برأيه، وفي كثير من الأحيان، إلى إدانة الأبرياء،وإطلاق سراح مرتكبي الجرائم.

نجاح عالمي

يوجد، حالياً، أكثر من 275 مليون نسخة مطبوعة من كتب غريشام، متوافرة في جميع أنحاء العالم، ترجمت إلى 40 لغة، وكانت روايته : "رجل بريء"، الصادرة في شهر أكتوبر من العام 2006 أول عمل واقعي، كونها أظهرت مقدرته الأدبية خارج إطار العالم الخيالي لروايات الجريمة، كما أنه، وفي شهر نوفمبر من العام 2009، أصدر مجموعته القصصية القصيرة الأولى، بعنوان: "مقاطعة فورد".

وهناك سمات وتوصيفات، خاصة وفريدة، يطلقها النقاد على غريشام وأعماله، ومن بين أبرزها، أن رواياته تناسب، بحبكاتها البوليسية المشوقة، مزاج القراء في أميركا، وكذا يقال إن كتبه تباع بالكثرة التي تباع بها سندويشات الهمبرغر، في الأسواق.

بطاقة

 ولد الكاتب الأميركي جون غريشام، في 8 فبراير 1955 في أركنساس، ورحل مع أسرته، عام 1967، إلى ساوثهافن في مقاطعة دي سوتو في ولاية ميسيسبي، حيث تخرج في مدرستها الثانوية، وكان متعلقاً بالقراءة في سن مبكرة، كما أنه حصل على تشجيع كبير من والدته، التي دفعته في هذا الاتجاه، وفي غالبية الأحيان كان يقرأ لجون شتايبنك، الذي يعده مثله الأعلى. تلقى تعليمه الجامعي في جامعة الميسيسبي..

وبدأ في دراسة المحاسبة التي حصل فيها على شهادة غير جامعية عام 1977، قبل أن يكمل دراسته في كلية القانون في الجامعة ذاتها، عام 1981. تزوج بعد تخرجه مباشرة من زوجته الحالية ريني جونز، وعمل في مهنة المحاماة مدة عشرة سنوات في بلدته ساوثهافن، حيث كان متخصصاً في القضايا المدنية والجنائية، وفي عام 1983، انتخب ضمن ممثلي ائتلاف الدولة في مجلس النواب، وخدم فيه إلى غاية العام 1990.

محاكمات «أدبية» تفضح الانتهاكات العرقية

 يعيدنا جون غريشام، عبر "طريق شجرة الجميز"، الى أجواء عمله الروائي الأول: "وقت للقتل"، حيث تحملنا أحداث الرواية، إلى المحكمة الشهيرة في كلانتون، عندما يجد "جيك بريغانس" نفسه، متورطاً في مرافعة مثيرة للجدل، ضمن محاكمة من شأنها، فضح مجموعة من التوترات العرقية القديمة، التي ستجبر مقاطعة فورد على مواجهة تاريخها من جديد.

وتبدأ الأحداث عندما يشنق "سيث هوبارد"، الرجل الثري الذي يعاني سرطان الرئة نفسه من شجرة الجميز، تاركاً وصية مكتوبة بخط اليد، ستكون السبب في نقل أولاده الكبار وخادمته السوداء وجيك، إلى ميدان المحكمة بسبب قضية لا تقل أهمية عن تلك التي أكسبت المحامي جيك، شهرة واسعة في أرجاء المدينة، قبل ثلاث سنوات.

غموض وكشف

تُثار في البداية أسئلة غامضة حول وصية هوبارد، التي ترك فيها كل أملاكه لخادمته، وحول ما إذا كان بقوته العقلية عندما كتبها، أو أن أدوية العلاج الكيماوي والمسكنات، أثرت في قدراته العقلية. ويبدأ جيك في كشف الغموض تدريجياً، بعد عمليات بحث حثيثة عن إجابات مقنعة. جون غريشام يقدم في رواية " سكيمور راو" أدلة جديدة على أنه لا يزال يحتفظ بلقب سيد الحبكات القانونية المثيرة، والروائي المفضل عند الأميركيين، ذلك بعد ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً، من انطلاقه في عالم الأدب.

Email