«ساق البامبو».. رواية كويتية في الطريق إلى البوكر

سعود السنعوسي: رويتي صوت المهمشين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عوالم شائقة، تتحاور وتلتقي لتغوص في تفاصيل دقيقة متشعبة، تنبش في أعماق الذات والآخر، نطالعها في مضمون " ساق البامبو"، الرواية الثانية للكويتي سعود السنعوسي، التي تبحث في موضوعة الهوية وتعكس هموم فئة منسية.. وكان لافتاً، أخيراً، بروز الرواية ضمن اللائحة القصيرة للمترشحين بالجائزة العالمية للرواية العربية( البوكر) 2013 .

إذ يؤكد السنعوسي، في حديثه إلى"بيان الكتب"، على هذا الصعيد، أنه لم يتوقع أن تصل تلك المرحلة في ترشيحات الجائزة، أو حتى إلى القائمة الطويلة، موضحاً أنه لم يكن يعرف الأعمال المشاركة في مسابقة الجائزة في دورتها الحالية، ليتمكن من التكهن والتخمين، أوسوق التوقعات وحجز مكان لروايته بينها. لكنه، وعندما أُعلن عن القائمة الطويلة، بما تحمله من أسماء مهمة في ساحة الابداع الروائي، استصعب تأهل "ساق البامبو"، خصوصا مع وجود خمسة أسماء لها وزن أدبي كبير.

 الفكرة الإنسانية التي قدمتها في روايتك، طرح جديد في الروايات الخليجية، كيف ظهرت الفكرة، وما الذي أردت إيصاله إلى القارئ من خلالها؟

أرى أنه من واجبي توضيح نقطة مهمة هنا، فالفكرة ليست جديدة، كما يتصور القارئ خارج الكويت. إذ هناك تجارب سبقتني بطرح موضوعات شائكة تتعلق بالهوية. فسبق للروائية بثينة العيسى تناول الموضوع من جانب آخر في روايتها الأولى "ارتطام لم يُسمع له دويّ" قبل سنوات، كما أن للروائية سعداء الدعاس تجربة مشابهة في روايتها "لأني أسود"، التي تتطرق خلالها إلى عنصرية نمارسها تجاه البعض.

وربما تختلف "ساق البامبو" في تناول الموضوع من جوانب أخرى، تعتمد على تفاصيل أكثر. فالفكرة لم تظهر من فراغ، فأنا ابن بيئتي، وبيئتي تغص بنماذج كثيرة من المهمّشين الذين لا صوت لهم.. ومصدر تعاطفي وميلي الى هؤلاء، كوني وجدت أنني أملك ما لا يملكون من أدوات تعبيرية، ولأنني مؤمن بعدالة قضيتهم.

وهكذا أصبحت همومهم ومعاناتهم، قضيتي، ذلك بعد أن تقمصتهم لأكتب عنهم. وطبعا، لا يمكنني حصر الأمور التي أردت إيصالها إلى القارئ من خلال الرواية. ولكن أهمهما، أنني أردت أن نرى أنفسنا بصورة غير تلك التي تعرفنا عليها، الصورة التي يحملها لنا الآخر، لربما نعترف إلينا، نتصالح معنا ومن ثم نتغير.

اختصار المسافات

سافرت إلى الفلبين لمعرفة الكثير عن شخصية روايتك.. إلى أي مدى خدمك ذلك في إنجازها، وهل اختصر عليك الزمن؟

هذا السفر خدمني إلى حد كبير، لدرجة أصبح معها القارئ لا يميّز بين سعود السنعوسي و"هوزيه ميندوزا" بطل الرواية. وكذلك الى مستوى متقدم في هذا الشأن، جعل بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة ببيع الكتب، يعرض رواية "ساق البامبو" منسوبة لمؤلفها هوزيه ميندوزا، مع استبعاد اسمي.

والثابت أو المؤكد هنا، أنه ما كان للعمل أن يظهر بهذا الصدق والإقناع، لولا تجربتي في السفر والمعايشة والسكن في البيوت التقليدية بين الناس المحليين في الأحياء الفقيرة. سفري ومعايشتي للآخر اختصرا علي الكثير، فالقراءة عن ثقافات أخرى، مهما بلغت من عمق، لا يمكنها أن تنعكس فعل كتابة مؤثرة، كما يمكن للتجربة والمعايشة أن تفعل.

"لأنني كويتي"

هناك من قال إن أحداث الرواية تمسك، بطريقة أو بأخرى. ما ردك ؟

أريد هنا أن أوجه إجابتي إلى كل من يسأل حول هذه النقطة: نعم، أحداث الرواية تمسني، وبشكل مباشر، إن كنت، كما يروّج البعض( رغم وضوح ملامحي الكويتية)، ابن سيّدة فلبينية، أو إن كنت كويتيا خالصا يعيش في بلاده آلاف من أولئك المهمشين الذين يشكلون معه صورة متكاملة لمجتمعه. في كلا الحالات أقول:

لأنني كويتي، أعيش في الكويت، وفي بيتي خادمة فلبينية وأخرى هندية وسائق بنغالي، ولدي صديق من فئة "البدون" والكثير من زملاء العمل العرب والأجانب، فإن الرواية تمسني وتمس كل كويتي، وربما كل خليجي، بشكل مباشر.

بين الحذر والانتشار

قلت في أحد اللقاءات: "ليس لأحد سلطة على ما أكتب، سوى قناعاتي الشخصية". أيمكن أن تصطدم قناعاتك بتابو معين؟ وإن حدث هذا، فهل تستمر أم تقف عند خطوط حمراء محددة؟ وما هي إن وجدت؟

نعم، ربما تصطدم قناعاتي في مناطق محظورة، كالدين والسياسة والجنس مثلا. لكنني، وفي "ساق البامبو"، على سبيل المثال، تطرقت إلى هذه الأمور وفق قناعاتي وبشكل يرضيني، دون الإيغال فيها. المسألة ليست في التابو كما أتصور، بل في كيفية طرحه والتعامل معه.

لكل كاتب أدواته وأسلوبه في التعبير، وأنا أحدهم، وبأمانة، لا تمثل لي تلك المحظورات مشكلة، طالما أنني أتعامل معها بجدية، من دون استخدامها من أجل الترويج للعمل وحجز مكان لروايتي ضمن رفوف الـ"بيست سيلر" .

أفكار ثابتة

حصدت العديد من الجوائز الأدبية. فما المسؤولية التي ترى أنها تضعك أمامها ؟

إنها مسؤولية كبيرة لا شك. حمل ثقيل ولكنه دافع إلى تحدي الذات والمواصلة في الكتابة. زادتني الجوائز والترشيح إليها، عدا الانتشار، حذرا وجدية، وهما أكثر ما يحتاج إليه المبدع كما أتصور.

كل شيء

لمن تقرأ من الكتاب. وما أهمية القراءة بالنسبة للكاتب؟

أقرأ للكل، كبارا وصغارا، عالميا وعربيا ومحليا. القراءة بالنسبة للكاتب، كما أتصور، كل شيء، ولا يمكنه الاستمرار في الكتابة من دونها.

ماذا عن طقوسك في الكتابة، متى تبدأ وكيف تختار النهاية والعنوان؟

يمكن أن تكون طقوسي في الكتابة لا تختلف عن غيري من الكتاب، أهم ما أحتاجه، هو العزلة وتقمص الحالة بكل أبعادها، ووحدها العزلة، بالنسبة لي، تحقق هذا التقمص. فأنا أبدأ بالكتابة من دون نية مني عادة، لا وقت محدد لدي، في العمل أحيانا أو في البيت، وفي بعض الأحيان، تحضرني جمل وحوارات أثناء قيادتي السيارة، فأضطر حينها أن أستخدم هاتفي النقال لتسجيل صوتي ببعض الجمل والحوارات والأفكار.

وعادة ما أختار النهاية قبل الشروع في الكتابة، والعنوان كذلك، ولكنني، أثناء الكتابة، وبعد أن أقطع شوطا فيها، أجدني متورطا بشخوص العمل، التي ما إن أفرغ من تشكيلها حتى أجدها تختار نهاياتها بالشكل الذي يوافقها..وعادة ما تكون هذه النهايات أجمل من تلك التي قررتها لها.

ما أهمية وجود جائزة مثل البوكر العربية، بالنسبة للكتاب الشباب؟

أتصور أنها تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للكتاب الشباب والكبار، على حد سواء. يمكننا أيضا ملاحظة أمر آخر تحققه الجائزة، ليس للعمل وحسب، بل للروائي بشكل عام، حيث تروج بقية أعماله السابقة بل وربما اللاحقة.

 بطاقة

 سعود السنعوسي، كاتب وروائي كويتي، نشر عدة مقالات وقصص قصيرة في جريدة «القبس» الكويتية، منذ 2005، وحتى توقف صدورها في 2011 .

حاز على جائزة الروائية ليلى العثمان لإبداع الشباب، في القصة والرواية، في دورتها الرابعة، عن رواية «سجين المرايا» 2010 .

حائز على المركز الأول في مسابقة «قصص على الهواء» التي تنظمها مجلة العربي بالتعاون مع إذاعة «بي بي سي» العربية، عن قصة «البونساي والرجل العجوز» عام 2011 .

حصل على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الآداب، عن روايته «ساق البامبو»- عام 2012 .

البحث عن الجذور..

رحلة في أسئلة المعتقد والذات والوطن

 يبدو عيسى، بكل "ساق البامبو"، منذ بدايات فصول حكايتها، شخصية، وكما أراد لها السنعوسي، متمردة. فأمه فلبينية، تبتعد مسافة من الجغرافيا والعادات والحالة الاجتماعية، عن عائلة والده الراحل في الكويت، وعبر 400 صفحة، يروي الكاتب قصة الشاب الذي ولد لأب كويتي، ينتمي إلى عائلة معروفة، من أم فلبينية. وتخلى عنه والده وأرسله إلى بلاد أمه، قبل أن يبلغ الشهر الثاني من عمره، ولاحقا يموت والده، دون أن تعرف والدته أكثر من أن أخباره قد انقطعت عنها.

وفي الفلبين، يعاني الطفل الفقر وصعوبة الحياة، ويحلم بالعودة إلى بلاد أبيه: "الكويت"، وهي الجنة كما تصفها له والدته منذ كان طفلا. إلى أن تبدأ رحلة البحث عن نفسه، عندما يبلغ الثامنة عشرة. وما بين بلاد أمه التي تناديه "هوزيه"، وبلاد أبيه، الذي سماه "عيسى"، والذي همس بأذان الصلاة في أذنه اليمنى، بعد ولادته في الكويت، بينما عمدته أمه في كنيسة فلبينية، كطفل مسيحي كاثوليكي.

وهو ما جعل من قراره بالبحث عن والده، قرارا بالبحث عن الهوية والذات والوطن والدين، عبر أزمنة تدور أحداثها ببين الفلبين والكويت، يسجل من خلالها الروائي عددا من الأحداث السياسية والدينية.

وذلك عبر شخصيات محورية مثل الأم جوزافين، التي عملت كخادمة لدى أسرة كويتية، ولكن هذا لم يلغِ كونها فتاة رومانسية ومثقفة، تمتلك أحلاما بمتابعة التعليم، لكن قطع كل هذا عملها في مكان لا تعرف عنه شيئا. ومن ثم تحب وتتزوج سرا في الغربة، لتطرد بعد ذلك، على وعد قريب بالعودة، فتتعقد حياتها من جديد، بعد أن انقطعت أخبار زوجها، ومعوناته التي يرسلها الى طفله، ما جعلها تعمل خادمة من جديد، في البحرين.

ونقرأ لبطل الرواية عيسى: "ما كدت أبلغ العاشرة من عمري، حتى بدأت والدتي تخبرني بتلك الحكايات التي مضت قبل مولدي، وأخبرتني عن علاقتها بأبي، قبل أن أعود إلى حديث وعدها".

سرد وأحداث

ينبه عيسى( بطل الرواية)، العالم كافة، ومن خلال أحداث الرواية، في قصته هذه، إلى واقع يفرض وجوده، ذلك خاصة حين يقول: "لم أكن الوحيد في الفلبين الذي ولد من أب كويتي، فأبناء الفلبينيات من آباء كويتيين خليجيين وعرب وغيرهم كثر أولئك الذين عملت أمهاتهم خادمات في بيوتكم.

أو من عبثت أمهاتهم مع سياح جاءوا من بلدانكم بحثا عن لذة بثمن بخس لا يقدمها سوى جسد أنهكه الجوع". إنها وجهة نظر من رواية تكشف عن أساطير بلاد شبه مجهولة بالنسبة للقارئ العربي، تدفعه للاستماع إلى صراخ بشر ربما لا يعترف البعض بآدميتهم، وذلك بطريقة تبدو إنها سرد لأحداث حقيقية.

 

السفر والعيش في أماكن استقرار أبطال العمل جعلا كاتبه يلامس جوهر قضية طرحه بتمكن واقتدار

مواقع إلكترونية متخصصة ببيع الكتب عرضت الرواية منسوبة إلى هوزيه ميندوزا: (اسم بطلها بالفلبينية)

قصة البطل عيسى حكاية شخصية متمردة لشخص كويتي أمه فلبينية يقرر مواجهة تحديات الجغرافيا والعادات بجرأة وثبات

«معضلة الكتابة ليست التابو بل كيفية معالجته.. فالمحظورات ليست مشكلة حين نتعامل معها بعيداً عن غايات الترويج لأعمالي»

«الجوائز زادتني حذراً وجدية وهو ما أسعدني وحصنني فتلك الثنائية أكثر ما يحتاجه المبدع»

«الترشح إلى البوكر يسهم في الترويج لأعمال الروائي السابقة وربما اللاحقة»

Email