التكامل الحسي ومشاكله لدى أطفال التوحد

سماح مصطفى ريحان - أخصائية العلاج الوظيفي في مركز دبي للتوحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعمل الدماغ بتكامل تام مع أعضاء الجسم جميعها ومنها الحسية بحيث يأخذ المدخل الحسي ويعالجه ويفسره ويترجمه ومن ثم يقوم بإرسال الأوامر لأعضاء الجسم المختلفة كمخرجات حسية تبعاً للمدخلات سواءً كانت مدخلات حسية تتعلق باللمس، أو الحركة، أو الشم، أو التذوق، أو البصر، أو السمع. وبالنسبة للدماغ فهذه الأعضاء الحسية مشمولة ومتصلة أيضاً بذاكرتنا ومعرفتنا ومعلوماتنا المتواجدة في الدماغ من تجاربنا القديمة لفهم ما يدور من حولنا بطريقة أسهل.
إن هذه العمليات أو ما يعرف بالمعالجة الحسية تتم عن طريق التالي:
في البداية تدخل المدخلات الحسية ويتم تسجيلها فنصبح منتبهين لها، ثم تمر في العملية التالية وهي التوجيه، وفي هذه المرحلة يتم التركيز على المدخل الحسي بعد تسجيله والانتباه له، ثم تأتي مرحلة الترجمة حيث يتم فهم المعلومات المدخلة، وفي النهاية مرحلة ترتيب المعلومات للحصول على ردة فعل ونتيجة.
وفي معظم أطفال التوحد الذين لديهم مشاكل حسية والأطفال الذين يعانون من مشاكل التكامل الحسي تكون المشكلة في المرحلة الأخيرة، ألا وهي ترتيب المدخلات الحسية. فعندما لا يدمج المدخل الحسي ولا ينظم أو يرتب سوف يعاني الاطفال من مشاكل حسية وخاصة في رحلتهم للتعرف على العالم والبيئة المحيطة بهم، وسوف تتم بصورة مختلفة كلياً عما تكون عليه لدى الأفراد السليمين حسياً، إذ أنهم لا يحصلون دائماً على صورة واضحة ودقيقة لجسدهم في الفراغ ولا لمحيطهم ومن هنا تظهر المشاكل الحسية التي تندرج تحت نوعين:
•    الدفاعية الحسية (فرط الحساسية):
وتتمثل بأمثلة واضحة وبسيطة، كالطفل الذي يمشي على أطراف أصابعه لتجنب الاحساس القادم من أسفل قدمه إذا ما اتكأ عليها، والأطفال الانتقائيين في الطعام فلا يأكلون بعض الأصناف من الطعام لتجنب الاحساس المزعج الذي تسببه باقي أصناف الأطعمة في الفم، والأطفال الذين لا يطيقون بعض الأقمشة لا لحساسية جلودهم منها لكنها مزعجة لهم أو حتى ورقة القماش المعلقة في الملابس قد تزعجهم، أو الذين ينزعجون من الضوء حتى ما نعتبره نحن طبيعي، أو الروائح، أو الأصوات فيسارعون إلى تغطية آذانهم لتجنبها كما أنهم يكرهون الأماكن العامة والتجمعات ويرفضون التواجد فيها.
أما النوع الثاني فهو النقيض الكلي للاول وهو:
•    القلة المفرطة في الاحساس:
 ففي هذا النوع قد تندهش من قدرة تحمل الأطفال الكثير من المدخلات الحسية التي لا نستطيع تحملها نحن بنفس الكمية، ومن أبرز الأمثلة عليها الأطفال الذين يحبون شم الطعام والبشر والأشياء بشكل مبالغ به، والأطفال الذين يمشون بخبط أرجلهم بالأرض بصورة قوية أو يحبون أن يضربوا أو يعضوا أو يصدموا أجسادهم بالأشياء من حولهم كالحائط أو الخزانة، كما أنه من أبرز الأمثلة وأكثرها شيوعاً الأطفال الذين يحبون القيام بالحركات القوية المكثفة كالدوران حول أنفسهم والقفز وقد يصلون إلى درجة الشعور بالغثيان وقد لا يصلون لها ابداً.
هؤلاء الأطفال كثيرو الحركة لا يحبون الجلوس أو الراحة، ويميلون إلى وضع أنفسهم في مواقف خطرة كالجري نحو الشارع أو القفز من مكان مرتفع حيث أنهم لا يشعرون بالألم بسهولة وفي بعض الأحيان قد يجرحون أنفسهم دون أن يشعروا بذلك.
بالإضافة لما سبق بعض الأطفال لديهم الميول إلى كل من الفرط والنقص في الاحساس معاً وقد لا يعتمد على المحفز نفسه مما يعني صعوبة التنبؤ بأفعالهم من قبلنا.
كما أن بعض الأطفال لديهم فرط ونقص في نفس الوقت لكن كل منهم لمحفزات مختلفة، وهناك أيضاً من لديهم الميولين لنفس المحفز لكن تختلف ردة الفعل حسب الموقف والبيئة الموجود بها.
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن هذه المشاكل لا تقتصر على أطفال التوحد أو الأطفال الذين يعانون من المشاكل الحسية بحد ذاتها، فلو بحثت في نفسك ستجد لديك أنت أيضاً فرط أو نقص في الاحساس تجاه محفز معين، ولكن يبقى الفرق هو أنك قادر على التحكم بطريقة استجابتك للمحفز بينما لا يستطيع المصابون بالتوحد التفاعل بنفس الطريقة التي قد تكون مقبولة في المجتمع.
 

Email