تشير الدراسات إلى أن كلفة رعاية المريض في المستشفيات الحكومية مرتفعة جداً ، قياساً بالكلفة في المستشفيات الخاصة ، ويعود ذلك إلى أن المستشفيات الحكومية لا تعتبر الربح غايتها الاساسية ، بل غايتها الاساسية تتمثل في خدمة المرضى على مدار الساعة ، طيلة 7 ايام في الاسبوع ، و365 يوم في السنة ، والكلفة لا تتضمن ما يتم انفاقه على المريض ، بل يزيد عليها الكلفة التشغيلية لتقديم خدمات الرعاية الصحية ، والأعباء الاضافية المترتبة عليها ، وما ينفق على عملية التطوير والتحديث في الأجهزة الطبية التشخيصية والعلاجية ، اضافة الى كلفة التدريب والتعليم المستمر للكوادر البشرية الطبية والفنية والادارية أيضاً.
أما بالنسبة للمستشفيات الخاصة ، فالأمر محسوم تماماً لأن غايتها الأساسية " الربح " ، وهذا حق لكل مستثمر ، ولكن حق محدد بأطر تشريعية واخلاقية ، لأن الطب مهنة انسانية أولا وآخراً.
وللأسف نقول إن هناك خلل في السوق الطبي – إذا ما صح التعبير – لأن من يحدد قيمة الفاتورة هي " شركة التأمين " ، وليس المستشفى أو الطبيب لوحده ، فشركة التأمين تقوم بدور " الأخ الأكبر " الذي يفرض سيطرته على الطبيب وعلى المريض أيضاً.
مثلاً ، ترفض شركات التأمين قبول بعض العيادات او المستشفيات ضمن شبكتها ، ورغم أن هذا الأمر يعد مخالفاً ، إلا أنها ترفض وتغلق الباب وتفتحه على مصراعيه متى تريد . ومن ناحية ثانية ، قد ترفض شركة التأمين طلب الطبيب المتضمن تحاليل او صور شعاعية أو اي استقصاءات تشخيصية قد تتطلبها حالة المريض ، لأن الطبيب هو الذي طلب تلك التحاليل والاستقصاءات بناء على القصة المرضية والفحوصات الشعاعية وغيرها من أجل التوصل إلى التشخيص الدقيق والسليم استناداً لمبدأ " الطب المستند على البراهين " ، وعلى هذا الأساس يضع الخطة العلاجية .
وللاسف نقول ، إن بعض الأطباء - ولن نعمّم – من أجل تحسين دخله المادي ، أو من أجل استرجاع جزء من النسبة التي اقتطعتها عنوة شركة التأمين ، يضطر إلى طلب تحاليل وصور قد لا يكون المريض بحاجة لها نهائياً ، أو يطلب من المريض دفع مبلغ اضافي عن المبلغ الذي تنص عليه وثيقة التأمين التي يحملها ، والهدف زيادة مبلغ الفاتورة الذي يدفع ضريبتها المريض وحده رغم الألم .
ولتفادي مثل هذه التجاوزات غير الانسانية ، نقول لا بد من آلية لتسعير الخدمات الطبية في القطاعين الخاص والحكومي ، ويجب ألا تكون شركات التأمين هي التي " تسعّر " الفاتورة الطبية والخدمات التي يقدمها الطبيب ، لأن هذا الأمر يساهم في فساد هذه المهنة الشريفة . وعلى شركات التأمين ألا تنسى أنها تتعامل مع مرضى لديهم مشاعر وأحاسيس وهناك من ينتظر عودتهم من المستشفى معافين سالمين . وأخيراً تجدر الاشارة إلى أن مثل هذه السلوكيات الخاطئة تضر بجودة الخدمات الطبية وتنعكس بشكل سلبي على سلامة المرضى ، و كثيراً ما أشعر بالأسى حينما أجد أن هذا المستشفى قد حصل على شهادة الاعتماد الدولية ، دون النظر على المعايير الأخلاقية المنسية لدى بعض المستشفيات والعيادات والاطباء .
