بقلم  الدكتور بسام درويش
مستشار في الاعلام الصحي والتسويق الطبي في بلسم لتعزيز الصحة


بحرقة الآه و أنين نفسي يكاد لا يسمع به أحد وصوت ممزوج بحرقة الدمعة اتصل بي فور عودته من إحدى المستشفيات في دولة غربية  ، ليقول لي " لم يعملوا لي شيئاً هناك " ، وحينما سألته عن صحته وحالته ، أجاب كطفل يبحث عن أمه وسط الزحام " لقد بتروا لي رجلي " .

وما إن انتهت المكالمة حتى تذكرت ما قلت له بالحرف الواحد، حينما لاحظت أنه يعاني من مشكلة في النظر ومن مشكلة في القدم أيضاً ، قلت له " إن أهملت السكري سينال منك "، وطلبت من زميلتي حينها التي تعرفه منذ سنوات طويلة أن تخبره هذا الأمر ، وأن السكري سيؤدي به إلى البتر والعديد من المضاعفات الأخرى التي تهدد حياته . وما أذكره حينها أنه التزم بزيارة الطبيب الاستشاري المتخصص بأمراض الغدد الصم والسكري ، ولكن الدواء لوحده لا يحل المشكلة ، ولهذا فالسكري لم يكتفِ بالرجل بل طال الكلية التي أصيبت بالقصور الكلوي .

حال هذا المريض كحال العديد من المرضى الذين تمكّن منهم السكري ، ولم يتمكّنوا منه. والمشكلة لا يتحملها المريض وحده  بل كل من له علاقة بصحة وسلامة الإنسان .ذهب هذا المريض الذي بات عاجزاً عن القيام بالمهام اليومية ، و الذي أصبح مصاباً بالاكتئاب ، إلى إحدى المستشفيات الحكومية ، ولكن الطبيب أخبره بأنه لا يمكن أن يبقى في المستشفى ، رغم أنه بحاجة إلى العناية والغسيل الكلوي المتكرر.

والمشكلة تكمن بشكل أساسي في تدني مستوى المعرفة الصحية ، وعدم توفير البرامج الصحية الخاصة بالتوعية بمرض السكري وغيره من الأمراض المزمنة ، وفي اعتمادنا على " البروشورات ، والمطبوعات والوسائل ذاتها " التي لا تؤدي الغرض ، والتي باتت وسيلة قديمة ومع ذلك ما زلنا نصرف عليها الكثير.

المريض كما الانسان العادي بحاجة إلى برامج خاصة لتمكينه من امتلاك المفاتيح لكي تسهل عليه فتح الأبواب المغلقة والتي يطل من خلالها عبر الصحة . وهذا الأمر واجب علينا كعاملين في وسائل الإعلام وفي المؤسسات الصحية والاجتماعية والأندية الرياضية وغيرها من المؤسسات ، لأن الأمراض المزمنة ومن بينها السكري تؤثر على  الجميع ، وتعتبر خسارة بل نزيفاً في الموارد المالية والقدرات البشرية .

ومما لاشك فيه أننا بحاجة أيضاً إلى مجموعات لدعم المرضى ، مثل مجموعة دعم مرضى السكري ، التي تهدف إلى مشاركة التجارب اليومية ، لدى المرضى ، وتبادل الآراء والخبرات ، والتي تساعد المريض على تحسين نوعية حياته ، وهذا الهدف بحد ذاته هو هدف إنساني الأبعاد .

وكم أتمنى من كل طبيب أن يضع ذاته في الضفة الأخرى حيث يجلس المريض ، وأن يرسم له الخطوط العريضة لكي يتمكن من التغلب على المرض بالوعي والمعرفة الصحية التي تعد أساس التوعية ، والتي تساعده في العبور نحو الضفة المشرقة من الحياة ، خصوصاً أن الأمراض المزمنة يصعب الشفاء منها ، ولكن يمكن ببساطة التغلب عليها والتقليل من مظاهرها المتعبة والحد من مضاعفاتها الخطيرة التي تهدد المريض بالعجز أو الوفاة قبل الأوان.

فالدواء لوحده لا يحل المشكلة ، إن لم يترافق بتغيير تدريجي لنمط الحياة ، والذي بدوره يحسن من نوعية حياة المريض بدل أن يؤدي به إلى الهلاك الجسدي أو الدمار النفسي.