بقلم : د. بسام درويش
مستشار الاعلام الصحي في بلسم لتعزيز الصحة

استطاع أن يحقق المزيد من المكاسب المادية ، منطلقاً من مشروعه الصغير ، واليوم صار يمتلك الكثير الكثير من المشاريع والأبنية والسيارات. كان بيته الصغير في البناية ذاتها التي يدير مشروعه الصغير ، لكنه لم يكن يمضي فيه إلا الوقت القصير للنوم . لا وقت لديه للجلوس مع زوجته أو اللعب مع أبنائه. كان يتناول الطعام " سندويتشة " ، وهو ينزل من بيته في الطابق العلوي إلى العمل.

اليوم بعد أن صار ثرياً ، وجد نفسه وحيداً بعد أن سافر الأبناء إلى الدول الغربية لكي يدرسوا ، واستقروا هناك بعد أن أسس كل واحد منهم طريقه الخاص.  الزوجة كبرت وهي تستعيد بعين دامعة شريط الذكريات ، رغم أن البيت صار قصراً كبيراً ، و يعج بالفرش الوثير لكنها لم تجد في هذا المكان الفسيح المزخرف طعم الفرح بالحياة . فالزوج ما زال مشغولاً بالأرقام والصفقات والاجتماعات التي تبدأ في الصباح و ربما تنتهي في آخر الليل.

ذات يوم وهو في طريقه إلى المكتب ، نظر إلى السائق وعاد به الزمن  إلى الوراء - الذي استأذنه بالرد على الهاتف - ، وأثناء الحديث فهم من الاتصال الهاتفي أن زوجة السائق تطلب منه عدم التأخر اليوم لأنه يصادف ذكرى لقائهما الأول ، وأنها حضّرت له مائدة صغيرة في البيت لكي يستعيدا الذكريات – على رغم المشقات والصعوبات المادية والعثرات التي اعترضت طريقهما .

وبعد أن انتهى السائق من الاتصال الهاتفي ، طلب من رجل الأعمال أن يسمح له بالذهاب باكراً إلى البيت لكي يشتري باقة ورد وهدية بسيطة لزوجته. أومأ رجل الأعمال بالموافقة مع ابتسامة خفيفة ، ولكنه شعر بمرارة الحياة ، بعد أن استعرض شريط الذكريات وهو يحدق في البعيد عبر نافذة السيارة المظللة الفارهة والتي تتوفر في داخلها كل عناصر الرخاء ، بما في ذلك خفوت صوت محركها الذي حينما يدور لا تعرف إن كانت السيارة تسير أم مازالت متوقفة ، لأنها لا تصدر أي صوت وتعزل الأصوات الخارجية .

هي العزلة التي نرتضيها لأنفسنا ، العزلة الحقيقة هي مشكلة نرسم حدودها بأيدينا ، ونقيّد بها حركتنا ، وتواصلنا مع الآخرين ، ومع أهم ما نملك في الحياة " من الأهل والأحباب والأصحاب " . مما لاشك فيه أن المال ضروري ووسيلة ولكنه ليس غاية ، والمال لا يحقق السعادة الحقيقة ، وإن حققها سنكتشف أنها مزيفة .

رغم أن المال قد وفر لرجل الأعمال الكثير  وجعل كل شيء يحلم به بين يديه ، إلا أنه قد سبب له الكثير من الآلام والمشاعر السلبية لأن القطار لا يعود إلى الوراء ولأن الاولاد قد كبروا وغادروا ولم يعد ممكناً أن ينعم بنعمة اللعب مع الأحفاد.

نبضة

" وازن بين حياتك العملية والعائلية والاجتماعية ، وتذكر أن مفتاح السعادة بين يديك ، وأن المال قد يشتري لك الأثاث الوثير ولكنه قد لا يوفر لك النوم المريح ، وأن باقة ورد عابقة بالذكريات أجمل من أغلى العطور ، وان المال يشتري كل شيء إلا السعادة ، وأن مفتاح السعادة بين يديك. "