بقلم : د. بسام درويش
مستشار في الاعلام الصحي في بلسم لتعزيز الصحة
تنشغل الكثير من المؤسسات الكبيرة والصغيرة في الأشهر الأخيرة من السنة الميلادية ، بجرد الحسابات وإعداد الميزانيات ، ووضع الخطط للسنة المقبلة ، وهذا الأمر مهم جداً لأن التخطيط الجيد يساعد على تحقيق النجاح والتميز في الأداء .
ولكن في زحمة الأرقام من حولنا ، ربما لا نعير الكثير من الأهمية لحساباتنا الشخصية على مستوى العائلة ، والعمل والمساحة الكبيرة الفاصلة بينهما ، وكثيراً ما تتحطم أجمل العلاقات على صخرة الواقع ، وربما لأتفه الأسباب . ومع ذلك ربما لا نعيد التفكير والتحليل في الخطأ ، من أجل معرفة الظرف الذي أدى لهذا الخطأ ، وتفاديه في المستقبل أو التعاون مع الطرف الآخر من أجل التعامل معه بطريقة مختلفة مستخدمين في ذلك مهاراتنا الفكرية والحياتية المختلفة .
وللأسف أقول ، إن العديد منا يراجع حساباته المادية يومياً ، ويبادر إلى الاتصال بالبنك من أجل معرفة سبب اقتطاع هذا المبلغ أو ذاك – وهذا حق – ولكن ربما لا يبالي كثيراً في خسارة علاقة إنسانية طويلة الأمد ، والسبب " تافه " أو لحظة غضب دفعت هذا الشخص إلى اتخاذ موقف ما على غير عادته .
مثل هذا المشهد يتكرر يومياً خلف الأبواب المغلقة في البيت أو العمل أو حتى في مقهى أو مطعم أو مركز تسوق .
في حياتنا اليومية الكثير من الأعمال الصغيرة أو المهام البسيطة التي لو قمنا بها لغيّرت حياتنا بحيث تضفي عليها قيمة كبيرة . واليوم ونحن على أعتاب عام جديد ، الذي نأمل أن يحمل لنا الجديد في مجالات عدة ، لنتذكر جميعاً أن العلاقات الجيدة هي الرأسمال الحقيقي، وأن الحسابات الجيدة تصنع الأصدقاء، و مما لا شك فيه أن كسب الاصدقاء قد يكون سهلاً ولكن الأمر الأهم هو كيفية المحافظة على الصديق .
ولكي نحافظ على صداقتنا مع الآخرين لا بد أن يعرف الإنسان نفسه أولاً وأن ينظر كل صباح إلى مرآة النفس الصافية دون قناع ، لأن الأقنعة سرعان ما تتساقط مهما تعددت ، ولأنها تزيف الحقيقة.
و لا بد أن يتصالح المرء مع نفسه أولاً وأن يكون صديق نفسه ومن ثم يمكنه أن يزيد رصيده من العلاقات الإنسانية وأن يعززها من خلال أفعاله التي تسبق الأقوال.
التسامح صفة تكتسب الكثير من الأهمية في حياتنا ، وتلغي المسافات التي تفرضها الظروف والمنافسة و متطلبات العرض والطلب التي باتت تتحكم في مجمل حياتنا، والتسامح ليس مجرد قول بل هو فعل يسبق القول .
أخيراً تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الإنسانية لا تقاس بالأشهر أو السنين ، بل ببريق العيون الصافية ، ونبض القلوب الدافئة ، وبمشعر دقيق يختلف من إنسان إلى آخر، وأنه في زمن القحط قد تنعدم المسافات الإنسانية ، وتنمو العلاقات الطفيلية ، التي تشوه الإنسان من الداخل مهما زخرفته من الخارج ، ولكن التسامح والقيم النبيلة تبقى هي الدرع الذي يقي من الانكسار في العلاقات .
ولنتذكر أننا بحاجة إلى التسامح لكي يصبح " أسلوب حياة " في حياتنا اليومية ، فهو يجدد الحياة في القلوب التي كساها الصدأ ، ويمنح الإنسان شعوراً لا يعرف مدى أهميته إلا من جربه . وكم من المواقف البسيطة التي خلقت خلافات شاسعة بين المقربين ، وربما كان بالامكان معالجتها بشيء من الحكمة والتسامح الذي يبني للمستقبل علاقات أكثر اهمية وقيمة من الحسابات المادية

