أثناء ذروة جائحة «كورونا» شعر العالم بشكل مباشر بخطر تعثر سلاسل الإمداد والتوريد، والأزمات الناجمة عن تعطلها وانعكاساتها المباشرة على حياة الناس وحركة الاقتصاد.. ومع هذا، فإن خبراء الاقتصاد والبيئة يرون أن تأثيرات أزمة المناخ على سلاسل التوريد أشد خطورة وأطول من تداعيات الوباء السابقة وأكثر حدة. وهو ما أشار إليه في وقت سابق تقرير صادر عن شركة «سويس ري» نبّه إلى التأثير العميق لأزمة المناخ على سلاسل التوريد والإمدادات بما يفوق تأثير «كورونا» وما خلفته تبعات الجائحة من مشكلات عميقة حينها.

 

أفاد تحليل نشره موقع «كاربون بريف» المتخصص في شؤون البيئة، بأن الظواهر الجوية المتطرفة من شأنها التأثير «بطريقة لا يُمكن توقعها» في سلاسل التوريد، بما يؤثر بشكل مباشر في مواعيد الإنتاج وكذلك التسليم. واستشهد التحليل بتعطل صناعة البتروكيماويات لأيام عديدة العام الماضي مع ارتفاع قياسي في درجات الحرارة، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على إمدادات عديد من المواد مثل الراتنج والبلاستيك، ومواد مثل حمض الستريك وثاني أكسيد الكربون.

عوامل التأثير

وفي هذا السياق، يقول الخبير البيئي الدولي محمد الزرقا: «إن ثمة تأثيرات مباشرة وأخرى غير مباشرة لأزمة المناخ على سلاسل الإمداد والتوريد والنقل حول العالم». أما لجهة العوامل غير المباشرة فتحدث عن تفاقم حدة المشكلات الاقتصادية والأزمات الناجمة بشكل غير مباشر عن التغير المناخي، وأثر تلك المشكلات على سلاسل الإمداد المختلفة، ويمكن لمس هذا الأثر على عديد من الصُعد المختلفة.

ويلفت الزرقا في تصريحات خاصة لـ «البيان» من العاصمة المصرية، إلى أن سلاسل الإمداد تتأثر بعوامل مختلفة لها علاقة بالتغير المناخي بشكل غير مباشر، بما في ذلك الوضع الأمني على سبيل المثال، بالإشارة إلى أثر التغير المناخي على الأوضاع الأمنية وتفاقم النزاعات في بعض المناطق. وكذا تأثر سلاسل الإمداد في الوقت نفسه بنقص المواد نفسها -لا سيما المواد الغذائية- مع تضرر مساحات الأراضي المزروعة بآثار التغير المناخي، سواء لجهة التصحر وكذا كمية المياه.

ويُبرز الخبير البيئي في الوقت نفسه أثر أزمة الطاقة وتأثيرها كذلك على سلاسل الإمداد والتوريد حول العالم. كما يلفت إلى بعض العوامل المباشرة المرتبطة بالتغير المناخي، والتي تؤثر في سلاسل الإمداد في بعض الأحيان من بينها التهديد الذي تواجهه بعض الطرق الساحلية، وهو التهديد الناجم عن ارتفاع مستوى البحر -لا سيما في المناطق المنخفضة- والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، وجميعها مجتمعة عوامل تلقي بآثار شديدة على سلاسل الإمداد المختلفة وانسيابية حركة نقل البضائع والمواد الغذائية.

في السياق نفسه، سلط تقرير حديث أصدرته مدرسة ييل للبيئة بالولايات المتحدة الأمريكية، الضوء على الضغوطات والتحديات التي تواجهها مهمة استدامة سلاسل الإمداد في ضوء أزمة المناخ. ونبّه إلى المشكلات التي تتعرض لها بشكل خاص الطرق الساحلية المستخدمة في نقل الإمدادات، حيث المخاطر الناجمة عن تبعات التغير المناخي التي تواجهها تلك الطرق بشكل خاص، من بينها ارتفاع منسوب سطح البحر.

أزمة غذاء!

ويضيء أستاذ الاقتصاد الزراعي بالقاهرة، الدكتور جمال صيام، على واحدة من أخطر المشكلات ذات الصلة، والمتعلقة بشكل أساسي بـ «إمدادات الغذاء» حول العالم، متحدثاً عن أثر أزمة المناخ على النظم الغذائية والزراعية وسلاسل الإمداد والتوريد، حيث الضرر غير المباشر الكبير الذي يواجه نقل سلاسل نقل الغذاء، وبما يعرّض الأمن الغذائي لأزمة كبرى في بعض الدول التي تواجه نقصاً حاداً في الإمدادات بسبب عدة عوامل من بينها أثر التغيرات المناخية بشكل غير مباشر.

ونبهت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، في نوفمبر الماضي ضمن تقرير لها، إلى أثر تغير المناخ على النظم الزراعية والغذائية وسلاسل الإمدادات الغذائية والأمن الغذائي من خلال الصدمات القصيرة الأجل، مثل الأحداث المناخية المتطرفة، وحالات الإجهاد بطيئة الظهور، وارتفاع درجات الحرارة، والتصحر، وزيادة ملوحة التربة، وفقدان التنوع البيولوجي.

ويلفت الأكاديمي المصري في تصريحات خاصة لـ «البيان» إلى أثر ارتفاع درجات الحرارة ضمن الظواهر المرتبطة بأزمة المناخ على الإنتاج ومن ثم على سلاسل الإمداد حول العالم، وكذا أثر أزمة المياه والأمطار في مناطق أخرى وظاهرة الاحتباس الحراري وموجات الجفاف والتصحر التي تعاني منها العديد من الدول، وجميعها أمور تنعكس بشكل أساسي على سلاسل الإمداد العالمية من الغذاء بشكل خاص، وتتفاوت المناطق والبلدان المختلفة حول العالم من حيث تأثرها بتلك الأزمات، بينما الأكثر تأثراً دول القرن الأفريقي.

وكان تقرير صادر في شهر أكتوبر الماضي عن «إتش إس بي سي هولدينجز» ومجموعة «بوسطن كونسالتينج جروب» قد قدّر الاستثمارات التي يحتاجها قطاع سلاسل التوريد العالمي بغية الوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية صافية على مدى العقود الثلاثة المقبلة، بقيمة 100 تريليون دولار.

عقبات

ويشير الخبير الاقتصادي السعودي سالم باعجاجة، في تصريحات خاصة لـ «البيان»، إلى أنه من المعروف أن سلاسل الإمدادات تعتبر من الخدمات اللوجيستية التي تهتم بها كل دول العالم، لا سيما لجهة مدى تأثيرها على تدفق السلع والخدمات. ويعتقد بأنه مع تأثر الموانئ والمطارات وطرق النقل المختلفة (البرية والبحرية والجوية) بسبب الحروب وغيرها من العوامل ستتأثر سلاسل الإمداد، ولذلك يتعين أن تكون جميع الطرق الجوية والبرية والبحرية في مأمن بألا تتعرض لمثل تلك المؤثرات، لأن ذلك من شأنه أن تتوقف عن العمل، بما سيؤثر في تأخّر السلع والخدمات ووصولها إلى المستفيدين في الوقت المناسب.

ويضيف الخبير الاقتصادي إلى تلك العوامل أيضاً «التغير المناخي»، معتبراً أن أزمة المناخ تؤثر تأثيراً واضحاً على سلاسل الإمدادات، وهو التأثير الذي من شأنه أن يتضاعف خلال الفترات المقبلة، بما يؤثر في وصول السلع والخدمات، وبالتالي ستصل السلع والخدمات متأخرة بما يرفع أسعارها أيضاً.