لا يمكن القول إن نتيجة الانتخابات الرئاسية في فرنسا تكشف تأييداً ساحقاً لقيم الاتحاد الأوروبي، فالرئيس الفائز بولاية ثانية، إيمانويل ماكرون تفوق على منافسته اليمينية ماري لوبان بفارق أقل من الفارق بينهما في انتخابات العام 2017، إذ حصل على نحو 58 في المئة من الأصوات مقابل أكثر من 66 في المئة في العام 2017. كما كان معدل المشاركة في الانتخابات، الأقل منذ عقود، ما يكشف عن وصول مشاعر الاستياء لدى الناخبين إلى مستويات عالية.

ولكن ماكرون يحتاج إلى حكومة مناسبة، في حين يستعد لانتخابات برلمانية لا تقل أهمية. وستمرّ سبعة أسابيع إلى حين حلول موعد الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في يونيو المقبل، والتي عدّها المرشح اليساري جان لو ميلانشون الذي حلّ في المركز الثالث في الجولة الأولى، «جولة ثالثة» للانتخابات الرئاسية. وعدّت لوبان أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل «انتصاراً مدوياً» وتعبيراً من جانب الفرنسيين عن رغبة في إقامة «سلطة قوية مضادة لماكرون».

المعركة الكبيرة

وقالت «سنبدأ المعركة الكبيرة من أجل الانتخابات البرلمانية». ويرى المحلل الفرنسي ليونيل لوران أن تأثيرات نظرية دومينو بالنسبة لتيار رفض النخبة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تراجعت بصورة متزايدة في أعقاب تفشي فيروس كورونا في العالم، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. فقد صوت الفرنسيون لمصلحة وجود فرنسا في قلب أوروبا وليس على هامشها.

وحتى إذا كان الناخبون رفضوا دعوة لوبان لتقليص التعاون الأوروبي والتقارب مع روسيا، فإن حملتها على الصعيد الاقتصادي ساعدتها على تحقيق نتيجة أفضل من العام 2017، إذ صوت نحو 17في المئة من المصوتين لمصلحة اليسار في الجولة الأولى، لمصلحة لوبان في جولة الإعادة.

وعلى الصعيد الأوروبي، يتعين على ماكرون تحقيق توازن جديد بين التواضع والتواصل مع الدول كما هناك قضايا أخرى على أجندة ماكرون مثل التغير المناخي وتنظيم عمل شركات التكنولوجيا العملاقة وسد الثغرات في نظم ضرائب الشركات. وعدّت زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، زاسكيا إيسكن، انتخاب ماكرون علامة مهمة على استقرار أوروبا وقدرتها على العمل في أوقات اندلاع حرب في أوروبا وتهديد الديمقراطية.

وأعربت عن قلقها بشأن النتائج التي حققتها لوبان، وقالت: «تقع على عاتق أوروبا بأكملها مهمة مواجهة هذه الاتجاهات، وكذلك ضمان أن يشعر المواطنون باهتمام الساسة أكثر مما هو عليه الحال حالياً في العديد من الأماكن». تُعد إعادة انتخاب ماكرون، الذي هنأه كل قادة العالم تقريباً، مصدر ارتياح لشركاء باريس بالدرجة الأولى. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مهنئة ماكرون، «أبدي ارتياحي إلى التمكن من مواصلة تعاوننا الممتاز. معاً، سنمضي قدماً بفرنسا وأوروبا».

استمرار التعاون

وكتب الرئيس الأمريكي جو بايدن على «تويتر»: «أتطلّع إلى استمرار التعاون مع باريس بما في ذلك دعم أوكرانيا والدفاع عن الديمقراطيّة ومواجهة تغيّر المناخ». كما هنأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ماكرون قائلاً «أُقدّر دعمه وأنا مقتنع بأنّنا نتقدّم معاً نحو انتصارات مشتركة جديدة. نحو أوروبا قويّة وموحّدة!». وتمنى الرئيس الصيني شي جينبينغ «مواصلة العمل مع ماكرون»، فيما تمنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لماكرون «النجاح»، رغم التوترات الشديدة بين البلدين.

كما هنّأته بلجيكا وإسبانيا وسويسرا والسويد والنرويج واليونان وإسرائيل والهند واليابان. عربياً، هنأته كل من المملكة العربية السعودية وقطر ولبنان والجزائر والعراق وفلسطين. يشار إلى أن دولاً عديدة هنأت ماكرون في وقت سابق على غرار بريطانيا وإيطاليا ومصر.