«تسونامي يجتاح الفيزياء الفلكية!».. بهذه الكلمات وصف العلماء حجم وتأثير الموجة الهائلة من البيانات التي أطلقها مرصد «غايا» (Gaia) الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA). هذه البيانات الجديدة ليست مجرد تحديث، بل هي أفضل خريطة على الإطلاق لمجرة درب التبانة، كاشفة عن تفاصيل مذهلة لحياة وموت وحركة 1.8 مليار نجم وجسم كوني، ما يحدث ثورة في فهم مكانة البشر في الكون.

ثورة البيانات

يستند التقرير الأصلي إلى البيانات التي تلت إطلاق 2018 (ربما يشير إلى الإطلاق المبكر الثالث EDR3 في 2020)، ولكن التحديثات اللاحقة، وخاصة مع الإطلاق الكامل الثالث للبيانات (Gaia DR3) في يونيو 2022، وسعت نطاق الثورة العلمية إلى مستويات مدهشة حيث يتضمن الإصدار الأحدث المواقع والمسافات والحركات المناسبة (Proper Motions) لـ1.8 مليار جسم، ما يضاعف دقة نقاط الحركة الطبيعية مقارنة بالإصدارات السابقة.

ولم يعد «غايا» يقتصر على تحديد المواقع، بل قدم خصائص فيزيائية (مثل درجة الحرارة، والجاذبية السطحية، والعمر، والكتلة) لأنواع مختلفة من النجوم (حوالي 470 مليون نجم) وتصنيفات طيفية (حوالي 219 مليون نجم).

السرعات الشعاعية

تم توفير متوسطات السرعات الشعاعية لـ33 مليون نجم، وهي حركة النجم نحو أو بعيداً عن الأرض، ما يسمح للباحثين بتحديد المسار المداري الكامل للنجوم عبر المجرة. وتم تحديد حوالي 10.5 ملايين جسم متغير (من نجوم متغيرة إلى أنوية مجرات نشطة «Quasars») مع سجل زمني كامل لـ24 نوعاً مختلفاً من أنماط التغير. وكشفت بيانات «غايا» عن اكتشافات صادمة، بما في ذلك موجة عملاقة تموج عبر قرص المجرة، تبدأ من المركز وتمتد إلى آلاف السنين الضوئية، ما يشير إلى أن درب التبانة ليست ساكنة بل «تتموج» وتتحرك بشكل لم نفهمه بعد.

كما أشار العلماء، فإن بيانات «غايا» لديها تطبيقات تتراوح من الكويكبات في نظامنا الشمسي إلى فهم التطور الكامل للمجرات ومكنت البيانات الفلكيين من رسم أكبر خريطة ثلاثية الأبعاد لمناطق تشكل النجوم على بعد 4000 سنة ضوئية، ما يكشف عن مواقع السدم الساخنة والنجوم الفتية العملاقة النادرة (O-Type stars) التي تشكل المجرة.

آثار تاريخ درب التبانة

أكدت القياسات أن درب التبانة «التهمت» بقايا مجرات قزمة أصغر قبل مليارات السنين، وأن هذه البقايا تشكل جزءاً من تكوينها الحالي. كما حددت البيانات آلاف النجوم فائقة السرعة التي تقذف نحو خارج المجرة بسرعة مذهلة، إضافة إلى اكتشاف ثقب أسود نجمي هائل (Gaia BH3)، يمثل تحدياً للنظريات الحالية حول نشأة الثقوب السوداء.

أسفرت دقة غايا عن تحديد نجوم قريبة تقع ضمن منطقة الرؤية الأرضية (Earth Transit Zone)، وهي مواقع افتراضية يمكن للكائنات الفضائية منها رؤية علامات الحياة على الأرض.