يسكتشف العلماء كيفية إحياء الكواكب الميتة وجعلها صالحة للحياة، وبات حلم العيش على كوكبي المريخ والزهرة وإنشاء مدن عائمة في الفضاء أمراً قريب المنال.
من خلال دراسة إمكانية إنشاء أجواء قابلة للتنفس، وطاقة مستدامة، وأنظمة زراعية على هذه الكواكب، يأمل العلماء في ضمان بقاء البشرية وتعزيز فهم أعمق لكوننا وفق موقع rudebaguette.
يعد رمسيس راميريز، عالم الكواكب وعالم الأحياء الفلكية بجامعة سنترال فلوريدا، رائداً في الأبحاث الرامية إلى جعل المريخ صالحاً للحياة.
يركز عمله على إعادة تأهيل الكوكب، وهي عملية تغيير بيئة الكوكب لتشبه بيئة الأرض.
ويكمن جوهر نهجه في استخدام الجسيمات النانوية المريخية لتدفئة سطح الكوكب، مما قد يدعم وجود الماء السائل والحياة النباتية.
رؤية تتجاوز الفضول العلمي
يقول راميريز: "في نهاية المطاف، أنا مهتم بالعثور على حياة على كواكب أخرى، وإذا لم تكن موجودة، فعلينا أن نصبح تلك الحياة على ذلك الكوكب".
ويضيف: كان المريخ يوماً ما أشبه بالأرض، مع وجود أدلة على وجود وديان وأنهار، تشير هذه الدلائل إلى أن المريخ كان يتمتع بغلاف جوي كثيف بما يكفي لدعم وجود الماء السائل.
يكمن التحدي في تحديد ما إذا كانت أي من هذه الموارد لا تزال موجودة، أو في كيفية إيجاد بدائل لها في حال عدم وجودها.
يتساءل راميريز: "هل لا يزال المريخ يمتلك ما يكفي من تلك الموارد التي كان يمتلكها سابقاً؟" يهدف بحثه إلى سد الثغرات اللازمة لإعادة المريخ إلى حالة صالحة للسكن.
تحويل المريخ إلى أرض صالحة للعيش
يُمثل المريخ تحدياتٍ كبيرة، لا سيما برودته الشديدة، حيث يبلغ متوسط درجة حرارة سطحه 80 درجة فهرنهايت تحت الصفر.
ولمعالجة هذه المشكلة، يقترح راميريز استخدام تراب المريخ لزراعة قضبان نانوية مجهرية، عند إطلاق هذه القضبان النانوية في الغلاف الجوي، يمكنها احتجاز الطاقة الشمسية وإحداث ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويمكن لهذه الطريقة رفع درجات الحرارة إلى حوالي 30 درجة فهرنهايت، وهي درجة كافية لإذابة الجليد ودعم الحياة النباتية البسيطة.
يوفر هذا النهج حلاً اقتصادياً ومتوفراً محلياً، ولا يتطلب استيراد كميات كبيرة من المواد من الأرض.
العثور على الغذاء في تربة المريخ
أجرى الباحثون تجارب طويلة على زراعة الغذاء في مُحاكيات تربة المريخ، وقد طورت شركة "تقنيات موارد الفضاء"، وهي فرع من مختبر "إكسوليث" التابع لجامعة سنترال فلوريدا، مُحاكيات واقعية لتربة المريخ لدراسة نمو النباتات.
ويشير اكتشاف الجزيئات العضوية من قِبل بعثات "فايكنج" و"كيوريوسيتي" و"بيرسيفيرانس" إلى أن المريخ كان داعماً للحياة في الماضي.
تُعدّ جهود زراعة الغذاء في تربة المريخ أمراً بالغ الأهمية لضمان بقاء أي مستعمرات مستقبلية.
وفي حال نجاحها، قد تُقلل هذه التقنيات بشكل كبير من الحاجة إلى نقل الغذاء من الأرض، مما يجعل السكن طويل الأمد أكثر جدوى.
دعم الحياة خارج الأرض
تستكشف ناسا أجهزة انشطار نووي قادرة على توفير 40 كيلوواط من الطاقة المستمرة لمدة تصل إلى عقد من الزمن، على المريخ ويمكن لهذه المفاعلات أن تُزوّد المساكن بالطاقة في أحلك الليالي.
يتمتع المريخ بيوم مشابه ليوم الأرض، مما يجعل الطاقة الشمسية خياراً عملياً. ومع ذلك، تُشكل كواكب أخرى، مثل الزهرة، تحديات أكبر نظراً لبطء دورانها وكثافة غلافها الجوي.
وقد اقترح العلماء حلولًا مبتكرة، مثل طائرات شمسية تحلق في الغلاف الجوي العلوي للزهرة.
ستجمع هذه الطائرات ضوء الشمس، وتخزن الطاقة في بطاريات، ثم تنقلها إلى مركبات هبوط على السطح عبر طاقة الليزر، ورغم طموح هذه المقترحات، إلا أنها قد تُمكّن يوماً ما من دعم مهمات طويلة الأمد في بيئات قاسية.
مدن عائمة على كوكب الزهرة
قد يبدو كوكب الزهرة مرشحاً غير محتمل للاستيطان لظروف سطحه القاسية، ومع ذلك، على ارتفاع حوالي 50 كيلومتراً فوق السطح، يُشبه غلافه الجوي غلاف الأرض الجوي بشكل مدهش، مما يجعل فكرة بناء مدن عائمة أو محطات بحثية ممكنة.
الزهرة أقرب إلى الأرض من المريخ، مما يجعل الرحلات أقصر وأكثر فعالية من حيث التكلفة.
كما يوفر غلافه الجوي السميك حماية من الإشعاع الكوني.
في حين أن استخراج المعادن من سطح كوكب الزهرة شبه مستحيل، إلا أن ثاني أكسيد الكربون في غلافه الجوي يمكن أن يتحول إلى أكسجين لدعم الحياة.
ويؤكد راميريز على ضرورة التكيف مع الأحماض المسببة للتآكل في الغلاف الجوي لضمان السلامة لأي مهام مستقبلية.
ويضيف: "بهذه الطريقة، في حال حدوث أي طارئ، سيكون رواد الفضاء هناك بأمان" .
الاستخدامات العملية للبحث
للبحث في مجال تشكيل الأرض واستدامة الحياة خارجها آثارٌ بعيدة المدى، فتقنياتٌ مثل الاحترار باستخدام الجسيمات النانوية واستغلال الموارد الطبيعية يمكن أن تُخفّض التكاليف المرتبطة باستعمار الفضاء.
كما يمكن لهذه التطورات أن تُؤثّر على هندسة المناخ على الأرض، بدءاً من احتجاز الكربون وصولًا إلى تحسين الطاقة المتجددة.
يُمثل استكشاف المريخ والزهرة فرصةً رائعةً لتوسيع الوجود البشري خارج الأرض، ومع استمرار الأبحاث والتقدم التكنولوجي، يقترب حلم العيش على كوكب آخر من التحقق.
وبينما نواصل استكشاف هذه الإمكانيات، يبقى سؤالٌ واحد: كيف ستُغير هذه الجهود الرائدة فهمنا للحياة ومكانتنا في الكون؟
