أكدت وكالة ناسا نجاح هبوط المركبة الفضائية الخاصة "بلو غوست ميشن 1" أو "الشبح الأزرق" التابعة لشركة فايرفلاي إيروسبيس على سطح القمر، في إنجاز يُعدّ علامة فارقة في تاريخ استكشاف الفضاء. جاء هذا الهبوط الناجح بالقرب من منطقة مون لاتريل في بحر الأزمات، وهو موقع ذو أهمية علمية عالية نظرًا لثرائه بالخصائص البركانية القديمة، مما يُتيح للعلماء دراسة تاريخ القشرة القمرية وتطورها الحراري بشكل أعمق.
الرحلة وأهميتها لبرنامج أرتميس
أُطلقت مركبة "بلو غوست 1" من فلوريدا في يناير 2025، ومرت بسلسلة من المناورات الدقيقة شملت الإبحار في المدار القمري، الاقتراب، وأخيرًا الهبوط الناعم. هذا الإنجاز لا يُمثل مجرد نجاح تقني، بل يُعد خطوة استراتيجية مهمة ضمن برنامج أرتميس الذي تهدف ناسا من خلاله إلى تطوير استكشاف القمر بشكل مستدام، مع تمهيد الطريق نحو بعثات مستقبلية إلى المريخ وما بعده.
وقالت جانيت بيترو، القائمة بأعمال مدير ناسا، "إن نجاح هذه المهمة يُظهر كيف تُبرز ناسا والشركات الأمريكية ريادة استكشاف الفضاء لما فيه مصلحة البشرية جمعاء."
وتحمل المركبة على متنها أدوات علمية مصممة لدعم أهداف أرتميس، بما في ذلك أجهزة لتحليل الغبار القمري، قياس تدفق الحرارة، ودراسة الخصائص الحرارية للقمر، بالإضافة إلى تقنيات متقدمة لتحديد المواقع والملاحة.
شراكة القطاع الخاص مع ناسا ونموذج CLPS
يعتمد نجاح "بلو غوست" جزئيًا على نموذج خدمات الحمولة القمرية التجارية (CLPS) الذي أطلقته ناسا، والذي يتيح للشركات الخاصة تنفيذ مهام توصيل حمولات علمية إلى القمر، بدلاً من أن تقوم ناسا ببناء وإطلاق كل مركبة بنفسها. من خلال هذا النموذج، يتم تقليل التكاليف، تسريع الابتكار، وتوزيع المخاطر على عدة بعثات، كما يتيح اختبار تقنيات جديدة بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
تُعد مهمة "بلو غوست 1" ثاني هبوط تجاري ناجح على سطح القمر، ما يؤكد قدرة الشركات الخاصة مثل "فايرفلاي إيروسبيس" على المساهمة الفعالة في تحقيق أهداف استكشاف الفضاء، مع تعزيز كفاءة التكلفة وتوفير بيانات مهمة للعلماء.
الحمولات العلمية المبتكرة
تحمل المركبة العديد من الأدوات المتطورة، من بينها جهاز حفر تحت سطح القمر يصل عمقه إلى حوالي 3 أمتار، لجمع بيانات عن التدفق الحراري وخصائص القشرة القمرية. وأداة أخذ عينات من تربة القمر (الريجوليث) تعتمد على تقنية الغاز، لتقليل استهلاك الطاقة مقارنة بالآليات التقليدية ، وجهاز سبر مغناطيسي أرضي لدراسة المجالات المغناطيسية للقمر.
تجربة LuGRE، التي تُثبت إمكانية استخدام إشارات GPS وغاليليو الضعيفة للملاحة على سطح القمر، ما قد يُحدث ثورة في استقلالية المركبات الفضائية المستقبلية.
الغبار والحرارة وتحديات استكشاف القمر
يُعتبر الغبار القمري أحد أكبر التحديات للبعثات المستقبلية، إذ يمكن أن يلتصق بالمعدات ويعيق عملها، كما يشكل خطرًا على صحة رواد الفضاء. لذلك، تركز مهمة "الشبح الأزرق" على دراسة كيفية تفاعل الغبار مع المجالات الكهربائية، خاصة عند الفجر والغسق القمري، مما يوفر بيانات قيمة لتحسين تصميم المركبات والبدلات الفضائية، وفقا لموقع "dailygalaxy".
كما يُساعد تحليل التدفق الحراري للقمر على فهم النشاط البركاني وتاريخ القشرة الأرضية، بالإضافة إلى تحسين تصميم المعدات التي يجب أن تتحمل الظروف القاسية على السطح القمري.
الشركات الخاصة ومستقبل استكشاف القمر
إن نجاح "بلو غوست 1" يُبرز الدور الحيوي المتزايد للشركات الخاصة في سباق الفضاء. من خلال شراكاتها مع ناسا، تُسهم هذه الشركات في تسريع وتيرة الابتكار، تقليل التكاليف، وتطوير تقنيات جديدة يمكن تطبيقها بسرعة في البعثات القادمة.
ومع تكرار الشركات الخاصة لرحلاتها، ستزداد خبرتها، مما يسمح ببناء حضور بشري مستدام على القمر بشكل أسرع وأكثر كفاءة، ويُحدث تحولًا جذريًا في مستقبل استكشاف الفضاء.
