في قصة تحوّل صادمة لعملاق وادي السيليكون، تتكشّف فصول انهيار "إنتل" من قمة الهيمنة إلى حافة الانهيار، حيث أصبحت اليوم في أمسّ الحاجة لـ "دفعة ثقة" بقيمة 5 مليارات دولار من منافسها "إنفيديا".

هذا الاستثمار المفاجئ، الذي أشعل حماس الموظفين برسالة "جنسن يُعجب بنا!"، ليس سوى وميض أمل خافت يخفي وراءه عقوداً من الأخطاء الاستراتيجية القاتلة وتآكلاً بطيئاً لثقافة آندي غروف الأسطورية.

من تفويت ثورة "آيفون" إلى خسارة سباق الذكاء الاصطناعي، يروي هذا النص كيف أدى تحويل الأولوية من الريادة الهندسية إلى الربح المالي إلى تدمير روح الشركة وتحويل موظفيها من "أفضل العقول" إلى مجرد "أصول قابلة للتسريح".

إنقاذ "إنفيديا"

كان موظفو "إنتل"، التي لا تزال تحمل اسماً أسطورياً في وادي السيليكون، في أمسّ الحاجة إلى أخبار سارة بعد سنوات من التراجع شبه المتواصل وفقدان الأهمية منذ عام 2017. وجاء الخبر السار أخيراً: ستستثمر "إنفيديا" 5 مليارات دولار في "إنتل"، وهي دفعة قوية مطلوبة بشدة.

الأخطاء الاستراتيجية التي قادت لهذا المصير تتلخص في تفويت ثورة الهاتف المحمول عندما رفض الرئيس التنفيذي آنذاك، بول أوتيليني، طلب شركة "آبل" لبناء شرائح أول هاتف "آيفون".

كما خسرت الشركة ازدهار الذكاء الاصطناعي، لتترك السوق لشركتي "TSMC" و"سامسونغ"، وهو ما يُعتبر اليوم تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

الأكيد هو أن الشركة، التي كانت معروفة بجذب "الأفضل والألمع"، فقدت هذه القدرة إلى حد كبير، ووصف موظفون سابقون المزاج بأنه "في الحضيض".

لقد تدهورت ثقافة "إنتل" إلى "وضع رؤوس للأسفل ومواصلة الدفع"، وغابت عنها "الشرارة" والرغبة في العمل.

على مدى السنوات العشر الماضية، تخلصت "إنتل" من عشرات الآلاف من الوظائف عبر عدة موجات من إعادة الهيكلة، ففي عام 2024، أعلن الرئيس التنفيذي بات غيلسنجر عن تخفيض 15,000 وظيفة.

والآن، قال ليب-بو تان، الذي تولى منصبه في مارس، إن 25,000 وظيفة أخرى ستُحذف، وأنه يريد من "إنتل" أن تحاكي ثقافة "إنفيديا" الرشيقة وسريعة الحركة.

القائد الذي وضع الحمض النووي لثقافة "إنتل" كان آندي غروف، الذي تميز بشعار "البقاء فقط للمهووسين" ووفّر الظروف للابتكار، كانت جهود الموظفين تُكافأ بجوائز شخصية، وكان النظام يشجع على الديمقراطية والتجريب.

لكن هذا تغير جذرياً بعد تنحي غروف، حيث بدأ بول أوتيليني مساراً جديداً أعطى فيه الأداء المالي الأولوية على حساب الريادة التكنولوجية. فقدت روح التجريب بريقها، وقُلصت الجوائز.

تحوّل الموظفون من كونهم جزءاً من "العائلة" إلى مجرد "تروس في آلة مصممة لتعظيم الربح"، وقد انعكس هذا في عمليات التسريح التي سميت "لطفاً" بـ "حركة الموظفين المؤسسية" ("Corporate People Movement").

كما أدت الأخطاء في التعامل مع عمليات التسريح - مثل طرد الموظفين في نفس اليوم - إلى أضرار بالغة. وأصبحت اجتماعات الوحدات التجارية (BUMs) مصدر قلق مستمر، يطاردها السؤال المخيف: "هل أنا التالي؟".

إقالة غيلسنجر

في عام 2021، تحول المزاج مؤقتاً للأفضل بعودة بات غيلسنجر، الذي رأى فيه الكثيرون إحياءً لروح آندي غروف لرهانه بمليارات الدولارات على تقنية الإنتاج المتقدمة 18A. لكن مجلس الإدارة - الذي كان تان عضواً فيه - فقد صبره، وتمت إقالته في ديسمبر الماضي، مما شكل صدمة قوية للموظفين.

بالمقابل، وصف موظفون ليب-بو تان بأنه "غائب" ولا يركز إلا على المستثمرين وأصحاب المصلحة الخارجيين. وقد أثار قراره بالموافقة على حصول الحكومة الأمريكية على حصة 10% في الشركة مقابل 8.9 مليار دولار من المنح، جدلاً واسعاً.

كما زادت حدة القلق مع إعلان تان عن الاستعانة بمصادر خارجية (outsourced) للعديد من الوظائف، خاصة في التسويق، واستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي محلها.

يرى الموظفون السابقون أن "إنتل" بحاجة لتطوير عقلية العمل التعاوني مع المنافسين بدلاً من "الغطرسة" التي سادت لسنوات وكانت سبباً في التحديات الحالية.

فقدت "إنتل" مكانتها كوجهة أولى للعقول الهندسية اللامعة، ويُعتقد أن التوظيف لـ "الفصل التالي" سيكون صعباً، حيث "يرغب معظم الناس في أن يكونوا جزءاً من قصة نمو، وليس قصة إنقاذ".

ومع ذلك، وبسبب الثقافة القوية التي سادت لسنوات، لا يزال موظفو "إنتل" السابقون يدعمون الشركة، وكثيرون منهم مستعدون للعودة "في لحظة" إذا استعادت الشركة روحها.