بين الفراغ المعرفي والرغبة في اختصار المسافات، تلوح في الأفق تحديات جسيمة تواجه توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث الثقافي، ويطل السؤال الأهم في هذا المجال: كيف يمكن للتكنولوجيا الأكثر تطوراً أن تنبض بالحياة في شرايين التراث الإنساني، لتنقلب صفحات التاريخ العريق شاشات مستقبل لامع.
وخلال الغوص في هذه المعضلة، تتضح أهمية العقل البشري الذي يستفيد من استشارة الذكاء الاصطناعي، لكنه يمارس تدخلاته الذكية التي تحول دون بقاء التراث المادي المحفوظ في الكتب بعيد المنال عن خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتفادي التضارب الناشئ عن إحلال عبقرية الآلة مكان حصافة الإنسان.
وفي هذا السياق، أوضح الكاتب والباحث فهد علي المعمري، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات، في تصريح لـ«البيان»، أن أبرز التحديات التي تواجه توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث هي ملء الفراغ، مبيناً أن التراث موجود اليوم في الكتب، لكنَّ الذكاء الاصطناعي لا يستطيع الوصول إليها، بل يصل إلى الرقمنة.
وقال المعمري: «متى ما رقمنَّا هذا التراث وأوجدنا جميع المعلومات على الألواح الإلكترونية، تمكَّن الذكاء الاصطناعي من الوصول إليها، ومتى ما وصل إليها وصلنا معه إلى الإبداع في التراث»، واصفاً الذكاء الاصطناعي بأنه «مستشار للإبداع الأدبي والثقافي»؛ إذ إنه اختصر كثيراً من المسافات، وبات بإمكانه التعامل مع الجمل وعلامات الترقيم، ومن ثم فهو مؤهل للإبداع، لكن يبقى على المبدع أن يمسك بزمام الأمور ليقوده إلى الإبداع بمعناه الحقيقي.
نُظم وقوانين
من جانبه، أكد حمد سليم الحميري، مدير إدارة البحوث والخدمات المعرفية في الأرشيف والمكتبة الوطنية، أن دولة الإمارات أنشأت منذ البدايات سياسات ونُظماً وقوانين لصون التراث والحفاظ عليه، مشيراً إلى أن التكنولوجيا الحديثة أتت الآن لضبط هذا التراث في مستودعات رقمية وأنظمة إلكترونية تتاح للجمهور.
وقال الحميري: «ثمة سلبيات بسبب الرجوع إلى الذكاء الاصطناعي بصورة مطلقة دون التدقيق وراء ما تنتجه هذه التقنية الحديثة، فمثلاً عندما تتم ترجمة نص ما، لا بد من تدخل بشري بنسبة 50 % للمادة المترجمة»، لافتاً إلى التضارب في المعلومات التي تنتجها الأنظمة الذكية بسبب استقائها من بيانات بسيطة سطحية، الأمر الذي يؤكد ضرورة العودة إلى ذوي الخبرة والاختصاص لتصحيح بعض المصطلحات والنصوص التراثية.
