تشكل المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين واحدة من أبرز القضايا الجيوسياسية في العصر الحديث، ويعد قطاع أشباه الموصلات، وخاصة رقائق الذكاء الاصطناعي، ساحة المعركة الرئيسية. في قلب هذا الصراع، تبرز شركة «إنفيديا» (NVIDIA)، عملاق تصنيع الرقائق، ومحاولات الحكومة الأمريكية لتقييد مبيعاتها إلى الصين، ما يثير جدلاً واسعاً وتداعيات اقتصادية كبيرة، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.

وتُبرر الولايات المتحدة قيودها على صادرات الرقائق إلى الصين بمخاوف تتعلق بالأمن القومي. تعتقد واشنطن أن الرقائق المتقدمة، مثل وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) من «إنفيديا»، يمكن أن تُستخدم في تطوير قدرات عسكرية صينية، بما في ذلك أنظمة الأسلحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتعزيز قدراتها في مجال التجسس والمراقبة.

إبطاء تقدم الصين

تعتبر هذه الرقائق ضرورية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، ولذلك تسعى الولايات المتحدة إلى إبطاء تقدم الصين في هذا المجال الحيوي. يرى المسؤولون الأمريكيون أن منع الصين من الوصول إلى هذه التكنولوجيا الأساسية هو وسيلة للحفاظ على التفوق التكنولوجي الأمريكي.

تعتبر شرائح «إنفيديا» مثل A100 وH100 المعيار الذهبي لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بسبب قدراتها الحوسبية الفائقة. عندما فرضت الولايات المتحدة حظراً على بيع هذه الشرائح للصين، قامت «إنفيديا» بتطوير نسخ معدلة أقل قوة، مثل A800 وH800، لتلبية طلب السوق الصيني مع الالتزام بالقيود الأمريكية.

ولكن في أكتوبر 2024، شددت إدارة الرئيس بايدن القيود بشكل أكبر، لتشمل هذه الشرائح المعدلة أيضاً، ما أدى إلى وقف مبيعات «إنفيديا» من هذه المنتجات إلى الصين بالكامل. هذا الإجراء أثر بشكل مباشر في إيرادات الشركة، وأجبرها على البحث عن أسواق جديدة.

تداعيات الصراع

ثمة تحديات لـ«إنفيديا»، إذ فقدت الشركة سوقاً ضخماً ومربحاً، ما دفعها إلى التركيز على أسواق أخرى مثل اليابان والشرق الأوسط، ومع ذلك تبقى الصين سوقاً لا يمكن تجاهله على المدى الطويل، ما يزيد من الضغط على الشركة لإيجاد حلول بديلة.

رداً على القيود، كثفت الحكومة الصينية جهودها لتطوير قطاع أشباه الموصلات المحلي. خصصت بكين استثمارات ضخمة لشركات مثل «هواوي» و«SMIC» لتصبح قادرة على تصميم وتصنيع رقائق متقدمة بشكل مستقل. على الرغم من أن الصين لا تزال متخلفة عن الولايات المتحدة وتايوان في هذا المجال، فإن هذه الجهود قد تؤدي إلى تقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية على المدى الطويل.

أدت هذه التوترات إلى انقسام في سلاسل الإمداد العالمية، حيث تسعى الشركات إلى فصل عملياتها بين الأسواق الأمريكية والصينية، ما يزيد من التكاليف والتعقيدات.

يُظهر هذا الصراع أن التكنولوجيا لم تعد مجرد سلعة تجارية، بل أصبحت أداة استراتيجية في التنافس الجيوسياسي، ومستقبلاً، ستحدد قدرة الدول على الابتكار والتفوق في قطاع الذكاء الاصطناعي.