في سباق الأجهزة المحمولة نحو النحافة والكفاءة، يتخطى المهندسون حاجزاً فيزيائياً، بابتكار عدسات معدنية «فوق رقيقة» متعددة الألوان، ممهدين لثورة في كاميرات الطائرات بدون طيار، والهواتف الذكية والأقمار الصناعية الصغيرة.
على مدى عقود، ظلّت الكاميرات مقيدة بالفيزياء الكلاسيكية للعدسات الزجاجية المنحنية، والتي تتطلب حجماً كبيراً لتصحيح عيوب تشتت الألوان وتركيز الضوء.
أما اليوم، فقد أعلن فريق بحثي دولي، بقيادة علماء من الجامعة الوطنية الأسترالية (ANU)، وجامعة فريدريش شيلر في يينا بألمانيا، عن اختراق يكسر هذه القيود، مقدماً جيلاً جديداً من البصريات المسطحة: العدسات المعدنية متعددة الطبقات (Multilayer Metalenses).
هذا الإنجاز، الذي نُشر في مجلة «أوبتيكس إكسبريس» (Optics Express)، يعد بإنهاء عصر الكاميرات البارزة في الهواتف، وفتح الباب أمام أنظمة تصوير مدمجة وعالية الأداء لأجهزة المراقبة والطائرات بدون طيار.
التغلب على «القيود المعدنية»
تُعرف العدسات المعدنية (Metalenses)، بأنها عدسات مسطحة فائقة الرقة، لا يتجاوز سمكها جزءاً ضئيلاً من سمك شعرة الإنسان. وتعتمد على تراكيب نانوية (Meta-atoms)، لتوجيه الضوء، بدلاً من انكساره بالطريقة التقليدية. إلا أن الجيل الأول من هذه العدسات، المكون من طبقة واحدة، كان يعاني من عيب جوهري: عدم القدرة على تركيز أطوال موجية متعددة (أي الألوان) في نفس النقطة بكفاءة عالية، ما يسبب تشويشاً في الصور الملونة.
الطبقات المكدسة
اعتمد الباحثون، بقيادة جوشوا جوردان من الجامعة الوطنية الأسترالية، على فكرة تكديس طبقات من المواد الميتا-أوبتيكال (المواد فائقة البصريات)، فوق بعضها البعض. كل طبقة في هذا التصميم، يتم تصميمها بشكل منفصل، بواسطة خوارزميات معقدة، لتعديل موجات ضوئية محددة. ومكّن هذا التكديس من تركيز مجموعة واسعة من الأطوال الموجية (الألوان) في نفس الوقت، وعلى قطر واسع، متغلباً على التشويش اللوني، الذي كان يمثل عقبة في العدسات أحادية الطبقة.
تم إنتاج هياكل نانوية معقدة في كل طبقة، بأشكال هندسية دقيقة، مثل «نباتات البرسيم» و«المراوح» و«المربعات»، لضمان أعلى مستوى من التحكم في الضوء. وما يجعل هذا الابتكار «ثورياً»، ليس فقط الأداء البصري، بل أيضاً سهولة إنتاجه، وقابليته للتطبيق الصناعي، وفقاً لجوردان: «يمكن تصنيع كل طبقة على حدة، ثم تجميعها معاً، في عملية تسمى «التعبئة»، ما يقلل من تحديات تصنيع الهياكل النانوية العالية والضيقة. وقد تم ذلك في جامعة فريدريش شيلر في يينا».
