في سبيل تحسين عمل الشبكات الكهربائية، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، طوّر باحثون في مختبر المسرّع الوطني «سلاك»، التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، أخيراً، جهازاً بحجم هاتف محمول، يعمل تلقائياً على ضبط استخدام الطاقة في المنزل، نقصاناً أو زيادة، ما يوفر المال على المستهلكين، ويزيد مرونة الشبكة الكهربائية، مشيرين الى أن خطتهم المبتكرة تجعل الكهرباء أرخص ثمناً، وأفضل موثوقية، وأكثر صداقة للبيئة.
وأفاد الباحثون في دراستهم المنشورة في موقع «نيوز وايز» بأنّ التغير المناخي، وما يسببه من تقلبات حادة في أحوال الطقس، يدفع بالشبكات الكهربائية للعمل إلى أقصى حدودها. ففي تكساس العام الماضي، على سبيل المثال، تسببت دوامة قطبية غير مسبوقة في قيام المستهلكين برفع أجهزة تنظيم الحرارة الخاصة بهم وإغراق شبكة الطاقة، مما أدى الى انقطاع التيار الكهربائي لمدة أيام.
الآن ابتكروا تكنولوجيا اسمها «نظام خدمة الطاقة العابرة» أو «تس»، تعمل تلقائياً على تعديل استخدام الطاقة في المنزل استجابة لتقلبات الأسعار التي يحددها الطلب في السوق في الوقت الفعلي، كما يعمل الجهاز على توزيع الطاقة عبر الشبكة إلى المناطق التي تشتد الحاجة إليها، ما يزيد من مرونة الشبكة، ويوفر أموال المستهلك وشركة الكهرباء.
وحتى الآن، تم تركيب «تس» في أربعة منازل في أول اختبار سكني للنظام، حيث من المقرر نشره في مئات المنازل في شمال شرق الولايات المتحدة على مدار العامين المقبلين.
تنسيق البيانات عبر السحابة
يقول الباحث الرئيسي في المشروع، مدير مختبر «أنظمة تكامل الشبكات وإمكانية التنقل»، دايف تشاسن: «المفتاح لجعل النظام يعمل هو أن يكون المستهلك هو من يتحكم بالنظام، يحدد السعر الذي على استعداد لخفض استهلاك الطاقة إليه، والسعر الذي يرغب في بيع الطاقة التي تولدها الألواح الشمسية في منزله أو مصادر أخرى، إلى الشبكة».
ويقوم الجهاز الذي يقارب حجمه حجم الهاتف الذكي، في التحكم باستخدام الكهرباء في المنزل بناء على أسعار الطاقة التي يتم تقييمها وإعادة حسابها كل خمس دقائق، وفقاً لمتطلبات الطاقة في السوق. وهو يتحكم فقط في بعض الأجهزة المرنة، مثل منظم الحرارة أو الثلاجة التي لا تحتاج الى أن تكون شغّالة باستمرار، ومن ناحية أخرى، فإن المصباح الكهربائي ليس مرناً لأنه يجب أن يكون في الوقت الذي نريده بالضبط.
ويقوم جهاز «تس» أيضاً بإعلام شركة المرفق الكهربائي متى يصبح المستهلك على استعداد لخفض الاستهلاك، وبأي سعر يرغب في زيادة مساهمته في الطاقة المتجددة في الشبكة، وعندما يتغير سعر الكهرباء، يقوم «تس» تلقائياً بتغيير مقدار الاستهلاك نيابة عن المستهلك بطريقة تقلل من التكلفة عليه وتزيد من إيراداته. ويتم تبادل كل تلك المعلومات عبر منصة قائمة على السحابة.
ومع هذا الجهاز، لا تحدد شركة المرفق الكهربائي سعر الكهرباء. فالسعر يعتمد فقط على العرض والطلب، يقول شاسين، مضيفاً: «التفكير هو أن هذا سيسمح للمرافق بتغيير وضع أعمالها بشكل جذري لتصبح أكثر تركيزاً على خدمة العلماء»، موضحاً أن المستهلكين الذين لديهم أجهزة «تس» في منازلهم يمكنهم أيضاً اختيار الحصول على دفعات أكبر مقابل الكهرباء التي ينتجونها والمساهمة في الشبكة ودفع أقل مقابل الكهرباء التي يستهلكونها.
ويضيف شاسين: «حقيقة أن النظام مؤتمتاً بالكامل ويستجيب لتغيرات الأسعار فوراً يجعله مختلفاً عن أي شيء آخر في السوق».
اختبار «تس»
وقد عمل المختبر في نشر أجهزة «تس» في أربعة منازل في بازلت كولورادو مع تعاونية المرفق الكهربائي «هولي كروس انيرجي»، وتلك المنازل الحديثة تم بناؤها من قبل «هابيتات فور هيومانتي» وشركاء محليين آخرين كجزء من مجمع سكني بأسعار كهرباء مقبولة خالٍ من الانبعاثات للمعملين والعاملين المحليين الآخرين. وتتمثل الخطة في اختبار النظام خلال موسم التدفئة الشتوي، عندما يصل استخدام الطاقة الى ذروته.
يرى الرئيس التنفيذي لشركة «هولي كورس انرجي» بريان هانغان «أن «تس» أو نهجاً مثله، يمكنه أن يساعد الشركة في الوصول إلى هدفها الطموح المتمثل في الحصول على إمدادات طاقة خالية من الكربون بنسبة 100% بحلول 2030، والحصول على صافي انبعاثات غاز الدفيئة أفضل، أو حتى صفر عبر المشروع بحلول 2035».
طاقة نظيفة متاحة للجميع
وتمثل الخطوة التالية في تطوير «تس» في نشر الأجهزة في عدة مئات من المنازل في ثلاثة مجتمعات ريفية، كجزء من برنامج «المجتمعات الموصولة» التابع لوزارة الطاقة بالشراكة مع المنظمة غير ربحية «بوست رود»، لمساعدة المجتمعات المحرومة في بناء بنية تحتية مستدامة لدعم إنترنت عالي السرعة وتحديث الشبكة الكهربائية.
وفي هذا السياق، يخطط باحثو «تس» لاختبار مدى جودة تخزين الطاقة في النظام لزيادة مرونته وموثوقيته، لا سيما في حالة الطوارئ.
وحول المشروع، يقول الرئيس والمسؤول العلمي الأول في منظمة «بوست رود»، سيث هودل: «عندما يتعلق الأمر بعدم المساواة فإننا نركز على المناطق الريفية، المناطق التي يمكن أن تشكل فيها تكاليف الطاقة نفقات كبيرة على الأسر، وبالنسبة إلى هؤلاء المستهلكين الريفيين الذين يعانون من نقص الخدمات، فإن تركيب «تس» في منازلهم سيجعل التحول من زيت الوقود أو الأجهزة التي تعمل بالبروبان إلى الأجهزة الكهربائية أكثر كفاءة. وسيستفيد الأشخاص الذين ينصبون في منازلهم أجهزة الطاقة المتجددة أكثر من انخفاض تكاليف الطاقة التي توفرها «تس»، والقدرة على بيع الطاقة الزائدة التي تنتجها الطاقة المتجددة إلى الشبكة».
وفوق ذلك، يؤكد هودل أن «تس» يكلف القليل نسبياً لأنه لا يتطلب بناء قدر كبير من البنية التحتية الجديدة، قائلاً: «يمكن أن يكون له فوائد مالية وتشغيلية عميقة حقاً، ونفس الفوائد المناخية مثل بناء محطة كبيرة للطاقة المتجددة».
بدوره، يؤكد شاسين: «ستتغير الأوضاع على حد ما بسرعة خلال السنوات العشر الى العشرين المقبلة، وستكون تقنيات مثل «تس» جزءاً من مجموعة حلول تغيير المناخ».
