نسجت المبادرات النوعية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ملامح المجتمع الإماراتي المعاصر إيماناً منه بأن معطياتها المؤثرة لها بالغ الأثر في تكوين الشخصية الإماراتية في كافة جوانبها الاجتماعية والفنية والأدبية التي هي نتاج لخبرات ومعرفة علمية تجمع كافة جوانب الحياة وعليها أن تقدم الرسالة التي تسهم في تنمية المخزون الإبداعي متعدد الجنسيات والمنفتح بانسجام على مختلف أشكال الإنتاج المجتمعي والذي يضيف إلى الحراك الثقافي المحلي أبعاداً إنسانية متناغمة للسلام والمحبة.

وثقت إيزابيل أبو الهول المديرة التنفيذية عضو مجلس أمناء مؤسسة الإمارات للآداب ومديرة مهرجان «طيران الإمارات للآداب» خلال 50 عاماً عشقاً أسطورياً لدبي.. تلك المدينة التي لم تشعرها بغربة المكان، هائمة روحها بين شوارعها وأزقتها تبتسم لرؤية الأطفال فرحين حين تجالسهم وفي يدها كتاب لقناعتها بأن الثقافة قيمة إنسانية لنهضة وطن واستشراف المستقبل، تتبادل أطباق اللقيمات مع الجارات خلال الأمسيات الرمضانية، وتخطت حدود الزمان والمكان عبر ضفاف الخور حيث نثرت حكاياتها المحفزة على الإبداع مصحوبة بأفكارها الأدبية المنفتحة على فضاءات متفرّدة وأنماط علاقات، ورؤية معجونة بالانتماء لهذا الوطن وثقافته عبر فضاءاتها المؤثرة وبصماتها الملهمة التي تُعبر عن الهُــوية، والكينونة، والوجود.

الكتاب شغف

وفي السياق تؤكد إيزابيل «أم منصور» التي تلقت تعليمها في مدينة «كامبريدج» في بريطانيا وقدمت إلى الإمارات برفقة زوجها عبدالله بالهول في عام 1968 أن الحديث عن ملامح الحياة الثقافية في الإمارات يستدعي، بلا شك، استحضار جهود الكثير من أبناء الوطن في ذلك الوقت من تجار واقتصاديين الذين سخّروا ثرواتهم وأموالهم في وضع قواعد معرفية من خلال بناء مدارس حديثة لتعليم أبناء المنطقة وتثقيفهم بعدما كان التعليم منحصراً فيها على التعليم التقليدي المطوع، وهو عمل لم يأت بمحض المصادفة، بل كان نتاج وعي وإدراك وبعد نظر، وبعد احتكاك وتواصل طويل وعميق.

وتقول: بدأت حياتي العملية في مجال التعليم في مدارس رياض الأطفال نتج عنه كذلك مساهمتي في تأسيس مدارس الاتحاد الخاصة بالقرب من خور الممزر، ودفعني شغفي الكبير بالكتب إلى تأسيس سلسلة مكتبات «المجرودي» العام 1975 كما أسست داراً لنشر كتب الأطفال باللغتين العربية والإنجليزية، وبدعم من مؤسسة «محمد بن راشد آل مكتوم» قدَّمت مبادرة «بستان القصص» ضمن خطة طموح لتطوير التعليم باللغة العربية، وتعزيز دور المطالعة في حياة الطفل.

رصيد معرفي

وتضيف إيزابيل إن الحركة الثقافية في الإمارات نمت برصيد معرفي كبير يدور في فلك العلوم الدينية واللغوية حيث وثقت الحياة المجتمعية في مختلف مناشطها، ومع استقرار العديد من أبناء الجاليات العربية والأجنبية كان هناك استعداد كبير وشغف للتعلم والاستفادة المتبادلة المستقاة من مفهوم التعددية، حيث ظهرت أجناس أدبية حديثة التناول والمعالجة في الإمارات آنذاك وهي القصة والرواية فحظيا باهتمام متزايد، وإن كان البعض يرجع نشأتهما إلى مرحلة الستينيات، أو القصة على وجه التحديد. وقد ظلت هذه الحركة في اطراد مستمر، وذات ملامح وسمات متجددة تحيل إلى طابع من الثراء والتنوع، ومواكبة جديد الثقافة على مستوى العالم.

الثقافة أولاً

وتعتقد إيزابيل أن القيم الاجتماعية العريقة والمنفتحة على كافة الثقافات كانت من أهم العوامل المؤثرة في النهضة الثقافية الإماراتية ووضع حجر أساس هذا الدرب الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أوصى أبناءه الإماراتيين بأن يهتموا بالتعليم كقيمة أساسية للعمران البشري، حيث قال إن أكبر استثمار للمال هو استثماره في بناء أجيال من المتعلمين والمثقفين وتحققت هذه المكاسب نظراً لأن عملية التغيير في الإمارات سارت بالتوازي عمرانياً وتعليمياً واقتصادياً واجتماعياً وقد نجح الإماراتيون في تحقيق هذه المعادلة الجامعة وحققوا على أرض الواقع إنجازات بمقاييس عالية حازت شهادات عالمية.

تنشئة اجتماعية

وترى إيزابيل أن مكونات الثقافة وملامحها في المجتمعات ليست علوماً أو معارف جاهزة يمكن للمجتمع أن يحصل عليها ويستوعبها في زمن قصير، ولكنها نتيجة لعملية تراكمية تنتقل من جيل إلى جيل عبر التنشئة الاجتماعية التي يكتسب خلالها الأطفال العديد من معارفهم والتي إلى حد كبير ذات صلة بالعائلة التي تفهمت أدوارها في المجتمع المحلي وخاصة المرأة الإماراتية التي جمعت بين قوة الشخصية والقدرة على إحداث التغيير، واستطاعت تطويع الثقافة القبلية لتستوعب المستجدات، وقد مثل الجمع بين الحفاظ على الموروث والتحرك بفاعلية نحو المستقبل أرضيةً صلبةً ودافعة للمرأة، على صعيد التعليم والعمل والتمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني.

بعد إيجابي

وحول إنجازات المرأة الإماراتية بشكل عام تؤكد إيزابيل أن الجميع في الداخل والخارج يرون البعد الإيجابي ودعم القيادة الرشيدة للمرأة الإماراتية التي سعت بعزم إلى تطوير قدراتها والاستفادة من الفرص المتاحة، فهذه عملية متوازنة بين الطرفين، رغم كافة التحديات الراهنة واستطاعت أن تنمي الحس القيادي والمجتمعي عند الأسرة، وأن تزرع القيم فيها، وهي مبتكرة منذ القدم؛ لأنها كانت تقضي حاجتها بنفسها، وتقف إلى جانب الرجل وفي غيابه تقوم بكل هذه الأشياء في ظل قسوة الحياة آنذاك، واليوم المرأة رابحة في ظل الدعم الحكومي العظيم، وهي اليوم حاضرة في مختلف المؤسسات.

دبي وطن

وتشير إيزابيل إلى أن الإمارات منحتها الكثير على الصعيد الاجتماعي والمهني فهي فخورة أنها أم لخمسة أبناء ناجحين ومتميزين إلى جانب الكثير من المساهمات والإنجازات الثقافية وأهمها تأسيس مهرجان طيران الإمارات للآداب في عام 2008، وإبّان انعقاد الدورة الخامسة لمهرجان «طيران الإمارات للآداب» عينني صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بمنصب رئيسة تنفيذية للمؤسسة وعضو مجلس أمنائها.

وتقول إيزابيل: في 2015 حصلتُ على لقب «سيدة الإنجاز» من قبل جوائز «Femina» الشرق الأوسط، إلى جانب تكريمي من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بلقب شخصية العام الثقافية في عام 2010، وتسلمت وسام الإمبراطورية البريطانية من قبل الملكة إليزابيث، ملكة بريطانيا العظمى، وفي 2012 حصلت على لقب «أيقونة الثقافة» لدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي 2013 حصلت على التقدير والاعتراف الرسمي بحملتي وجهودي الدؤوبة لمحو الأمية وغرس حب المطالعة وحب الكتاب في نفوس الأطفال، ونلت جائزة «الشخصية الثقافية المميزة» من مؤسسة «العويس الثقافية» في دورتها الـ21، وأيضاً جائزة «تايم آوت» للمساهمة المتميزة العام 2014، وفي نفس العام تم اختياري ضمن مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، وهي الجائزة الأهم التي تُمنح للروائيين العرب. وفي ما يتعلق بثقافة القراءة في المجتمع الإماراتي تشير إيزابيل إلى نجاح التجربة الإماراتية الرائدة في حشد الاهتمام المؤسسي والمجتمعي بالقراءة من خلال مئات المبادرات والمشروعات والبرامج والفعاليات القرائية في مختلف أنحاء الدولة.

روح التراث

تقول ايزابيل: كلما حل شهر رمضان حلت البركة والاطمئنان في قلوب الجميع لما فيه من روحانية تعمل على تصفية القلوب، كما أنه يأتي مصطحباً معه عادات وتقاليد تميزه عن بقية الأشهر وتختلف من مكان إلى آخر في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وثمة عواصم في العالم يرد اسمها كلما ذكر رمضان وفي مقدمتها الإمارات التي تكاد تنفرد بتقاليد مميزة عن مثيلاتها من الحواضر العربية والإسلامية في تعايش الناس مع شهر رمضان المبارك فيها، حيث يمارس أهلها عادات قديمة عريقة توارثوها عن أجدادهم تحكي روح التراث والأصالة والمحبة.