ربما أنجزت العداءة الأفغانية تاهمينا كويستاني الخطوة الأولى في حلم حياتها، ولكن ذلك لم يمنعها من البكاء عندما تخيلت ما ينتظرها من ردود الفعل بعد عودتها إلى بلادها صفر اليدين من دورة الألعاب الأولمبية.
ورغم خروج كويستاني صفر اليدين من تصفيات سباق 100 متر والتي أقيمت أول من أمس الجمعة مع بداية فعاليات ألعاب القوى في دورة الألعاب الأولمبية المقامة حاليا في لندن، فقد كانت العداءة الأفغانية من أكثر المشاركات لفتا للأنظار وجذبا لوسائل الإعلام.
وأبدت العداءة الأفغانية ترحيبا شديدا بالحديث إلى مختلف وسائل الإعلام، على عكس عدد من الرياضيات الأخريات بعد إخفاقهن في هذه التصفيات. وانسابت التصريحات من كويستاني باللغة الإنجليزية التي تجيدها، لكنها لم تستمر طويلا حتى اغرورقت عيناها وبدأت الدموع تنهمر، وسط تعاطف واضح من الحاضرين، سواء من ممثلي وسائل الإعلام أو من المتطوعين في المنطقة المختلطة التي يسمح فيها بالحديث إلى الرياضيين في المسابقات.
أدرك ما ينتظرني عند العودة
ولدى سؤالها عن السبب في البكاء، قالت مباشرة إنها تدرك ما ينتظرها عند العودة لبلادها، حيث تترقب العبارات الساخرة والتعليقات المسيئة لها ولفكرة مشاركة المرأة الأفغانية في المحافل الرياضية. وأضافت: "حتى قبل قدومي إلى لندن مباشرة، عانيت كثيرا من هذه الأوضاع.
في بلادي يرون مشاركة المرأة في المجال الرياضي، وخاصة على المستوى الدولي، أمراً خاطئاً". وأوضحت: "جئت إلى هنا من أجل التأكيد على أن مشاركة المرأة الأفغانية ليست فسقا ولا تجلب العار على العائلات أو على الفتيات اللاتي يمارسن الرياضة، ولكنني أدرك ما ينتظرني لدى عودتي". وأشارت كويستاني إلى أن مشاركتها لم تكن من أجل عشقها للرياضة فحسب، وليس لرغبتها في تحقيق إنجاز شخصي، بقدر ما هي رغبة في الارتقاء باسم بلدها وفتح المجال أمام أجيال جديدة من فتيات أفغانستان للمشاركة في المجال الرياضي وشق طريقهن إلى البطولات.
ولا يضم الوفد الأفغاني سوى ستة لاعبين، منهم خمسة لاعبين، ولاعبة واحدة هي كويستاني التي تحدت الصعاب بعد سنوات طويلة عانت فيها بلادها من الحروب واختارت الطريق الصعب وهو المشاركة في الأولمبياد رغم كل الاعتراضات على مشاركتها.
البداية 1936
وتعود أول مشاركة أفغانية في الدورات الأولمبية لعام 1936 ولكن هذه المشاركات انقطعت في الفترة ما بين 1980 و2004 في ظل سيطرة حركة طالبان على الحكم في هذا البلد الواقع وسط آسيا. ومع العودة إلى المشاركة في الدورات الأولمبية، اقتصرت المشاركة الأفغانية في الدورتين الماضيتين، أثينا 2004 وبكين 2008، على خمسة رياضيين في كل منهما.
واقتصرت المشاركة النسائية في أولمبياد لندن على العداءة كويستاني، لتصبح ثاني فتاة أفغانية تشارك في الدورات الأولمبية.
لكن سعادة كويستاني، التي تدرس بكلية التربية البدنية، بالمشاركة، توارت خلف شعورها بالقلق من الانتقادات الساخرة التي تنتظرها بعد عودتها إلى بلادها لإخفاقها في عبور التصفيات.
واحتلت كويستاني (23 عاما) المركز المركز التاسع الأخير في المجموعة الرابعة بالتصفيات التي خاضتها أمس، كما جاءت في المركز 32 الأخير بين جميع المتسابقات اللاتي شاركن في التصفيات، حيث قطعت مسافة السباق في 42ر14 ثانية، محطمة بذلك رقمها الشخصي.
وتروي كويستاني بعض الصعاب التي تواجهها لممارسة الرياضة في أفغانستان قائلة: "على سبيل المثال، أنتقل من منزلي إلى الملعب الذي تقام به التدريبات عبر ثلاث مراحل، كل منها في حافلة مختلفة"، مما يمثل جهدا مضاعفا عليها في ظل حرصها على التدريب يوميا. وتقول كويستاني: "لكن المشكلة الأساسية لا تكمن في هذا الجهد الكبير للذهاب إلى الاستاد، وإنما فيما بعد ذلك، لأن الاستاد الذي أتدرب به لا يتضمن مضمارا جيدا لأداء التدريبات عليه.. ليست هناك ملاعب في أفغانستان تقترب في مستواها من هذا الاستاد الذي تقام عليه منافسات الدورة الأولمبية".
تعليقات وسخرية وانتقادات
وأضافت: "المشكلة الأبرز تكمن في كم التعليقات الساخرة والانتقادات التي أتلقاها أحيانا وتتلقاها كل فتاة تحاول خوض التدريبات، حيث تنهال عليها التعليقات الساخرة من الرجال الموجودين في المدرجات، والذين يعتبرون ممارسة الفتيات للرياضة خطأ فادحا ونوعا من الفسوق". وأكدت كويستاني، والدموع تنهمر من عينيها، "سأستمر في ممارسة الرياضة تحت أي ظرف، ولن أسمح لهذه الأمور بإضعاف عزيمتي".
امنية
أكدت العداءة الأفغانية أنها كانت تتمنى العودة لعائلتها وبلادها بميدالية، ولكنها ما زالت قادرة على ذلك في المستقبل. وقبل حضورها إلى لندن ، كتب صحافي في أفغانستان: "ليس جيدا أن تتسابق الفتيات أمام الناس"، ولكن المساندة التي نالتها كويستاني عقب انتهاء السباق ربما تكون أبلغ رد على هذا التعليق.
أنا مسلمة
أنا مسلمة، وأرتدي زيا إسلاميا، ولا أمارس أي فسوق، ولا أشكل عارا على عائلتي التي تسعد للغاية بممارستي الرياضة، ويحفزونني باستمرار رغم أنهم ليسوا من الرياضيين". هكذا قالت كويستاني، وأضافت: "أمثل بلادي، وأقدر تماما احترام الآخرين لرغبتي في ارتداء الحجاب
والزي الذي يتناسب مع تعاليم الإسلام". وأوضحت: "لا أقول إنهم في بلادي على خطأ، ولكن ممارسة الرياضة النسائية ظلت لسنوات طويلة أمرا محظورا، وتحتاج إلى الوقت لتشق طريقها إلى حالتها الطبيعية". وأضافت: "مشاركتي في الأولمبياد قد تلعب دورا وتسهم في فتح الطريق أمام أجيال قادمة لممارسة الرياضة النسائية في أفغانستان".
