لم يعد الزواج أو الأمومة عائقاً أمام طموح المرأة في عالم الرياضة، بل أصبحت العديد من اللاعبات نموذجاً حياً لقدرة المرأة على تحقيق التوازن بين مسؤولياتها الأسرية ومسيرتها الاحترافية، فبين من واصلن المنافسة بعد الزواج، ومن فضّلن التفرغ لحياتهن الأسرية، تبرز قصص تلهم الأجيال القادمة، وتؤكد أن لكل طريق تحدياته.
تتقدم التونسية أنس جابر قائمة النماذج الملهمة، حيث استطاعت أن تجمع بين النجاح في حياتها الزوجية وتألقها في ملاعب التنس العالمية، مدعومةً بدعم زوجها الذي أصبح جزءاً من طاقمها التدريبي، وفي الإمارات، برهنت عائشة المهيري، لاعبة الرماية البارالمبية وأم لخمسة أبناء، أن الطموح لا يتوقف عند أي مرحلة من مراحل الحياة، حيث نجحت في التوفيق بين عملها وأسرتها، وتحقيق إنجازات دولية رفعت بها علم الإمارات.
وعلى الجانب الآخر، اختارت المصرية رنيم الوليلي، بطلة الإسكواش السابقة، أن تختم مسيرتها الاحترافية في قمة مجدها لتبدأ رحلة جديدة في عالم الأمومة، مؤكدة أن القرار جاء عن قناعة ورغبة شخصية في تكوين أسرة.
أما ندى حافظ، لاعبة المبارزة المصرية، فقد كتبت فصلاً استثنائياً في تاريخ الرياضة بعد مشاركتها في أولمبياد باريس وهي حامل، لتُثبت أن إرادة المرأة لا تعرف المستحيل، وبينما لا تزال في مرحلة استكشاف عالم الأمومة، يبقى قرار عودتها إلى المنافسات أمراً مؤجلاً حتى يحين الوقت المناسب.
هذه القصص وغيرها تعكس واقعاً متغيراً يعيد رسم صورة المرأة في الرياضة، حيث لم تعد الحياة الأسرية نهاية لطموحات البطلات، بل أصبحت فصلاً جديداً يُكتب بإرادة وتحدٍ، ويبقى القرار دائماً اختياراً شخصياً يُحدد مسار كل لاعبة وفقاً لأولوياتها وأحلامها.
تحدٍ
بين عملها في جمارك دبي ومسؤولياتها كأم لخمسة أبناء، تمكنت عائشة المهيري من تمثيل الإمارات في بطولات عالمية، لتُثبت أن الأسرة والرياضة يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب، وقالت عائشة المهيري: «أنا لاعبة رماية منذ عام 2019، وأعمل في جمارك دبي منذ عام 1999.
كما أمتلك مشروعاً منزلياً منذ عام 2017، وتأهلت إلى دورة الألعاب البارالمبية مرتين، في طوكيو 2020 وباريس 2024، حالياً، أستعد مع المنتخب للمشاركة في كأس العالم بكوريا، ونسعى للتحضير لدورة آسياد آسيا 2026.
بالإضافة إلى العمل على التأهل لبارالمبياد لوس أنجلوس 2028، وأعتبر أن أكبر تحدٍ بالنسبة لي هو محاولة التوفيق بين العمل والأسرة والرياضة».
وأضافت: «لم يكن التوفيق سهلاً بين الاستمرار في ممارسة الرياضة وحياتي الأسرية، لكن مساندة أهلي، وخصوصاً والدتي وأخواتي في بداية مشواري، كانت السبب الرئيس في نجاحي، أما الآن، فأبنائي هم أكبر المشجعين والداعمين لي لمواصلة مسيرتي الرياضية وتحقيق المزيد من الإنجازات».
وعن أبرز التحديات التي واجهتها، قالت: «أبرز تحدٍّ كان توفير الوقت لكل جانب من حياتي، وهو أمر صعب للغاية، خصوصاً عندما كان أطفالي صغاراً ويحتاجون إلى رعاية واهتمام دائم» ،معترفة بأنها فكرت في الاعتزال.
وأردفت: «الاستمرار في الرياضة يتطلب الكثير من التضحيات، لكن ولله الحمد، حققت ما أتمناه ورفعت علم الإمارات في المحافل الدولية والعالمية، وهذا هو أكبر إنجاز أفتخر به، ما كان يتحقق لولا الدعم العائلي الذي كان ولا يزال أحد أهم عوامل استمراري، في البداية.
كان أهلي هم السند الأساسي، والآن أبنائي هم الذين يمنحونني الحافز والدافع لتحقيق المزيد من النجاحات، ما يجعلني أكثر تصميماً على مواصلة مسيرتي الرياضية».
واختتمت: «أنصح كل امرأة بأن تحقق كل ما تتمناه؛ وهي في زهرة عمرها، وأن تقدم خدمة لوطنها وتترك بصمة مشرفة لبلادها، وبعد تحقيق الإنجازات، يمكنها أن تأخذ قسطًا من الراحة وتستمتع بحياتها مع أبنائها وأحفادها، وهي فخورة بما قدمته لوطنها».
استقرار
ورغم زواجها في بداية مشوارها الرياضي، استطاعت أنس جابر أن تحقق نجاحات عالمية في التنس، مستفيدةً من دعم زوجها الذي أصبح جزءاً من فريقها التدريبي.
وقالت جابر: «أعتبر حياتي الزوجية موفقة جداً، لأن زوجي يحرص دائماً على تشجيعي وتحفيزي، ويدعمني في جميع مشاركاتي بأي بطولة، لقد تزوجت في بداية مشواري الرياضي الاحترافي عندما كنت لا أزال شابة صغيرة، وكان هذا الأمر مفيداً لي، الزواج مسألة كبيرة ومصيرية.
ومن المهم اختيار الشخص المناسب الذي يهتم بك ويشجعك على تحقيق أحلامك، بالتأكيد، الزواج من شخص رياضي يختلف تماماً عن الزواج من شخص من مجال آخر، فكون زوجي رياضياً ساعدني دائماً على البقاء في المقدمة، خصوصاً أنه متحمس لمسيرتي، وهذا ما يجعلني أكثر حماساً».
وعن اختيارها زوجها ليكون ضمن طاقمها التدريبي، قالت: «اختياري لزوجي ليكون مدرب اللياقة البدنية الخاص بي جاء بعد الزواج ولم يكن أمراً مخططاً له، زوجي، كان لاعباً سابقاً في المبارزة، يعمل في الأصل كمدرب لياقة بدنية، وقرار تعيينه ضمن طاقمي الفني كان صائباً، من الطبيعي أنني لن أجد مدرباً آخر سيكون أكثر حرصاً منه على تدريبي وتجهيزي بالشكل المثالي من الناحية البدنية، مؤكدة:
«أفضل نتائجي في عالم الكرة الصفراء حققتها بعد أن شكّلنا معاً ثنائياً متكاملاً، فقد كان زوجي دائم الحرص على تحسين مستوى لياقتي البدنية، التي تعد أحد أسرار نجاح أي لاعب، خصوصاً في الألعاب الفردية مثل التنس».
واختتمت البطلة التونسية: «لا أرى أن الزواج عائق أمام التألق الرياضي، فاللاعبة يمكنها الحفاظ على شغفها وطموحها حتى بعد الزواج، من ترغب في الزواج وتكوين أسرة، فهذا اختيار شخصي، لكن لا أنكر أن له تأثيراً قد يكون سلبياً على المسيرة الرياضية إذا لم تتمكن اللاعبة من تحقيق التوازن بين الجانبين».
قرار تدريجي
واختارت المصرية رنيم الوليلي إنهاء مسيرتها الاحترافية في قمة مجدها، بعد أن فضّلت التفرغ لحياتها الأسرية، مؤكدة أن الاعتزال جاء بقرار تدريجي نابع من قناعتها الشخصية.
وقالت: «اعتزلت في عام 2020 وأنا في قمة مسيرتي الرياضية، خلال مشواري، حققت العديد من الإنجازات، أبرزها تصدري التصنيف العالمي للإسكواش، ولم يكن قرار الاعتزال مفاجئاً، بل جاء تدريجياً؛ فمنذ ارتباطي بزوجي، كان لدينا هدف مشترك أن أبدأ حياة الأمومة في سن الثلاثين، بعد أن أكون قضيت وقتاً كافياً في الإسكواش.
وحققت ما أطمح إليه، وبالفعل، اعتزلت في سن الـ31، وكان السبب الأساسي تأخر الحمل، وعندما تحقق الحمل، شعرت بفرحة كبيرة غطّت على أي حزن قد ينتج عن الاعتزال، خصوصاً أن فترة الاعتزال تزامنت مع جائحة كورونا التي أوقفت النشاط الرياضي، ما جعل الابتعاد عن الرياضة أسهل نفسياً».
ومضت: «كل مرحلة في الحياة لها تحدياتها، لم أكن من الشخصيات التي تجيد التعامل مع الأطفال، ولم أكن قريبة من الأطفال في حياتي، لذلك كانت بداية الأمومة صعبة للغاية، خصوصاً مع طفلي الأول، لم أكن أفهم سبب بكائه المستمر، وكان من الصعب عليّ التأقلم مع التغيرات الجديدة مثل قلة الوقت والروتين اليومي، سواء في إطعام الطفل أو العناية به.
ومع ذلك، فإن اللحظات الجميلة التي يمنحها الأطفال تُنسيكِ تلك الصعوبات، ورغم الروتين القاتل، فإن مشاعر الأمومة تمنح الحياة طعماً خاصاً، وبعد إنجاب طفلي الثاني، شعرت بزيادة الحمل والمسؤولية، خصوصاً مع الحرص على مراعاة مشاعر الطفل الأول، لكن بمرور الوقت بدأت أتعامل بشكل أفضل مع هذه المرحلة».
واعترفت: «بصراحة، لا أشتاق إلى المنافسة نفسها لأنها كانت تحمل الكثير من التوتر والضغط العصبي، لكنني أفتقد الأوقات الجميلة التي عشتها مع أسرة الإسكواش، بحكم أن مجتمع الإسكواش صغير مقارنة برياضات أخرى، كنا نسافر كثيراً معاً وأصبح اللاعبون جزءاً من حياتي.
وهذا هو الجزء الذي أشتاق إليه، في بداية اعتزالي، كنت مصممة ألا أعود إلى الإسكواش لا كلاعبة ولا كمدربة، لكن مع الوقت وجدت أنني أفتقد اللعبة، لذلك ما زلت أمارسها على فترات، سواء بشكل خفيف أو مكثف حسب وقتي المتاح، أما بالنسبة للتدريب أو الأدوار الإدارية، فحتى الآن لم أفكر في الأمر بشكل جدي، وربما يتغير الوضع عندما يكبر أطفالي قليلاً».
وعن تأثير الزواج والأمومة على مسيرة اللاعبات المحترفات قالت: «أنا بطبيعتي لا أستطيع القيام بأكثر من شيء في نفس الوقت وأمنح كل شيء حقه الكامل، أحب أن أركز في شيء واحد وأعطيه 100 % من مجهودي، لذلك لم أكن أستطيع أن أكون أمًّا ولاعبة محترفة في نفس الوقت، صحيح أنه يمكنني أن أمارس الإسكواش كهواية أو في بطولات محلية من باب المتعة.
لكن الاحتراف يتطلب تدريبات مكثفة، نظام نوم وأكل معينين، وهذا صعب جداً في ظل مسؤوليات الأمومة، أرى أن أي امرأة قادرة على تحقيق هذا التوازن تُعد بطلة حقيقية، مثل لاعبة الإسكواش نور الطيب التي استطاعت العودة للعب بعد الإنجاب، وأحييها على المجهود الذي بذلته لتحقيق هذا الإنجاز».
وعن النصيحة التي تقدمها للاعبات اللاتي يفكرن في الاعتزال من أجل الأسرة، قالت رنيم الوليلي: «لا يمكنني أن أقدم نصيحة موحدة، فكل شخص لديه طريقته الخاصة، على سبيل المثال، زميلتي نور الطيب قررت الإنجاب أثناء احترافها.
وعادت للمنافسة قبل إنجاب طفلها الثاني، أما أنا فقد اخترت أن أنهي مسيرتي في الإسكواش بالتزامن مع بدء حياة الأمومة، في النهاية، كل شخص يعرف قدراته وما يناسب ظروفه.
لكن النصيحة التي أوجهها لكل امرأة، سواء كانت رياضية أو لا، أن قرار الإنجاب يجب أن يكون نابعاً من رغبتها الشخصية وليس استجابة لضغط المجتمع أو الالتزام بالعادات والتقاليد، فالزوجة تتحمل العبء الأكبر في تربية الأطفال مهما قدم الزوج من دعم ومساعدة، لذلك يجب أن تتأكد من أنها مستعدة نفسياً لهذه المسؤولية قبل اتخاذ القرار».
عودة مفتوحة
وسَطّرت المصرية ندى حافظ اسمها في تاريخ الرياضة بمشاركتها في أولمبياد باريس 2024 وهي حامل، واليوم، بين دراستها للطب ورعاية ابنتها، تترك قرار العودة إلى المبارزة مفتوحاً حتى يحين الوقت المناسب.
وقالت: «تجربة المشاركة في الأولمبياد أثناء الحمل كانت استثنائية جداً، بداخلي كان هناك مزيج من المشاعر؛ شعور بالفخر والإصرار والفرحة في نفس الوقت، كنت أشعر أن لدي قوة مضاعفة، ليس فقط لأنني أشارك في أكبر محفل رياضي عالمي، ولكن أيضاً لأنني أحقق ذلك وأنا حامل، وأكبر التحديات التي واجهتها كانت الحفاظ على لياقتي البدنية والذهنية في الوقت نفسه.
كان من الضروري أن أبقى في حالة بدنية جيدة رغم أنني في الشهر السابع، وفي الوقت ذاته، كان عليّ أن أحافظ على استقراري الذهني وألا أسمح لفكرة أن الحمل قد يكون سبباً للخسارة».
وأضافت: «حتى الآن، لا أملك خططاً محددة بخصوص الرياضة، ولم أقرر بعد إذا كنت سأكمل مسيرتي أم لا، أفضل أن أمنح نفسي الوقت الكافي قبل اتخاذ القرار».
وحالياً، أقضي معظم وقتي مع ابنتي، أكتشف معها عالم الأمومة وأحاول أن أكون أماً جيدة، وهذا أمر ليس سهلاً على الإطلاق، بالإضافة إلى ذلك، أتابع دراستي للحصول على درجة الماجستير في الطب، فأقضي وقتي بين الدراسة والعناية بطفلتي.
وعن نظرتها للرياضة بعد الأمومة، قالت: «بالتأكيد، الأمومة غيّرت نظرتي إلى الرياضة، بعد أن أنجبت ابنتي، أصبحت أكثر وعياً بأهمية دعم الفتيات في الرياضة، خصوصاً أنني أنجبت بنتاً ولا أريد أن تواجه أي تمييز لمجرد كونها فتاة، مررت ببعض التحديات أثناء مسيرتي، والآن أشعر أن لدي مسؤولية أكبر في أن أساهم في تغيير هذه النظرة وتشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة».
واستمرت: «هناك العديد من الخطوات التي أحتاج إلى القيام بها إذا قررت العودة، في المقام الأول، يجب أن أستعيد لياقتي البدنية بعد فترة الابتعاد عن الرياضة، ورغم أنني لم أكتسب وزناً زائداً كبيراً بعد الولادة.
إلا أن العودة إلى مستواي السابق تتطلب الكثير من العمل، إلى جانب اللياقة البدنية، الجانب الذهني مهم جداً، فالعودة بعد فترة انقطاع طويلة تحتاج إلى استعداد نفسي قوي، لكن أهم عنصر هو استعادة مستوى اللياقة البدنية والقدرة على التحمل».
وختاماً قالت ندى حافظ: «أرى دائماً أن الأمومة جزء طبيعي من حياتنا، فقد خلقنا الله لنُعمّر الأرض وننجب أطفالاً، صحيح أن الرياضة والعمل مهمان.
لكن لا يجب أن يكون أحدهما سبباً في التخلي عن الآخر، نحن كنساء نمتلك قدرة كبيرة على التحمل، ونستطيع تحقيق أكثر من هدف في الوقت نفسه، لذلك، لا ينبغي أن نخشى من أن الأمومة ستُعيقنا، عندما نرى نماذج ناجحة من الأمهات اللاتي استطعن تحقيق التوازن بين الحياة الأسرية والرياضة، نتأكد أن الأمر ممكن وأنه لا شيء مستحيل.