من حصة نشاط مدرسي في الصف الأول، بدأت أحلام راشد، لاعبة نادي دبي للشطرنج والثقافة، حكايتها مع اللعبة، حين وجدت في مربعات الشطرنج فضاءً يجمع بين الشغف والتحدي، ويوقظ فيها روح الفضول والرغبة في التعلم..

لم تكن تدرك حينها أن تلك الخطوة ستقودها إلى مسيرة حافلة بالألقاب، وأنها ستقف يوماً ما على منصات التتويج ممثلة لوطننا الإمارات.

اليوم.. تواصل أحلام رحلتها بثبات، بوصفها أول إماراتية تحقق لقب الأستاذة الدولية (WIM) في الفئات السنية، وواحدة من أبرز المواهب الصاعدة على ساحة الشطرنج الإماراتي، بعد أن رسمت لنفسها مساراً مميزاً، وخطت خطوات واثقة نحو تحقيق طموحات أكبر في المستقبل.

وكان أحدث إنجازاتها فوزها بالميدالية الفضية في بطولة العرب تحت 20 سنة، التي أقيمت منذ أيام في المغرب، ضمن منافسات الفئات السنية، حيث قدمت أداءً قوياً توجها بالمركز الثاني.

وعن هذه المشاركة، قالت أحلام لـ«البيان»: «كان هدفي هو المركز الأول، لكن أيضاً المركز الثاني يعد نتيجة جيدة، خصوصاً في ظل قوة المنافسة.. وعدت نفسي أن أحقق الذهب في النسخة المقبلة، وهذه الميدالية منحتني دافعاً إضافياً وتحفيزاً كبيراً للاستمرار والتطور».

كانت البداية في سن السابعة، حين اختارت أحلام الشطرنج ضمن الأنشطة اللا صفية في مدرستها، بإلهام وتشجيع من والدتها.. ولم تتخيل أن اللعبة ستصبح شغفاً ومسار حياة، ولاحظت لاحقاً إحدى المدربات الزائرات مهاراتها، ووجهت لها دعوة للانضمام إلى نادي دبي للشطرنج والثقافة، وهناك بدأت مرحلة جديدة من التكوين الفني والذهني.

وتذكرت أحلام تلك المرحلة الأولى من مشوارها، قائلة لـ «البيان»: «أول بطولة رسمية شاركت فيها كانت بطولة دبي للناشئين عام 2014، وكان عمري وقتها 8 سنوات.. ومنذ ذلك الحين، أدركت أن هذه اللعبة ستكون جزءاً كبيراً من مستقبلي».

رغم مشاركاتها المتعددة، إلا أن عام 2024 مثل نقطة التحول الأهم في مشوار أحلام مع الشطرنج، حين فازت بذهبية البطولة العربية تحت 18 سنة في تونس، محققة المركز الأول بـ 7.5 نقاط، لتمنح مباشرة لقب WIM أستاذة دولية، وفق لوائح الاتحادين العربي والدولي.

وعن تلك اللحظة، قالت أحلام: «لم أكن أعلم أن الفوز بالمركز الأول يمنحني اللقب، كانت مفاجأة رائعة، ومن أجمل اللحظات التي عشتها.. بعدها زادت طموحاتي، وأصبحت أرى الشطرنج بشكل مختلف، وهدفي الآن هو لقب WGM أستاذة دولية كبيرة، والتأهل للبطولات العالمية».

وكحال كثير من الرياضيات الشابات، واجهت أحلام تحديات في الموازنة بين الدراسة والتدريب، لكنها تعلمت مع الوقت كيف تدير وقتها وتحدد أولوياتها، قائلة: «الدراسة أولوية، والشطرنج شغفي وطموحي.. ومع الدعم الأسري وتفهم النادي لاحتياجاتي، تمكنت من تحقيق التوازن بين الجانبين».

دعم النادي

تلعب الأندية دوراً محورياً في صقل المواهب، وهو ما أكدته أحلام عن تجربتها في نادي دبي للشطرنج والثقافة، حيث وجدت بيئة حاضنة للنمو والتطور، وقالت:

«النادي دعمني فنياً ومادياً، واهتم بمستواي الدراسي، وشاركت من خلاله في بطولات ومعسكرات خارجية كثيرة.. من دون هذا الدعم، لم أكن لأحقق ما وصلت إليه اليوم».

وفي تقييمها لمشهد الشطرنج في الإمارات، ترى أحلام أن الاهتمام الحالي يتركز على فئة الناشئين، وهو توجه إيجابي، لكنه يحتاج إلى دعم مستدام لجميع الفئات، مضيفة: «نحتاج إلى معسكرات منتظمة، ومدربين متميزين للأطفال منذ سن مبكرة.

بالإضافة إلى اكتشاف المواهب من خلال البطولات.. وعلى مستوى الكبار، يجب توفير مباريات ودية ومدربين محترفين لتمثيل الدولة بأفضل صورة».

أشارت أحلام إلى أن الشطرنج الخاطف هو الأقرب إلى قلبها، لما يتطلبه من سرعة بديهة وتركيز عالٍ تحت الضغط، قائلة: «الخاطف ممتع وسريع، ويعتمد على سرعة البديهة واتخاذ القرار في وقت قصير.. كان هو نمطي المفضل دائماً، رغم أن تصنيفي الحالي في الكلاسيك أعلى، لأنه يعكس مستواي الحقيقي بشكل أكبر».

وتحرص أحلام على المشاركة في مختلف أنماط وفئات الشطرنج، بهدف توسيع خبراتها ومراكمة التجارب في مواجهات متنوعة، وهو ما انعكس على سجلها الحافل في السنوات الأخيرة..

فبحلول عام 2025، أضافت إلى رصيدها سلسلة من الإنجازات اللافتة، من بينها فضية بطولة العرب تحت 20 سنة، وفضية بطولة آسيا المفتوحة (الشطرنج الخاطف – فئة السيدات)، وفضية بطولة الإمارات للسيدات، وبرونزية بطولة آسيا للهواة، إلى جانب ذهبية دورة الألعاب العربية 2023 ضمن منافسات الفرق.

هذه الحصيلة المتنوعة تعكس استقرارها الفني وتطورها المستمر، وتضعها ضمن أبرز الأسماء النسائية في الشطرنج الإماراتي على المستويين المحلي والقاري.

واختتمت أحلام حديثها برسالة تحمل الإصرار والطموح: «ما حققته مجرد بداية.. أملي أن أرفع علم الإمارات في بطولات عالمية كبرى، وأن أكون قدوة لكل فتاة إماراتية تؤمن بقدرتها على التميز في أي مجال تختاره».