بروح قتالية وطموح لا يعرف المستحيل، تواصل فتيات الإمارات رسم ملامح مرحلة جديدة في رياضة الجوجيتسو، عنوانها التميز والتحدي على الساحة القارية والدولية، وفي بطولة آسيا التي أقيمت أخيراً في العاصمة الأردنية عمان، كانت مريم آل علي والعنود الحربي من أبرز الوجوه التي خطفت الأنظار، بعدما توجتا بذهبية وفضية في وزنيهما، لتضيفا إنجازاً جديداً إلى سجل الرياضة النسائية الإماراتية.
وخلف الميداليات، تقف حكايات بدأت من المدارس، وتشكلت بتفاصيل من التعب والإصرار والدعم الأسري، وامتدت إلى لحظات التتويج، مروراً بتحديات الوزن، وضغط النزالات، وشغف التمثيل المشرف للوطن، وفي هذا التقرير، تسلط «البيان» الضوء على تجربتي البطلتين، من أولى الخطوات وحتى الوصول إلى منصات التتويج.
من المدرسة إلى القمة
في عمر التاسعة عشرة، تقف مريم آل علي بثقة على منصات التتويج، وهي تحمل في رصيدها بطولتي عالم، وذهب آسيا الأخير، دون أن تنسى تفاصيل البداية التي انطلقت من قاعة دراسية بسيطة، وبدعم خاص من مدربتها ماريا ريبيرو، التي رأت فيها ما لم تكن تراه لنفسها.
وتنتمي مريم إلى نادي بني ياس، وتمثل المنتخب الوطني الإماراتي في فئة تحت 21 عاماً، وحصدت ذهبية وزن 45 كجم في بطولة آسيا التي استضافتها العاصمة الأردنية عمان، بعد رحلة شاقة كان عنوانها الدقة والانضباط، لا سيما في مسألة تثبيت الوزن، التي وصفتها بأنها كانت أصعب محطات البطولة.
وفي تصريحات لـ«البيان»، قالت مريم: «كانت مرحلة تثبيت الوزن مرهقة للغاية، لكن بفضل نظام غذائي صارم ونمط حياة صحي، تمكنت من تجاوزها.. الحمد لله، كان التعب مجدياً في النهاية، وتمكنت من إحراز الميدالية الذهبية ورفع علم بلادي».
وعن أسلوبها في القتال، أشارت إلى أن ما يميزها هو المزج بين السرعة والحزم في الأداء، وهي تركيبة تمنحها تفوقاً في العديد من النزالات، مضيفة: «أؤمن أن العمل المستمر هو الطريق الحقيقي للنجاح.. كل بطولة تمثل فرصة جديدة لأمثل نفسي وبلادي والنادي الذي أنتمي إليه».
وعلى الرغم من ارتباطها الكامل برياضة الجوجيتسو اليوم، أكدت مريم أنها لم تتوقع يوماً أن تسلك المسار الرياضي، وكانت ترى نفسها بعيدة تماماً عن عالم الفنون القتالية، لولا الفرصة الأولى التي قادتها إلى اكتشاف شغفها الحقيقي وغيرت مجرى حياتها.
واختتمت مريم حديثها برسالة تعبر عن قناعتها في المنافسة، قائلة: «الثقة بالنفس والتركيز هما سلاحي الحقيقي.. أذكر نفسي دائماً بأنني قوية، وأنه لا شيء يصعب تحقيقه ما دمت أؤمن بالله وأسعى بكل طاقتي».
تركيز وحضور وتتنقل بثبات
في كل بطولة تخوضها، تكتب العنود الحربي فصلاً جديداً في مسيرتها الرياضية.. لاعبة نادي بني ياس، البالغة من العمر 18 عاماً، تجمع بين التركيز الذهني والحضور البدني، وتتنقل بثبات بين فئات الوزن المختلفة، محافظة على تألقها في ساحة الجوجيتسو.
وسطرت العنود اسمها بين أبرز الأسماء الصاعدة في رياضة الجوجيتسو، متنقلة من منصات التتويج الآسيوية إلى صالات المنافسة العالمية، بحصيلة ميداليات تشمل ذهبية آسيا 2024، وفضية آسيا 2025، ولقب بطلة العالم مرتين، إلى جانب جائزة أفضل لاعبة إماراتية تحت 18 سنة، في سجل يعكس موهبة نادرة وخطوات مدروسة نحو القمة.
وفي تصريحات لـ«البيان»، أوضحت العنود أن بدايتها مع الجوجيتسو جاءت من خلال المدرسة، لكنها لم تكن لتستمر لولا دعم والدها، الذي كان الدافع الأول الحقيقي لمسيرتها، قائلة: «والدي هو من شجعني منذ اللحظة الأولى، وساندني معنوياً ومادياً في كل خطوة.. بفضله وصلت إلى ما أنا عليه اليوم».
وعن مشاركتها الأخيرة في بطولة آسيا للجوجيتسو 2025 التي أقيمت في العاصمة الأردنية، قالت: «كانت اختباراً صعباً لي في فئة وزن جديدة، لكنني راضية عن الأداء.. أصعب نزال كان في نصف النهائي أمام لاعبة تملك أسلوباً هجومياً قوياً، وتمكنت من تجاوزه بثقة وخطة واضحة، وهدفي الآن الحفاظ على مستواي في فئة 48 كجم، والتحضير الجيد للمشاركة في بطولة العالم المقبلة للجوجيتسو، التي ستقام في أبوظبي خلال الفترة من 20 إلى 22 نوفمبر، حيث أطمح للحفاظ على لقبي».
وترى العنود أن رياضة الجوجيتسو النسائية في الإمارات تسير في الطريق الصحيح، لكنها شددت على أهمية التوسع في المعسكرات الخارجية والاحتكاك بمدارس عالمية مختلفة، خصوصاً من أمريكا الجنوبية وأوروبا، وهو ما تعتبره مفتاحاً للارتقاء إلى المستوى الدولي.
وعن اهتماماتها خارج البساط، أوضحت العنود أنها تميل إلى مجالي التعليم أو الطب الرياضي، مشيرة إلى أن القيم التي غرستها فيها الرياضة، مثل الصبر والانضباط والعمل الجماعي، يمكن أن تثمر أيضاً في ميادين أخرى تسهم في خدمة المجتمع وتطويره.
واختتمت العنود حديثها بالإشارة إلى طقس يومي تحرص عليه قبل كل بطولة، حيث تبدأ يومها بشرب الماء الدافئ، وتمارس بعض تمارين التنفس التي تساعدها على التهدئة والتركيز، ثم تراجع مع مدربتها مارينا ريبيرو خطة المواجهة، قائلة: «التحضير الذهني هو سلاحي الأساسي، وهو ما يصنع الفارق في اللحظات الحاسمة».
