قوبلت الزيادة المفرطة وغير المسبوقة في أسعار تذاكر مباريات كأس العالم 2026 بسخطٍ بالغ وتنديد واسع النطاق من قِبل مشجعي كرة القدم حول العالم، ولكن في مفارقة مثيرة، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يوم الجمعة عن تلقيه 5 ملايين طلب للحصول على تذاكر في أول 24 ساعة من المرحلة الثالثة للمبيعات، مؤكداً أن الطلب من أكثر من 200 دولة وصل إلى "مستويات استثنائية" بعد إعلان مباريات البطولة المقامة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
هذه المفارقة تضع "فيفا" في مواجهة مباشرة مع رابطة مشجعي كرة القدم الأوروبية التي وصفت نهج "فيفا" في التسعير بأنه "خيانة عظمى" لتقاليد الجماهير.
وتشير التقديرات الأولية للرابطة إلى أن المشجع الذي يخطط لحضور جميع المباريات، من الافتتاح حتى المباراة النهائية، سيضطر لدفع مبلغ يتجاوز 7,000 دولار (6,900 يورو أو 8,098 دولاراً)، وهو ما يمثل تقريباً خمسة أضعاف التكلفة الإجمالية التي تحملها المشجعون لحضور المباريات في نهائيات كأس العالم الأخيرة في قطر 2022.
يعود السبب الجوهري وراء هذا الارتفاع الصاروخي إلى تبني "فيفا" استراتيجية "التسعير المتغير" (Dynamic Pricing) لأول مرة في بطولة كأس العالم، وهي سياسة ديناميكية تسمح بتعديل الأسعار باستمرار بناءً على الطلب المتوقع لكل مباراة، خلافاً لنظام التكلفة الثابتة.
هذا التوجه الجديد يتجاهل الوعد الذي تضمنه ملف استضافة البطولة عام 2018، والذي كان يهدف إلى توفير مئات الآلاف من المقاعد بأسعار تبدأ من 21 دولاراً.
ورغم الانتقادات الحادة، دافع متحدث باسم "فيفا" عن هذا النموذج، مصرحاً بأن التسعير يعكس "الممارسة السوقية القائمة للأحداث الترفيهية والرياضية الرئيسية" في أمريكا الشمالية. وتكشف الأرقام المحدثة عن تفاوتاً كبيراً في التكاليف، حيث رُفعت بعض أسعار تذاكر الفئة الأولى لمباريات دور المجموعات الجاذبة إلى 700 دولار، بينما تتراوح الأسعار عموماً في هذا الدور بين 180 دولاراً و2735 دولاراً.
أما الصدمة الكبرى فكانت في سعر تذكرة المباراة النهائية المقررة في نيوجيرسي، حيث وصل سعرها للمستوى الأعلى إلى 8,680 دولاراً الآن، متجاوزة بكثير سعرها الأصلي المعلن في أكتوبر.
تجاوز رد فعل الجماهير مجرد الاحتجاجات اللفظية ليتحول إلى دعوات للتدخل الرسمي والقضائي. فقد وصفت منظمة المشجعين الأوروبية (FSE) الأسعار بأنها "باهظة" وطالبت "فيفا" بوقف مبيعات التذاكر عبر الاتحادات الوطنية فوراً، مؤكدة على ضرورة إيجاد حل يحترم "العالمية والأهمية الثقافية لكأس العالم".
وفي هذا السياق، وصفت مجموعة مشجعي إنجلترا "فري ليونز" الأسعار بأنها "صادمة، وتتجاوز التكاليف العالية المتوقعة"، بينما دعت جمعية أندية "تارتان آرمي" الاسكتلندية اتحادها الوطني إلى "محاسبة الفيفا"، مشيرة إلى أن هذا التسعير "سيؤدي إلى استبعاد العديد من مشجعينا من الناحية المادية... وقتل حلم المشجعين الشباب".
وتستعد اتحادات وطنية، مثل الاتحاد الإنجليزي، لإيصال استياء مشجعيها إلى "فيفا"، على الرغم من ضعف الأمل في تغيير القرارات، لا سيما مع مشاركة سبعة منتخبات عربية في البطولة مما يزيد من عدد المشجعين المتأثرين.
بالرغم من هذا السخط، فإن تحليل الطلب في المرحلة الثالثة، التي تستمر حتى 13 يناير 2026 بنظام "سحب الاختيار العشوائي"، أظهر أن الدول المضيفة الثلاث تصدرت الطلب، تليها دول من الأمريكتين وأوروبا.
وتضمنت قائمة الدول العشر الأكثر طلباً: كولومبيا، إنجلترا، الإكوادور، البرازيل، الأرجنتين، اسكتلندا، ألمانيا، أستراليا، فرنسا، وبنما. وقد حظيت مواجهة كولومبيا والبرتغال (بقيادة رونالدو) في ميامي بأكبر عدد من طلبات التذاكر في أول 24 ساعة.
هذه الأرقام تضع الأسعار الحالية في سياق تاريخي صادم؛ ففي آخر مرة استضافت فيها الولايات المتحدة كأس العالم عام 1994، تراوحت أسعار التذاكر بين 25 و475 دولاراً فقط.
وتتفاقم الانتقادات الموجهة للاتحاد الدولي بسبب تعزيز أرباحه عبر منصة إعادة البيع الرسمية، حيث يحصل على عمولة بنسبة 30% على جميع التذاكر المباعة، رغم إعلانه أنه كـ "منظمة غير ربحية" يعيد استثمار الإيرادات في نمو كرة القدم العالمية، وهو تبرير لا يقنع المشجعين الذين يرون أن أحلامهم في حضور البطولة قد قُتلت بأسعار غير مسبوقة.
تتشابك أزمة التسعير مع العوامل الجغرافية والاقتصادية للبطولة، فإقامة كأس العالم 2026 في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) تفرض بالفعل تكاليف سفر وإقامة أعلى بكثير مما كانت عليه في قطر 2022، مما يضاعف العبء المالي على المشجع الدولي.
وعندما يُضاف إلى ذلك تطبيق سياسة التسعير الديناميكي التي تضمن استغلال كل طلب متزايد لرفع السعر، يصبح المشجع أمام تحدٍ مزدوج: تكلفة الموقع الجغرافي المرتفعة، واستغلال السوق المفرط من قبل "فيفا".
ورغم أن الاتحاد الدولي أشار إلى أن موقفه لا يتراجع تجاه الأسعار الجديدة، فإن الضغط المتصاعد من الاتحادات الوطنية والجماهير قد يضطره إلى تقديم بعض التنازلات لإنقاذ ما تبقى من وعده بـ "عالمية" اللعبة."
