قبل سنوات، كانت كرة القدم تدار بأساليب تقليدية، تعتمد على الخبرة والرؤية الميدانية، وكانت أدوات التدريب والتحليل محدودة.. أما اليوم، فقد تغير المشهد تماماً، أصبحت اللعبة منظومة علمية متكاملة، تقاس فيها كل تمريرة.

وتحلل كل حركة، وتراقب فيها الحالة البدنية والنفسية للاعبين، عبر أجهزة وتقنيات حديثة، ومنصات ذكاء اصطناعي تدخل في تقييم الأداء، ووضع الخطط، بل واتخاذ القرارات الفنية في توقيتات دقيقة.

وبينما يرى البعض أن هذا التطور يمثل قفزة نوعية في دقة التحضير وكفاءة الأداء، يرى آخرون أنه قد يشكل تهديداً لطبيعة كرة القدم، خصوصاً في ما يتعلق بدور المدرب وحرية اللاعب داخل الملعب.

«البيان» تنقل رؤى مجموعة من المدربين والخبراء العرب، حول التحول المتسارع في كرة القدم بفعل التكنولوجيا، وتستعرض وجهات نظرهم بشأن حدود التوازن الممكن بين الموهبة البشرية والأنظمة الذكية.

وقال إسماعيل يوسف، نجم نادي الزمالك المصري، وعضو مجلس إدارة النادي السابق، إن الفارق بين الأجيال الكروية واضح وكبير، خصوصاً في ما يتعلق بتأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تطوير أداء اللاعبين وإدارة المباريات، وأكد أن الأدوات الحديثة منحت الجيل الحالي فرصاً أكبر للتطور، مقارنة بما كان متاحاً في الماضي.

وقال: «في زماننا، كان الاعتماد الأساسي على الموهبة واللياقة البدنية التي لم تكن مدروسة بالشكل الكافي، أما اليوم، فالوضع اختلف تماماً، التكنولوجيا سهلت كثيراً على اللاعبين والمدربين، من خلال أدوات مثل الـ GPS، وتحليل الحمض النووي (DNA Fit)، وتحليل الأداء اللحظي، وكل ذلك ساهم في رفع وعي اللاعبين وفهمهم للعبة».

وأضاف: «حتى الأمور المتعلقة بالتغذية باتت دقيقة، حيث يخضع كل لاعب لتحليل شامل، يحدد له نوعية الطعام والمشروبات المناسبة قبل وأثناء وبعد المباريات..

كما أن الأنظمة التكنولوجية أصبحت قادرة على رصد الحمل البدني، وإطلاق إنذارات في حال اقتراب اللاعب من منطقة خطر، قد تؤدي إلى الإصابة، وهو ما يساعد الجهاز الفني في اتخاذ قرارات استباقية، مثل التبديل المبكر».

وتابع: «كرة القدم تطورت بشكل هائل على المستوى التكتيكي والبدني، وأصبحت تعتمد على التفاصيل الدقيقة.. المدرب لم يعد يعتمد فقط على خبرته ورؤيته الفنية، بل أصبح يملك أدوات تحليل متقدمة، تساعده في قراءة الخصم، ووضع التشكيل المناسب، وإجراء التبديلات اللحظية».

واختتم قائلاً: «حتى مع تراجع الموهبة على مستوى العالم، إلا أن الاستثمار في الجانب العلمي والتكنولوجي، أصبح بوابة حقيقية للنجاح.. هناك لاعبون قد لا يتمتعون بمهارات كبيرة، لكنهم يعوضون ذلك بالالتزام التكتيكي والبدني، ويصلون إلى مستويات عالية، بفضل هذه المنظومة الدقيقة».

وقال ضياء السيد، نجم الأهلي المصري السابق، والمدرب المساعد الأسبق لمنتخب مصر، إن التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، أضافوا الكثير إلى كرة القدم، خصوصاً في مجالات تحليل الأداء، وتطوير أدوات التدريب، إلا أن الذكاء البشري سيظل هو العامل الحاسم في الملعب، سواء من جانب اللاعب أو المدرب.

وأوضح قائلاً: «التطور التكنولوجي بالفعل أحدث فارقاً كبيراً، مقارنة بالأجيال السابقة، ودخل إلى عملية التدريب من خلال أدوات حديثة، تسهم في رفع الكفاءة، وتوضيح الرؤية التكتيكية..

لكن في رأيي، تبقى المهارة البشرية هي الأساس، الذكاء الاصطناعي قد يساعد، لكنه لا يمكن أن يحل محل الابتكار الإنساني والذكاء الفردي».

وأضاف: «المدرب الذكي يظل مميزاً، حتى في وجود الأدوات الرقمية، واللاعب الذكي هو الذي يعرف كيف يترجم التعليمات إلى أداء داخل الملعب.. الذكاء الاصطناعي قد يدعم، لكنه لن يتحكم بشكل مباشر وكبير في قرارات المدرب أو اللاعب».

واستشهد بمثال من واقع التدريب، قائلاً: «في السابق، لم تكن هناك وظيفة محلل الأداء، أما اليوم، فهي عنصر أساسي في الأجهزة الفنية، يساعد في تحديد نقاط القوة والضعف، سواء في الفريق أو المنافس.. ومع ذلك، تظل قرارات التبديل والخطة والتنفيذ مسؤولية المدرب واللاعب نفسه، وليس النظام التقني».

وختم: «التكنولوجيا ستظل أداة مساعدة، لكن الكرة ستبقى لعبة الإنسان، ويظل الذكاء البشري هو القائد الحقيقي في اتخاذ القرار داخل الملعب».

عاملان حاسمان

أكد بدر طبيب مدرب نادي الإمارات الحالي، أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبحا عاملين حاسمين في تطوير أداء اللاعبين والفرق، مشيراً إلى أنه كان يتمنى وجود هذه الأدوات في فترة لعبه، لما كان لها من أثر كبير في تسريع وتيرة التطور البدني والذهني. وقال في تصريحاته:

«بصراحة، لو كانت هذه التقنيات متاحة في وقتنا كلاعبين، كنا سنصل لمستوى أعلى بكثير.. التكنولوجيا تختصر الوقت، وتعطي اللاعب مؤشرات دقيقة عن مستواه، من خلال الأرقام والتحليلات، سواء من الجانب البدني أو الذهني أو حتى النفسي.

وهذا ما يجعلني أطالب اللاعبين حالياً بضرورة استغلال هذه الأدوات بالشكل الأمثل، وعلى المدربين والمتخصصين أن يواكبوا هذا التطور».

وأضاف: «من المهم أن يدرك اللاعب أن هذه الأرقام أداة مساعدة لتسريع التطوير.. دورنا كمدربين أن نشرح لهم كيف يقرؤون هذه البيانات، ويتعاملون معها بإيجابية، خصوصاً أن البعض قد يتأثر نفسياً، إذا كانت مؤشراتهم منخفضة.. لذلك من الضروري تحقيق توازن بين الجانب التقني والدعم النفسي للاعب».

وتابع: «هذه الأدوات تعزز من سرعة اتخاذ القرار داخل الملعب، وتسهم في رفع الكفاءة البدنية والذهنية.. اللاعب الذي يمتلك موهبة، ويستخدم هذه الأدوات بذكاء، سيتطور أسرع، ويحقق نتائج أفضل». وعن رؤيته المستقبلية، قال بدر طبيب:

«أتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي دور أكبر في مستقبل كرة القدم، خصوصاً أثناء المباريات.. قد تساعد هذه الأدوات في اتخاذ قرارات فنية حاسمة في وقت أسرع، وتصبح جزءاً لا يتجزأ من منظومة التدريب والإدارة الفنية».

يرى خالد عبيد، المحلل والناقد الفني، أن دخول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى كرة القدم، غيّر شكل اللعبة بالكامل، لكنه شدد على أن هذه الأدوات لا تلغي دور المدرب، أو تحل محل الدور البشري، بل تكمله، وتمنحه قوة إضافية في التحليل واتخاذ القرار.

وقال: «في كرة القدم الحديثة، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة رئيسة في تحليل أداء اللاعبين، وتقييم أساليب اللعب، ما ساعد الأجهزة الفنية على اتخاذ قرارات أكثر دقة..

ومع ذلك، لا تزال الأساليب التقليدية تحتفظ بمكانتها «فخبرة المدرب ورؤيته الميدانية، تظلان عنصرين لا يمكن أن تحل التكنولوجيا محلهما».

وأضاف: «في الماضي، كان المدرب يعتمد على رؤيته الفنية المباشرة، وقراءته اللحظية للمباراة، أما اليوم، فقد أصبحت كل تمريرة وتحرك داخل الملعب، خاضعاً للرقابة الرقمية، من خلال أنظمة إلكترونية متصلة بالأقمار الصناعية.

بات من الممكن تتبع سرعة اللاعب، ودقة تمريراته، والمسافات التي يقطعها، بل والتنبؤ بمخاطر الإصابة أو تراجع الأداء عبر تحليل البيانات، لم تعد التكنولوجيا خياراً إضافياً، بل أصبحت جزءاً أساسياً من عمل الأجهزة الفنية يومياً».

وعن مدى تأثير هذا التطور في اللاعب، قال عبيد: «الرأي هنا منقسم، فهناك من يرى أن الاعتماد الزائد على الأرقام، قد يقيد حرية اللاعب في اتخاذ القرار داخل الملعب، ويؤثر في الإبداع الفطري..

لكن في المقابل، التكنولوجيا تساعد اللاعب على فهم نقاط قوته وضعفه بدقة، وتسهم في نضجه وتحوله إلى لاعب أكثر احترافية.. المهم هو التوازن بين ما تمنحه الأرقام، وما يصنعه الإبداع الذاتي».

وحول ما إذا كان من الممكن الاعتماد بالكامل على الذكاء الاصطناعي في اختيار التشكيلة والخطط الفنية، قال: «من الناحية النظرية، يمكن لأي نظام ذكي أن يقدم التشكيل المثالي، اعتماداً على آلاف البيانات والمعطيات، بل ويمكنه أيضاً اقتراح تغييرات أثناء المباراة..

لكن على أرض الواقع، لا يمكن تجاهل دور المدرب وخبرته، هناك قرارات فنية تتخذ بناءً على عوامل لا يمكن قياسها رقمياً، مثل الحالة النفسية للاعب، طبيعة الخصم، أو حتى شعور المدرب بأن هذا اللاعب قادر على صناعة الفارق في لحظة حاسمة».

وختم حديثه قائلاً: «التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبحا شريكين أساسيين في كرة القدم الحديثة، لكن تبقى كرة القدم لعبة إنسانية في جوهرها.. الذكاء الاصطناعي يصنع فريقاً منظماً، أما الإبداع البشري، فهو من يصنع الأبطال».

توازن

يرى التونسي عثمان النجار، المدرب المساعد للأفريقي التونسي، أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً جوهرياً من منظومة إعداد اللاعبين، وصناعة القرار الفني داخل الملعب وخارجه.

وقال في تصريحاته: «نحن اليوم نعيش ثورة حقيقية في كرة القدم، بفضل برمجيات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت تلعب دوراً كبيراً في جميع تفاصيل إعداد اللاعبين، بداية من عملية الانتقال والتقييم الفني، مروراً بالتحليل البدني والذهني والتكتيكي، وحتى التعامل مع الحالة النفسية.. لقد ابتعدنا كثيراً عن الأسلوب التقليدي، الذي كان يعتمد فقط على الجانب المهاري والبدني».

وأوضح النجار أن الأندية باتت تعتمد على هذه البرمجيات بنسبة كبيرة، خصوصاً في ظل الانفتاح العالمي، والتطور السريع في أنظمة تحليل البيانات الضخمة، قائلاً:

«الذكاء الاصطناعي بات يستخدم للتعامل مع كميات هائلة من البيانات، ويسهم مباشرة في اتخاذ القرار الفني أثناء المباريات، كما أنه مكن الأجهزة الفنية من تحليل الجوانب البدنية والتكتيكية والفنية للاعبين بدقة غير مسبوقة».

وأضاف: «رغم الدور المتصاعد للتكنولوجيا في كرة القدم، فإن خبرة المدرب ورؤيته الفنية، تظل عنصراً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه.. فالفارق الحقيقي في النتائج يصنعه التوازن بين ما توفره أدوات الذكاء الاصطناعي، وما يقدمه الإنسان من فهم وتحليل ميداني دقيق».

وتحدّث النجار عن أدوات متقدمة، مثل أجهزة الـ GPS، التي أصبحت مرتبطة بالأقمار الصناعية، وتستخدم على نطاق واسع في الأندية الكبرى، قائلاً:

«أجهزة الـ GPS تمنحنا بيانات دقيقة، لكن تحليل هذه البيانات يتطلب أدوات متقدمة، ولهذا أصبحت الأندية تلجأ إلى برمجيات الذكاء الاصطناعي، مثل منصة DeepMind التي طورتها Google، وتستخدمها أندية أوروبية كبرى، مثل ليفربول.. هذه الأنظمة قادرة على تقديم تقارير لحظية تساعد الجهاز الفني في اتخاذ قرارات مباشرة أثناء التدريب أو المباراة».

وختم حديثه قائلاً: «ما يحدث الآن ليس تقليصاً لدور الجهاز الفني، بل تنظيم أفضل له، فبدلاً من تعدد الاختصاصات بشكل عشوائي، تمنح البرمجيات الحديثة المدرب القدرة على الإشراف الكامل بدقة أعلى وجهد أقل، وهو ما يعد نقلة نوعية حقيقية في طريقة إدارة الفرق».

خبرة

يرى أحمد علي، نجم الزمالك والإسماعيلي والهلال السعودي السابق، أن الذكاء الاصطناعي بات أداة مساعدة مهمة في كرة القدم الحديثة، خصوصاً من ناحية تطوير الجوانب البدنية والخططية، إلا أن الموهبة تظل هي العنصر الفاصل والحاسم في أداء اللاعب داخل الملعب.

وقال في تصريحاته: «في زمن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، هناك استفادة كبيرة على مستوى القوة البدنية والجوانب التكتيكية وخطط اللعب، ولكن تظل موهبة اللاعب وقراراته الفردية، هي العامل المسيطر داخل المباراة».

وأضاف: «قد تقيد التحليلات الرقمية والتوجيهات الفنية حرية اللاعب أحياناً، خصوصاً في ما يتعلق بالتمركز والتنفيذ الخططي، لكن اللاعب الذي يمتلك خبرة حقيقية، والتي لا تقاس بالسن فقط، هو من يستطيع الجمع بين الموهبة والتعليمات التقنية، وهو ما يميز اللاعب الأساسي عن البديل».

وأكد أحمد علي أن كرة القدم تظل من الألعاب التي تعتمد بشكل جوهري على الابتكار الفردي، قائلاً: «لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحكم بالكامل في كرة القدم، لأنها لعبة تعتمد بدرجة كبيرة على الموهبة وقراءة اللعب.. يمكن للتكنولوجيا أن تساعد علمياً، لكن الفيصل الحقيقي، يظل في عقل اللاعب وإبداعه داخل الملعب».

وختم حديثه قائلاً: «الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يدرب اللاعب على التصرفات التلقائية داخل الملعب، مثل كيفية التحرك تحت الضغط، أو اختيار اللحظة المناسبة للعودة أو الانطلاق.

فهذه أمور تعتمد على الفطرة والتجربة، ولا يمكن اكتسابها من خلال الأرقام أو البرامج.. لذلك يظل الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة مهمة، لكنه لا يغني عن موهبة اللاعب وخبرته».