في عالم كرة القدم، بمدرجاته وجماهيره الصاخبة، ونتائجه وألوان الأندية وصرخات المتعصبين، بين حلم التتويج بلقب أو كأس أو اسم يزين قائمة أفضل اللاعبين، بين انتظار توقيع على «أوتوجراف» قبل ظهور «تقليعة» التوقيع على قميص النجم والجري فرحاً به بعد الحصول عليه، أدباء فرضوا بأقلامهم أمراً واقعاً في عالم الرواية والقصة القصيرة والمقال وكل أنواع الأدب وفنون الثقافة، وحدها الساحرة المستديرة التي تصدت لهم وخطفت سحرهم وأقلامهم وسط دهشة الجميع.. عالمان مختلفات تماماً وغير متوازيين لكنهما أصبحا حقيقة في عوالم أكبر الأدباء.. كرة القدم والأدب.
ماركيز.. حارس المرمى
الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز أحد أهم وأشهر الروائيين في العالم.. صاحب رواية «مائة عام من العزلة»، والذي فاز عنها بجائزة نوبل للأدب، حلم في طفولته بأن يكون حارساً للمرمى، لكن القدر غيّر مساره إلى عالم الكتابة ليصبح أحد أهم الأدباء في العالم، في أحد شوارع مدينة أراكاتاكا مسقط رأسه، وفي مباراة بين فريقه وفريق منافس من الحي ذاته، وفي إحدى الهجمات كان يتصدى لكرة من الفريق المنافس، ليفاجأ بالمهاجم صاحب القدم الفولاذية يسددها قوية من مسافة قريبة، لتصطدم ببطنه، ليشعر بعدها بألم شديد، في الوقت الذي توقف فيه اللعب تماماًَ، بعدها يقرر الفتى الاكتفاء بدور المشجع ومؤازرة فريقه المفضل أتلتيكو جونيور صاحب القميص ذي اللونين الأبيض والأحمر. في مونديال كأس العالم 1994 بأمريكا، أدان ماركيز بشدة مقتل اللاعب الكولومبي أندريس إسكوبار على يد عصابات المافيا بسبب تسجيله هدفاً في مرماه أمام الولايات المتحدة تسببت في خروج بلاده من المونديال.
نجيب محفوظ.. قلب الأسد
عشق نجيب محفوظ كرة القدم، حتى إنها كادت تخطفه من عالم الأدب والكتابة، هناك في حي العباسية الراقي بالعاصمة القاهرة، ولد صغيراً في المدرسة الابتدائية، عشق لعب الكرة مع أصدقائه، كان حلمه أن يصبح حسين حجازي كابتن منتخب مصر واللاعب الأسطورة، 10 سنوات كاملة، كانت الساحرة المستديرة هي العشق والملاذ الآمن، لا رواية ولا قصة قصيرة ولا رائحة حبر أو رأي في مقال، خلال دراسته بالمرحلتين الابتدائية والثانوية. كانت هي الشغل الشاغل، يتذكر أنه يوماً ما ذهب لمشاهدة مباراة في كرة القدم بين فريق مصري وآخر إنجليزي في طفولته، يومها فاز الفريق المصري وكانت دهشته لا حدود لها لأنه كان يعتقد أن الإنجليز لا ينهزمون حتى في الرياضة.
عندما انتقل الأديب الحائز جائزة نوبل إلى الدراسة الجامعية رفض الانضمام إلى فريق الكرة بالجامعة، من تلك اللحظة انقطعت صلته بكرة القدم ولم يعد لاعباً كما كان وكما أطلق عليه أصدقاؤه في حي العباسية «الحريف»، عندما كان كابتن فريق «قلب الأسد» الذي كونه مع أصدقائي بالحي أثناء دراسته وجابوا به شوارع العباسية، واستضافوا فرقاً من كافة الأحياء الشعبية الأخرى من السيدة والجمالية وباب الشعرية والظاهر وعابدين في مباريات ساخنة، وكانت المعاملة بالمثل في لقاءات «الإياب» أو رد الزيارة واللعب على أرضهم، الأدب أخذ لاعب زملكاوي من العيار الثقيل من قلب ملاعب الكرة، فضل القلم وعلق الحذاء.. نجيب موهبة كروية ضلت طريقها إلى عالم الرواية.
محمود درويش.. ومارادونا
محمود درويش، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، كان عاشقاً لكرة القدم، خلال فترة حصار العاصمة اللبنانية بيروت، كان مونديال 1982 بإسبانيا هو المتنفس والملاذ مع بطارية سيارة أعتبرها أعز الأصدقاء في تلك الفترة من أجل تشغيل قناة التلفزيون الناقلة للمونديال، يومها فازت إيطاليا باللقب وسط حزن كل مشجعي كرة القدم في العالم، بعد خروج أجمل منتخب برازيلي كرة قدم ممتعة أجمل من فريق بيليه ورفاقه.
بعدها وتحددياً في المكسيك العام 1986.. منتخب الأرجنتين يتربع على عرش كرة القدم، ويتوج بكأس العالم، مارادونا، أيها المبدع يا من تمتلك أجمل قدم يسرى في تاريخ اللعبة، ماذا فعلت أيها المبدع.. الشاعر محمود درويش لم يكن بعيداً عن تلك الأحداث، كتب يومها نصه عن «مارادونا» تحت عنوان «لن يجدوا دماً في عروقه بل وقود الصواريخ»، نذكر منه: ماذا فعلت بالساعة، ماذا صنعت بالمواعيد؟ ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟ مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى منْ نأنس ونتحمّس بعدما أدمناه شهراً تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟ فما أسعد من هزمته قدم مارادونا!
هذه القدم، قدم مارادونا، مع كعب ميثولوجي آخر هو كعب أخيل، هما أشهر قدمين في تاريخ الأسطورة، هكذا أحب محمود درويش كرة القدم وعشق مارادونا.
أحلام مستغانمي والمونديال
الحدث: مونديال البرازيل 2014.. منتخب الجزائر يودع منافسات كأس العالم أمام منتخب ألمانيا أحد الفرق المرشحة للتتويج بعد 120 دقيقة على ملعب بييرا-ريو في بورتو أليجري، مزيج من الحزن بسبب الإقصاء وفرحة كبيرة بجمالية الأداء، الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي رغم الحزن قررت أن تترك لقلمها العنان، ومساحات بطول ملعب كرة في انتظار جماهير عريضة تنتظر ولادة أدبية جديدة من أجل منتخب «الخضر»، كتبت يومها أحلام مستغانمى على الفيسبوك: «خسارة بطعم الفوز، وخيانة تبارك لها صفارة الزمن! الجزائر فازت بإذلال ألمانيا 120 دقيقة! كنتم أبطالاً، كنتم رجالاً، رفعتم سقف الحلم والأمل، رفعتم رؤوسنا».
الكرة لا تبكي سوى الأبطال يا أبطال، يكفي ما أهديتمونا من فرحٍ ومتعة إلى وقتنا هذا، حقاً يكفي يا أولاد الرجال، سنصفق لكم كثيراً، وسنظل نصفق، مستلزمات كرة القدم. صفقوا لهؤلاء الأبطال، «هنا كان الرجال»، هنا كانت الجزائر، من قال إن الجزائر خسرت! الجزائر فازت بالقلوب.. شرّفتنا الجزائر بهذا العلم وهذا المنتخب الذي سيمكث في الذاكرة طويلاً.
أحمد فؤاد نجم.. الأهلاوي
الفاجومي.. أحمد فؤاد نجم شاعر العامية المصرية الشهير.. واللسان اللاذع بالسخرية.. «أنا أهلاوي درجة ثالثة»، هكذا كان يصرح دوماً دون محاباة، اعتبر نفسه واحداً من جماهير مدرجات «الغلابة»، حيث العمال والموظفون الذين يزحفون إلى المدرجات حاملين الأعلام و«الطبلة» وأهازيج السعادة، في رأيه متعة الكرة الحقيقية، مع «الغلابة» وليس لابسي رابطات العنق والبدلة «الشيك» والمقاعد المريحة في المقصورة الرئيسية.. انقطع عن التشجيع بعد هزيمة 1967، وقال في مقابلة تلفزيونية: «الكورة لسة واكلة دماغي، وباتفرج على ماتشات الدوري والمنتخب، وأي حد بيتفرج على الكورة المصرية دلوقتي لازم حيشم عطر أبو تريكة وبركات والحضري وشيكابالا وحسني عبد ربه. ورأيي إن دول جيل ذهبي على المستوى المحلي والقاري». حفظ «الفاجومي» هتافات جماهير الدرجة الثالثة، وابتكر هتاف: «يا أهلي يا حبي. يا حتة من قلبي»، وألف كتاباً بهذا العنوان تناول فيه أحوال الكرة المصرية. وفي مفاجأة.. هناك ديوان نادر لـ«الفاجومي» عن «الأهلي والزمالك»، وفي هذا الديوان المجهول يعلن نجم من البداية عن أهلاويته القوية، لكنه الانتماء الذي لا يجعله يتهجم على الخصوم والمنافسين، خاصة الزمالك.
عبدالله صقر.. من الملعب إلى «الخشبة»
القاص عبدالله صقر أحد أعضاء الجيل الأول من المبدعين الإماراتيين يعتبره الكثيرون رائد القصة القصيرة في الإمارات، وذلك تقديراً للمكانة التي حققتها مجموعته القصصية الأولى «الخشبة»، وما طرحته من أفكار وقضايا شائكة وغير قابلة للطرح في نظر البعض، والتي صدرت في عام 1974، كما أصدر أول مجموعة شعرية لقصيدة النثر في تاريخ الإمارات بعنوان «اغتراب في زمن مسلوب» في عام 1975، كما نشرت له قصائد عدة في مجلة «الطليعة» الكويتية عام 1970.
في العام 1984 يقرر عبدالله صقر الاتجاه إلى عالم الرياضة وتحديداً كرة القدم، ليبدأ فيها مسيرة حافلة بالنجاحات، وتبدأ المسيرة مع الساحرة المستديرة، هو المدير الفني المتميز الذي تولى مهمة تدريب منتخب الإمارات الوطني الأول «الأبيض» عام 2001، وقاده في تصفيات آسيا المؤهلة إلى «مونديال 2002»، هو «صانع النجوم»، ورغم ذلك كان عبدالله صقر يؤكد وسط صخب المدرجات ومؤتمرات المدربين الصحفية أنه لم يتخلَ عن الكتابة، وقال: لم أتخلَ تماماً عن الأدب والثقافة، فأنا أقرأ وأتابع ما ينشر بانتظام، وأكتب، لكنني انصرفت أكثر إلى كتابة المقالة، وإلى الشعر النبطي، لم أعد أجد الوقت الكافي لكتابة القصة، وهذا هو السبب الذي يحول بيني وبين كتابتها، قبل أن يعود مجدداً للتأليف عام 2021، فأصدر كتابه الشهير «قطع مظلمة من الليل» في 2021، و«سهيل» في 2023، و«ثانية أخرى لحديث تأخر» 2024 قبل أن يرحل في مارس من العام 2025 تاركاً إبداعاته بين المستطيل الأخضر وصفحات الرواية.
