مع اقتراب قرعة مونديال 2026 يعود السؤال الذي يتردد مع كل مناسبة مشابهة، هل القرعة موجهة ومحددة الغرض أم أنها مفتوحة تقود إلى نتائج غير متوقعة، وحتماً في أحيان غير مرغوبة بها؟



سنوات وكرة القدم العالمية تعيش في ظل هذا السؤال إلى أن بدأت الإجابات تأتي تبعاً وعلى مدار سنوات، بعضها حدث خلال البطولة، وبقرارات تكتيكية من مدربين، والبعض الآخر تم قبل البطولة، بحيث يحدد مساراً معيناً يمنع منتخبات بعينها من المواجهة المباشرة قبل المباراة النهائية.



عرف العالم الجدل بشأن الترتيب المستقبلي للمباريات بواقعة كانت مصدر فخر لصاحبها إذا أوصلته إلى ما يريد تماماً.



مغامرة العار



هيلموت شون، مدرب ألمانيا الغربية في مونديال 1974، الذي استضافته، وفازت به اعترف بكل شجاعة بعد نهاية البطولة أنه أقدم على ما أسمته الصحافة حينها «مغامرة العار»، وكان يعني بذلك خسارة منتخب بلاده أمام جاره منتخب ألمانيا الشرقية في مرحلة المجموعات، وكان المنتخب الألماني الغربي مرشحاً قوياً لصدارة المجموعة الأولى إلا أن العالم أجمع تفاجأ بخسارته أمام جاره الشرقي، الذي تصدر المجموعة، ولكن نجحت حيلة شون، التي قادت ألمانيا الغربية إلى النهائي، ومن بعده اللقب، حيث تعمد الحصول على المركز الثاني الذي ينقله إلى المجموعة الثانية في المرحلة المقبلة، ليتفادى المجموعة الأولى، التي تضم منتخب البرازيل حامل اللقب والمنتخب الأرجنتيني القوي، ولكنه كان تحديداً يريد تفادي المنتخب الأخطر في ذلك الوقت منتخب هولندا.

وكان نظام التأهل إلى النهائي مرهوناً بصدارة المجموعة في المرحلة الثانية، وهو أمر رفض شون المغامرة به، وأن يصارع هولندا صاحبة الزخم الهجومي على صدارة المجموعة راسماً طريقه إلى النهائي عبر صدارة المجموعة الثانية، بينما فشل منتخب ألمانيا الشرقية في تقديم أي شيء أمام الطاحونة الهولندية، مثلما سقطت الأرجنتين والبرازيل، بينما نجح المنتخب الألماني الغربي في الانتقال إلى النهائي بعد تصدره المجموعة الثانية، التي ضمت إلى جواره منتخبات بولندا والسويد ويوغوسلافيا، وتمكن في النهائي من الفوز على هولندا 2 – 1 رغم تقدم المنتخب الهولندي بهدف مبكر عند الدقيقة الثانية من اللقاء إلا أن المنتخب الألماني الغربي استعاد التوازن، ونجح في تحقيق لقبه الثاني، ويومها اعترف شون أنه تعمد الخسارة، لتفادي مواجهة هولندا مبكراً، مبدياً ثقته بأن منتخبه يمكن أن يهزم «الغول والعنقاء» وليس هولندا وحدها متى ما كان اللقب أمام أعين اللاعبين، وهذا ما حدث.



هذا تكتيك حدد به شون مسار فريقه إلى النهائي واللقب، ولكن هل كانت هناك مسارات محددة أصلاً في بطولات أخرى تجعل منتخبات بعينها تتفادى المواجهة المباشرة قبل المباراة النهائية.



اعتراف بلاتيني



بعد سنوات من فوز منتخب فرنسا بلقبه الأول عام 1998 أكد ميشيل بلاتيني أن اتفاقاً تم قبل القرعة لوضع مسار، يمنع أي مواجهة بين منتخبي فرنسا المستضيف، ومنتخب البرازيل حامل اللقب قبل المباراة النهائية، وأضاف بلاتيني في تصريحات إعلامية: «إن اللجنة المنظمة و«فيفا» ابتكرا حيلة بسيطة تحقق هذه الغاية، حيث تم اعتماد مسارين للمنتخبين، بحيث لا يمكن أن يلتقيا إلا في المباراة النهائية متى ما نجح كل منتخب في تصدر مجموعته، وهذا ما حدث، ووصل المنتخبان إلى النهائي معاً ويومها فازت فرنسا بثلاثية نظيفة محرزة لقبها الأول، ولم يعلق «فيفا» على حديث بلاتيني، الذي لم يتوقف عند هذا الحد بل أكد جازماً أن جميع الدولة المستضيفة للبطولات تضع باتفاق مع الاتحاد القاري أو الدولي مسارات تضمن تفادي المنتخبات القوية في المراحل الأولى وصولاً إلى النهائي أو حتى إلى أبعد مدى في المسابقة للمحافظة على الزخم الجماهيري كونه هدفاً ثانياً، ولكن الهدف الأول منح صاحب الأرض أكبر فرصة للتتويج باللقب على أرضه.



وكان الكثير من الهمس قد دار سابقاً في مونديال 1990 بإيطاليا، حيث ذكرت تقارير متفرقة أن القرعة «رسمت»، بحيث لا يلتقي المنتخب الإيطالي نظيره الأرجنتيني حامل اللقب إلا في المباراة النهائية متى ما تصدر كل منتخب مجموعته، ولكن المنتخب الأرجنتيني خذل هذه التوقعات، حيث تأهل ثالثاً عن مجموعته، وتحقق ما كان يخشاه المنتخب الإيطالي، حيث تواجه المنتخبان في نصف النهائي وتأهل منتخب الأرجنتين ليواجه منتخب ألمانيا مجدداً بعد 4 أعوام من اللقاء في المكسيك 1986، حيث سطر مارادونا أسطورة خالدة، ولكن المنتخب الألماني رد الدين في روما.



جهراً وبالقانون



الهمس تحول جهراً الآن، وبـ«القانون»، فلم يجد الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» حرجاً من الإعلان عن مسارات معينة الغرض منها منع مواجهة المنتخبين المصنفين أولاً وثانياً عالمياً قبل المباراة النهائية، بل مضى «فيفا» أكثر من ذلك، ووضع قواعد تمنع أي مواجهة محتملة للمنتخبات الأربعة الأولى في التصنيف العالمي قبل نصف النهائي، أي بات وفقاً لهذه القواعد التي ستجري عليها قرعة كأس العالم 2026، الجمعة، أن إسبانيا المصنفة الأولى لن تواجه الأرجنتين حاملة اللقب والمصنفة الثانية عالمياً، كما لن تلتقي فرنسا صاحب المركز الثالث في التصنيف العالمي مع إنجلترا رابع التصنيف العالمي حتى الدور النهائي في كأس العالم، بشرط أن يتصدروا مجموعاتهم، حيث سيوجد منتخبا إسبانيا والأرجنتين ضمن مسارين مختلفين، وينطبق الأمر ذاته على فرنسا وإنجلترا .



ووفقاً لقواعد القرعة التي أعلنها»فيفا"، فحتى إذا لم تتصدر تلك الفرق مجموعاتها فإن المنتخبات الأربعة الأعلى تصنيفاً لن تلتقي حتى الدور نصف النهائي.



جهراً تم الإعلان عن ذلك، وباتت القرعة موجهة، ويبقى السؤال هل الغرض من ذلك الحفاظ على قوة البطولة حتى اللحظات الأخيرة من واقع أن المنتخب المعنية هي الأعلى تصنيفاً، وبالتالي هي ستكون الأقوى في البطولة والأفيد أن تصل إلى نصف النهائي؟ أم أن الأمر متعلق بأشياء أخرى، ويفرض سؤال نفسه، هل القرعة الموجهة أفضل للمنافسة أم أن المواجهات بين المنتخبات المصنفة الأولى مبكراً أكثر إثارة، وفي الوقت نفسه يمنح الفرصة لمنتخبات أخرى لإثبات نفسها، وتحقيق المفاجأة بالوصول إلى أدوار متقدمة؟