برزت في كرة الإمارات أسماء عدة خطفت الأضواء في سن مبكرة، بعد أن ظهرت بمستويات قوية ومميزة، وحجزت مقاعد أساسية مع مختلف فرق المحترفين في أعمار صغيرة.

وشكلت هذه الأسماء أملاً كبيراً وطموحاً مشروعاً بمستقبل زاهر للكرة الإماراتية، من واقع بدايات اللاعبين الذين قدموا مستويات أكدت أنهم قادرون على حمل راية اللعبة سنوات طويلة، وتقديم إضافة كبيرة للأندية التي يلعبون لها وللمنتخبات الوطنية، وتحقيق تطلعات الجماهير ببلوغ منصات التتويج.

لكن الواقع جاء مغايراً، إذ إن كثيراً من هؤلاء اللاعبين توقف تألقهم عند محطات محدودة، وتراجع مستواهم بشكل ملحوظ في عمر صغير يسمح لهم بالمزيد من العطاء، والبعض منهم لم يواصل رحلة التطور، وآخرون خسروا بريقهم باكراً، فتحولت مسيرتهم من بداية مبشرة إلى تجربة عادية لا تتناسب مع التوقعات.

وتوجد أمثلة عدة ما زالت تمتلك فرصة التطور والتقدم في الملاعب منها: ماجد سرور لاعب الشارقة الذي أدهش الجميع بقدراته في البدايات، لكنه لم يطور نفسه كثيراً في المواسم الأخيرة، وطحنون الزعابي لاعب الوصل الذي توقف عن الصعود رغم موهبته الكبيرة.

في حين لم يصل سعيد جمعة إلى المستوى المتوقع منه بعد تجربة ناجحة مع العين الذي انتقل منه إلى البطائح، بجانب فهد بدر الذي سطع نجمه مع نادي الإمارات وتألق مع المنتخب الأولمبي ثم الأول، لم ينجح في تجربته مع بني ياس قبل أن ينتقل إلى دبا أخيراً.

وتوجد أسماء أخرى اختفت أو ابتعدت عن الواجهة رغم بداياتها القوية، مثل عمر جمعة ربيع، فهد حديد، عبدالله كاظم، سلطان السويدي، محمد العكبري، أحمد راشد، وسيف راشد، وغيرهم ممن كان يُنظر إليهم على أنهم نجوم المستقبل.

لكن رحلتهم القصيرة في الملاعب طرحت علامات استفهام كبيرة حول الأسباب التي تمنع اللاعب المواطن من مواصلة مسيرة النجومية، وبلوغ القمة، ما دام أنهم يتمتعون بالموهبة؟ هذا السؤال طرحه «البيان» على عدد من الشخصيات الرياضية التي عددت الأسباب وانتقدت غياب السلوك الاحترافي لدى اللاعب الإماراتي.

خليفة باروت

قال خليفة باروت مدير فريق الإمارات السابق: «إن تراجع مستوى اللاعب المواطن بعد بروز نجوميته المبكرة يعود بالدرجة الأولى إلى عقلية اللاعب نفسه.

موضحاً أن العقلية الاحترافية تصنع الفارق في تفاصيل دقيقة مثل التغذية السليمة، النوم المبكر، والاهتمام بالذات، في حين يكتفي كثير من اللاعبين المحليين بالتركيز على المظهر الخارجي على حساب الموهبة والجدية في تطوير أنفسهم، وهو ما يؤدي إلى قصر عمر النجومية لديهم».

وأكد باروت أن هناك نماذج مضيئة أثبتت عكس ذلك، وقال: «إسماعيل مطر واصل تألقه سنوات طويلة بفضل التزامه واهتمامه بالكرة، وكذلك علي مبخوت ظل متفوقاً على المهاجمين المحليين والأجانب، لأنه عرف كيف يحافظ على نفسه، هنالك عدد كبير من اللاعبين الذين أهدروا الموهبة التي يتمتعون بها بأنفسهم نتيجة غياب الثقافة الاحترافية والتفكير في أنهم وصلوا لقمة النجاح مع أنهم في بداية المشوار».

وأضاف: «اللاعب الجيد يمكنه أن يواصل مسيرته لفترة طويلة إذا اهتم بنفسه وبمهاراته، لكن معظم لاعبينا لم يفعلوا ذلك، حتى من حالفه التوفيق نجد أن سنوات تألقه قصيرة في الملاعب أو أنه لا يصل إلى القمة التي يستحق أن يكون فيها؛ لأنه لا يعمل على تطوير قدراته ويتوقف عند محطة محددة يظن أنها كافية».

وعاد باروت ليشير إلى أن المشهد تغير في السنوات الأخيرة، موضحاً أن الأندية باتت تركز على اللاعب المقيم على حساب اللاعب المواطن، الأمر الذي انعكس سلباً على بروز المواهب المحلية، وختم حديثه قائلاً: «اليوم لم يعد يتألق سوى قلة مثل: علي صالح، والغساني، وحارب، لكنهم رغم موهبتهم يواجهون صعوبة في نيل فرصة المشاركة الأساسية باستمرار.

جاسم عيون

وقال جاسم عيون إداري فريق الشارقة السابق: «إن التألق في البدايات والوصول إلى النجومية يعد مرحلة سهلة نسبياً، لكن التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على المحافظة على هذا المستوى وتطويره باستمرار، وهو ما يفتقده كثير من اللاعبين المواطنين.

وأوضح أن غالبية اللاعبين عندما يصلون إلى مستوى معين ويتقاضون رواتب عالية، تقل لديهم الدوافع، ويتراجع حرصهم على بذل الجهد والعمل على تحسين قدراتهم الفنية والبدنية». وذكر عيون أن المقارنة واضحة مع نجوم عالميين مثل كريستيانو رونالدو الذي بلغ سن الأربعين وما زال يحافظ على تألقه بفضل التزامه الكبير واهتمامه بنفسه وبأدق تفاصيل حياته الاحترافية.

في حين أن اللاعب المواطن غالباً ما يهمل نفسه، فلا يلتزم بالتدريبات الخاصة، ويسهر لساعات متأخرة من الليل، ثم ينام حتى فترة الظهيرة، كما لا يحرص على تناول وجبات صحية متوازنة، الأمر الذي ينعكس مباشرة على لياقته البدنية وقوة عضلاته وأدائه في المباريات.

وأشار إداري الشارقة السابق إلى أن هذا النمط من السلوكيات يفسر أسباب تراجع مستويات لاعبين مواطنين عدة بعد فترة قصيرة من بروزهم، حيث يفتقدون الاستمرارية ولا يمتلكون الطموح الكافي ليصبحوا أفضل أو يواصلوا المنافسة على القمة.

وأكد عيون أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن الاحتراف الحقيقي لا يقوم فقط على التدريبات داخل الملعب، بل على أسلوب حياة متكامل يتطلب التزاماً وانضباطاً في كل التفاصيل، مؤكداً أنه ما لم يدرك اللاعبون ذلك، ستظل كرة الإمارات تفتقد إلى استمرارية نجوم مواطنين قادرين على قيادة أنديتهم ومنتخبهم لفترات طويلة.

زمن الاحتراف

نور الدين العبيدي

بدوره، قال المدرب والمحلل الرياضي التونسي نورالدين العبيدي: «إن اللاعب المواطن في زمن الاحتراف يواجه صعوبات كبيرة في فرض نفسه أساسياً، خصوصاً في مركزي الهجوم والوسط، بسبب اعتماد معظم الأندية بشكل أساسي على اللاعبين الأجانب في هذه المراكز، وهو ما يحد من فرص بروز المهاجمين وصناع اللعب من أبناء الدولة.

وأوضح أن هذا الواقع جعل الكثير من المواهب الواعدة تتراجع مبكراً، لأنها لا تجد المساحة الكافية للمشاركة المستمرة والتي تعد أهم عوامل تطور اللاعب الذي يحتاج إلى الاحتكاك القوي في مباريات تنافسية مع فرقة لها وزنها وثقلها».

وذكر العبيدي أن من بين الإشكالات أيضاً استعجال اللاعبين المواطنين في الانتقال من أندية الوسط والقاع إلى أندية المقدمة بمجرد بروزهم، سعياً وراء رواتب أعلى دون النظر إلى أهمية المشاركة الفعلية، وقال:

«اللاعب عندما يرحل إلى نادٍ كبير قد يجد نفسه على دكة البدلاء فترات طويلة، فيتراجع مستواه تدريجياً بعد أن كان متألقاً في فريقه السابق، وهذا خطأ يتكرر كثيراً في تجارب لاعبي الدوري الإماراتي».

وأشار المدرب التونسي إلى أن الطموح يمثل عنصراً أساسياً في استمرار اللاعب، مبيناً أن بعض اللاعبين بمجرد أن يثبتوا وجودهم يتوقفون عند نقطة معينة ولا يفكرون في تطوير قدراتهم أو الوصول إلى الأفضل.

وأضاف: «هناك قلة امتلكت الطموح والاجتهاد وحققت أهدافها، مثل بندر الأحبابي الذي خاض تجربة مميزة حين انتقل من العين إلى الظفرة، ثم إلى بني ياس، حيث طور من نفسه بشكل واضح، قبل أن يعود مجدداً إلى العين ويصبح قائداً للفريق بعد مسيرة حافلة شهدت تطوراً كبيراً في قدراته الكروية».

وختم العبيدي تصريحاته بالتأكيد على أن كرة القدم في النهاية لعبة مجهود، وأن اللاعب الذي يمتلك الرغبة الحقيقية عليه أن يتدرب باستمرار، ويرفع سقف طموحه، حتى لا تنتهي مسيرته الكروية مبكراً، مشدداً على أن الاستمرارية لا تأتي إلا بالالتزام والانضباط والعمل الدائم واللاعب الذي يفعل ذلك يمكنه أن يصل إلى القمة.

العقلية الاحترافية

يوسف عبد العزيز

من جانبه قال يوسف عبدالعزيز لاعب منتخبنا الوطني السابق: «إن أحد أبرز أسباب عدم تطور اللاعبين الشباب في كرة الإمارات يعود إلى غياب العقلية الاحترافية الحقيقية، وافتقاد بعضهم الثقة بالنفس رغم ما يملكونه من مواهب مميزة».

وأوضح أن نسبة كبيرة تصل إلى نحو 80 % من اللاعبين لم يستطيعوا التكيف مع متطلبات الاحتراف بالشكل المطلوب، وهو ما انعكس سلباً على مسيرتهم الكروية التي انتهت مبكراً.

وأضاف أن اللاعب المواطن غالباً ما يتألق في موسم أو موسمين، ثم يظن أنه وصل إلى قمة النجاح، فيتوقف عن العطاء والاجتهاد، وهو خطأ كبير يضر بمسيرته لأنه يحد من طموحه ويقلل من فرص تطوره.

مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تتكرر عند عدد كبير من اللاعبين الذين لا يدركون قيمة الموهبة التي يمتلكونها ولا يعرفون كيف يحافظون عليها وبالتالي لا يستطيعون المواصلة في الملاعب.

وأكد لاعب المنتخب السابق أن كثيراً من اللاعبين يكتفون بما يقدمونه في التدريبات الجماعية، دون أن يمنحوا أنفسهم الوقت الكافي للعمل الفردي على تحسين لياقتهم أو معالجة نقاط ضعفهم. وقال: «المواطن لا يهتم بكل هذه التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق.

ولذلك تكون رحلة الكثيرين قصيرة في الملاعب، باستثناء بعض الأسماء المميزة التي تألقت سنوات طويلة بفضل التزامها وحرصها على التطور».

ووجه عبدالعزيز نصيحته للاعب المواطن بضرورة الاستفادة من خبرات اللاعبين الأجانب الذين يحضرون إلى «دورينا» بخلفيات وتجارب مختلفة، مؤكداً أن ترك المكابرة والتعلم من الأفضل يعد طريقاً للنجاح.

كما شدد على أهمية الالتزام ببرامج التدريبات صباحاً ومساءً، والابتعاد عن السهر، والانتباه للتفاصيل المتعلقة بالغذاء والراحة والانضباط، باعتبارها الأساس في بناء لاعب قادر على الاستمرارية والنجومية.