عام ‬1995 تم إنشاء مؤسسة فريدة من نوعها في منطقة الخليج العربي يطلق عليها مؤسسة قطر فونديش Qatar foundati وهي المؤسسة التي إن أحببنا أن نطلق عليها اسما أكثر دقة قياسا بدورها فنقول «مؤسسة قطر لبناء الرأس المال البشري» - إن صح التعبير، والجميل في هذه المؤسسة الفريدة من نوعها في المنطقة انها أبصرت النور في ظل ظروف منطقية وصحية، وكل ما في الموضوع، انه عندما انعم الله سبحانه وتعالى نعمتي الغاز والنفط على هذه الدولة الصغيرة، كانت النتيجة أن العقول فيها اتجهت إلى رسالة فحواها هي إعداد شباب دولة قطر ودول المنطقة لمواجهة تحديات عالمٍ دائم التغيُّر، بالإضافة إلى الارتقاء بدولة قطر كي تتصدر مركزاً ريادياً في مجال التعليم الإبداعي والبحث العلمي، وهو ما دفع عقول أصحاب القرار أن لا تعتمد على الغاز والنفط كمصدر حيوي إلى الأبد، وإنما استغلال هذه النعمة وتسخيرها للاستثمار في بناء مؤسسة تنمي الثروة البشرية للمستقبل المنظور، وهو العمل الذي يحقق ضمانة وحيدة لازدهار دائم يكمن في قدرة الناس على التعلم والتكيف والابتكار.

وهو ما دفع إلى تبني أهداف مميزة على رأسها الصعود إلى مصاف مجتمع المعرفة والسعي لتوفير التعليم النوعي للأجيال القادمة بحيث يكتسبون المهارات الضرورية ويصبحون محترفين قادرين على شغل مناصب قيادية في البلاد.

لذلك نجد أن المؤسسة تحرص كل الحرص على تحويل قطر إلى دولة منتجة للمعرفة باختيار بعض الأفكار المبتكرة الجديدة ونقلها إلى مرحلة التسويق بغية تحقيق هدف تنويع الاقتصاد، حيث تمدّ المؤسسة يدها أيضا إلى شرائح معينة من المجتمع القطري وتعالج بعض القضايا الاجتماعية لتسريع عملية التنمية البشرية في اتجاهات مختلفة. وهو ما حققته المؤسسة في رحلة امتدت لأكثر من ست سنوات منذ عام ‬1995 وهو تاريخ إنشاء تلك المؤسسة، وذلك من خلال بناء عقول نيرة من الشباب الواعد من أبناء قطر في اختصاصات علمية مميزة من خلال مشروع ضخم يقدر بـ ‬1000 هكتار من الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات توفر المناخ المناسب للإبداع البشري.

هذه أهداف سامية وجميلة ولكن ما جعلني اشعر بالتناقض هو أن هذا العمل الضخم والذي يبني العقول ويهتم ببناء الكوادر البشرية، لا يتصور أن يدخل في عقد صفقة خيالية لرعاية فريق كرة قدم وهو فريق برشلونة الاسباني مقابل مبلغ خيالي ورقم فلكي يقارب ‬166 مليون يورو !! هذا المبلغ الضخم من المال الذي وان كنت ارى انه من الأجدر أن يتم استثماره في نفس المجال الذي تنطلق منه ايديولوجية المؤسسة القطرية بدلا من ضخها في خزينة النادي الكاتالوني، والذي لن يجني منه أي شيء بمجرد ظهور الاسم على قمصان لاعبي الكرة لفترة زمنية محددة ليس الا !!

إن المنطق يقول إن هذا الرقم الكبير يمكن أن يكون رصيدا ليس فقط لقطر بل لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها وخارجها، في مسيرة بناء العقول الخليجية لسنوات قادمة طويلة، فالتناقض يكمن في الهدف الذي تنطلق منه المؤسسة في بناء الرأس مال البشري وتنمية العقول الشابة للنهوض بالمجتمع ومواكبة التطور الملحوظ في شتى المجالات المختلفة من جانب، وعقد رعاية فريق كرة قدم اسبانية وليس وطنية من جانب آخر، بل وكنت أتمنى أن تذهب هذه الأموال إلى مؤسسة وطنية أو حتى خليجية بدلا من الذهاب إلى فريق لا يمت بصلة لنا لا من بعيد ولا من قريب، حيث كانت الأمنية أن تلعب المؤسسة نفسها هذا الدور التوجيهي في تصحيح أخطاء الغير بدلا من أن تكون هي من وقعت فيها.