ذات صباح أندلسي، خرجت صحيفة ماركا الإسبانية الشهيرة المتخصصة في عالم كرة القدم، والأكثر انتشاراً في البلاد، بعنوان بارز على صدر إحدى صفحاتها يقول: ريال مدريد يهنئ حارس مرمى الفريق السابق، خوليو إغليسياس، بمناسبة عيد ميلاده الثمانين.. البعض تعجب، لأن هناك من يحمل الاسم ذاته، وهو المطرب الإسباني الأكثر نجاحاً في العالم، وأحد أفضل الفنانين مبيعاً للتسجيلات في تاريخ الموسيقى.. وهو خوليو إغليسياس، صاحب الصوت الشجي الحائز على العديد من الجوائز في مجال الموسيقى، غرامي، غرامي اللاتينية، الموسيقى العالمية، بيلبورد الموسيقية، الموسيقى الأمريكية، ووسام جوقة الشرف من فرنسا، ونجمة في ممشى المشاهير في هوليوود منذ 1985 وغيرها.. المصادفة أن الشخصية كانت بالفعل واحدة، حيث أبدعت يوماً ما في الدفاع عن عرين «الملكي»، قبل أن تودع عالم كرة القدم، وتقرر «دغدغة» مشاعر عشاق الموسيقى الكلاسيكية بصوت عذب، وأغانٍ رومانسية وموسيقى حالمة.
مستقبل
العام 1962، خوليو إغليسياس حارس المرمى الواعد لفريق ريال مدريد الإسباني، توقع له الجميع مستقلاً باهراً في عالم اللعبة، منذ الصغر عشق «الملكي»، وكان مشجعاً من الدرجة الأولى، كان حارس مرمى الفريق الاحتياطي لفرق الشباب في ريال مدريد، هذا الشغف انتقل إليه من جده، وهو مشجع متحمس لريكاردو زامورا، حارس المرمى الأسطوري للمنتخب الإسباني بين عامي 1920 و1936.
حادث
22 سبتمبر 1963، وفي الصباح الباكر، جاء القدر ليقول كلمته للحارس الشاب، كنت تطمع في حراسة مرمى «الملكي»، لكنك للأسف لن تستطع، فقد تغير كل شيء منذ ذلك اليوم، بالفعل، انتهى كل شيء، كان في السيارة مع الأصدقاء المقربين للاحتفال بعيد ميلاده العشرين، وفجأة تتعرض سيارتهم لحادث مروري رهيب، كان خوليو أحد ضحاياه، أصبح مهدداً بالشلل طوال حياته، عام ونصف العام من البقاء على السرير «الأبيض»، وفترة طويلة من النقاهة بين تقارير الأطباء ومناقشات الخطوات المقبلة، من أجل الشفاء وإعادة التأهيل، وكان الواقع يقول: لن تمشي مرة أخرى أبداً يا صغيري، الأقدار وحدها قررت منحه الفرصة مجدداً، وتمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرى، لامست قدماه أرضية المستشفى للمرة الأولى، وبدأ السير، لكن بدون كرة القدم التي عشقها وحلم بها دوماً، وعليه الآن أن ينسى حلم التألق مع الساحرة المستديرة إلى الأبد.
حلم
تخلى خوليو إغليسياس عن حلم كرة القدم، وأطلق العنان لجانب جديد لم يكتشفه في نفسه من قبل، وعن طريق الصدفة، بدأ في كتابة بعض كلمات الأغاني الحزينة والرومانسية ذات الشجن، اعتبرها العلاج الأمثل للخروج من تلك الحالة الصعبة، و«الأرق» الذي أصبح ملازماً له كظله، اعتبرها خطوة جديدة في طريق العلاج والتعافي، وفي أحد الأيام، قررت الممرضة، وتدعى «إلاديو ماغدالينو»، التي كانت ترعاه، أن تهديه جيتاراً، بعدما أعجبت بمهارته في كتابه الأغاني وصوته العذب، أعلنتها أمامه صراحة: سترحل عن «البرنابيو» ملعب ريال مدريد، وسترحب بك كل مسارح الغناء، وتنتظرك الحفلات أيها المبدع.. وبالفعل، بعدها كانت بدايات انطلاقة أحد أعظم وأشهر الفنانين اللاتينيين عبر التاريخ.
صداقة
ارتبط خوليو إغليسياس بعلاقات صداقة مع أساطير الكرة العالمية، مثل بيليه ومارادونا وكرويف وغيرهم، لكن صداقته المميزة كانت مع الجوهرة السمراء البرازيلي بيليه، هما شخصيتان عالميتان بارزتان في مجالهما، الغناء وكرة القدم، كانا في أوج شهرتهما في قارات العالم أجمع، جمعتهما الصداقة والتقدير المتبادل، لا سيما في السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت علاقتهما صداقة شخصية، حيث كانا يلتقيان في المناسبات الاجتماعية وحفلات المشاهير، وكانا رموزاً عالمية من حقب زمنية متقاربة، لكنهما لم يقدما عملاً فنياً مشتركاً، بل كانت علاقتهما تعكس تبادل الاحترام بين نجم عالمي بصوت ساحر، ونجم عالمي آخر يرسم الإبداعات بقدمه على المستطيل الأخضر.
نجاح
يُعتبر خوليو إغليسياس المولود في 23 سبتمبر 1943، أنجح من حقق أرقاماً قياسية في المبيعات الأجنبية، بينما في موطنه إسبانيا، باع أكبر عدد من التسجيلات في التاريخ بنحو 24 مليون تسجيل، هو المطرب الإسباني الأكثر نجاحاً على المستوى التجاري في العالم، وهو أحد أفضل الفنانين مبيعاً للتسجيلات في تاريخ الموسيقى، حيث بيع له قرابة 100 مليون تسجيل في جميع أنحاء العالم، بـ 14 لغةً، وتشير التقديرات إلى أنه قدّم خلال مسيرته الفنية أكثر من 5000 حفلة موسيقية، حضرها ما يزيد على 60 مليون شخص، في خمس قارات، وفي أبريل 2013، أدرج خوليو في قاعة مشاهير كتاب الأغاني اللاتينيين.
