تتزين البيوت الأردنية بالمصابيح الملونة و«أسلاك النور»، احتفاء بقدوم شهر رمضان، حتى تبدو الشوارع في جميع المدن أشبه ما تكون بـ«كرنفال بهجة» يستمر 30 يوماً.

ولا تميل الزينة الرمضانية إلى ما هو حديث من أنظمة الإنارة، فالمصابيح الملونة التقليدية والفوانيس تبقى بطلة المشهد، وذلك مع بعض لمسات الحداثة التي لا تطغى على الطابع العام، فالأصل هو التراث، فالشهر الكريم هو شهر استعادة الماضي وبعثه، وهكذا تتشكل الحالة الوجدانية العامة، وتسمو الروحانية فوق المادية.

وبعد تحري هلال رمضان تستقبل أحياء الأردن الشعبية الشهر في ليلة السحور الأولى بالتكبير والتهليل، وينتشر شذى البخور العربي فواحاً في الأجواء، ويصدح القرآن الكريم عبر مكبرات المساجد.

ومثلما تتزين الأحياء السكنية، تغدو الأسواق التقليدية في الأردن مسرح ألوان وأضواء متلألئة، وتنتشر على جانبيها السلع الرمضانية التي يقبل عليها الناس، وتبدأ عمليات «الفِصال» أو «التفاوض» بين جميع الأطراف، لكن التجار عموماً يميلون إلى التيسير على الناس، ويكتفون بأقل القليل من الربح، فحركة البيع النشطة تعوضهم عن ذلك.

وحتى مائدة الإفطار الأردنية تميل إلى ما هو تراثي وأصيل، إذ تتوارى الأصناف الغربية مثل «الدجاج المقلي» و«البرجر»، أمام الحضور البديع للمطبخ الأردني القديم، الذي يزخر بأصنافه الشهية، وعلى رأسها المقلوبة والمكمورة والمنسف، وتختفي المياه الغازية ليحل قمر الدين والتمر الهندي والخروب محلها، وتتوسط صينية الكنافة المائدة بعد الإفطار، تغرق في العسل والمكسرات، وإلى جانبها البقلاوة والمعمول ولقمة القاضي. ويزداد الإقبال كذلك على الخبز الأردني الشهي الذي يعد إلى جانب الأرز عنصراً غذائياً لا يغيب على موائد الصائمين.

وتهيمن أجواء الدفء الحنون على البيوت الأردنية التي تزدحم بالضيوف، إلى درجة أن هنالك أسراً لا يلتقي أفرادها من العام للعام إلا مع حلول الشهر، وذلك بالطبع بسبب مشاغل الحياة والعمل و«عصرنة الاتصال» أو بالأحرى «رقمنة التواصل الإنساني»، ما يجعل رمضان شهراً لإعادة ترميم صلات الرحم.

وتشهد بيوت العائلات الأردنية بكثافة ظاهرة المجالس الرمضانية، التي تشبه مجالس الخليج العربي، حيث يجتمع الكبار والصغار لمناقشة ما يروق لهم من شؤون، فيتحدث الشيوخ عن ذكرياتهم ذات الشجون، ويستمع إليهم باهتمام الشباب والأطفال، وتبدأ هذه المجالس يومياً بعد أن يؤدي الناس صلاة التراويح.

وبالتوازي مع هذه المجالس ثمة مجالس للنساء، يتلاقين فيها فيتجاذبن أطراف الحديث ويناقشن مشكلات تربية الأبناء وتعليمهم ويتبادلن وصفات الطعام، ونحو ذلك من أمور تهمهن في أجواء إيجابية حميمة، لا تحدث إلا في رمضان.