لا مقام أشرف للإنسان من مقام الوقوف على باب الله، والانطراح على أعتاب مولاه، فقد كان هذا هو دأب الصالحين العارفين بجلال قدر هذا المقام، وما زال أصحاب البصائر يسيرون خلف هؤلاء الكرام في مناجاة الملك العلّام، وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يقتفي آثار هؤلاء السالكين، ويتنسّم عبير أشواقهم للوقوف على أعتاب تلك الحضرة الإلهية التي لا يَعْدِلُها شرف في جميع المقامات، حيث تبوح الروح بأسرارها ويفيض القلب برجائه، ويستنير الوجدان بلحظات الصفاء التي تمنح القلب طمأنينته وسكينته.

بهذه الروح الخاشعة الطامعة بالعفو، يتوجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لربه الكريم بإعلانه الوقوف على قدم العبودية أمام باب مولاه طالباً منه كلّ ما يرجوه العبد ويتمناه، وفي رأس ذلك طلب المغفرة والصفح والرضوان، وكيف لا يطلب ذلك من المولى القريب الذي أخبرنا في كتابه بأنه قريب:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} فأثمر ذلك حسن ظنّ العبد بمولاه، فلذلك، وكما جاء على لسان سموه فإن من يلجأ لباب الله لا يخيب، فقد وعد الله عباده باستجابة الدعاء حين خاطبهم بما يملأ قلوبهم بالثقة فقال: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم}، وجعل النكوص عن دعائه مقابلاً للكفر والاستكبار فقال تعقيباً على تلك الدعوة الجليلة:

{إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، ولذلك لم يكن غريباً أبداً أن يقف العبد أمام باب مولاه ويده ممدودة بطلب العون والمغفرة والصفح، فهذا هو أصل العبودية ومن أعرض عن هذا الأصل فهو الخاسر، ومن أدمن قرع الباب أوشك أن يُفتح له، ولم يكن غريباً على باب مولاه بل هو من العبيد الملازمين لهذا الباب الذين تعوّدوا من مولاهم كلّ خير وعطاء.

وحين يستشعر العبد قُرْبَ مولاه فإنّه يندفع إليه بكل مشاعره، وها هو صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد يُعَبِّرُ عن ذلك أبلغ تعبير حين وصف إقباله على مولاه إقبال الواله وهو الذي يذوب شوقاً وحنيناً لمولاه، ويعاني من شدّة الشوق حتّى أصابه الدّنف وهو مرض الحنين الذي يشتدّ بجمر الشوق ويُعمّق الإحساس بصدق المحبة، ويغرس في النفس شجرة الرجاء، حين يعقد أمله على عفو الله تعالى الذي يحيط بالعبد وبجميع أحواله، ويصل إليه من آثار الجود الإلهي أوفى نصيب.