هناك أشياء كثيرة تعيش معنا ونعيش معها وتشكل أحد عناصر الحياة الحديثة، ولكن قد لا تثير لدينا أية أسئلة حول مفهومها ومسار تطورها. ومن هذه الأشياء "الباب" الذي ندخل عبره إلى بيوتنا، ونحتمي خلفه من نظرات الآخرين، وهو الذي يفصل بين عالمين، عالم الخارج وعالم الداخل. و"أصول الأبواب" هو بالتحديد موضوع كتاب الأستاذ في جامعة السوربون الفرنسية باسكال ديبي، كما جاء في عنوانه.
فماذا يعني باب؟ يسأل المؤلف.
ويجيب أنه قبل شيء "المعبر" بالنسبة للساكنين داخل البيوت أو الكتاب والمقرّات أو الملاجئ، إلى "الخارج". وانطلاقا من هذا التحديد يغدو لمفاهيم "الداخل" و"الخارج" و"المفتوح" و"المغلق" و"الأمان" و"الخطر" وثنائيات أخرى كثيرة مدلولاتها. ويضيف المؤلف أن البشر اعتادوا منذ الأزمنة القديمة القيام بـ"تحصين" الأماكن التي ينامون فيها، كما اعتادوا إقامة سياج حول الأرض التي يملكونها، وأرادوا باستمرار حماية أسرتهم أو قريتهم أو مدينتهم.
وفي كل الحالات جرى اللجوء إلى إقامة الأبواب التي أصبحت موجودة في كل مكان. هذا بالإضافة أنها في غاية التنوع حجما وأبعادا وزينة... هكذا وإلى جانب الأبواب العاديّة هناك أخرى غدت بمثابة صروح خلّدها التاريخ مثل "باب عشتار" في بابل، وهناك الأبواب الإغريقية، وأبواب- أقواس النصر الرومانية، التي كان يدخل منها المحاربون وقادتهم بعد المعترك. وأبواب أخرى كثيرة تزخر فيها مخيلة البشر وليس أقلها حضورا "أبواب الفردوس" و"أبواب الجحيم". لكن يبقى باب عشتار في بابل هو أحد أقدم الأبواب. والإشارة أنه موجود حاليا في متحف "بيرغام" بألمانيا.
ويشرح المؤلف أنه مع تقدّم المدينة وتنظيمها حسب قواعد محددة وصولاً إلى تثبيت أرقام على الأبواب. وتطورت بالتوازي العادات حسب المجتمعات حول تقاليد ولوج الأبواب. والإشارة أيضاً أن للدلالة على الباب تسميات متنوعة منذ القديم حتى اليوم.
ويؤكد مؤلف هذا الكتاب وجود تباين حقيقي في مفهوم الباب نفسه لدى مختلف الحضارات. فالحضارة الغربية ترى فيه عامة "الحد الذي يفصل البشر عن الخارج". وبهذا المعنى يكتسي الباب دلالة "الحاجز" و"الفاصل"، بينما أنه، أي الباب، يدل لدى العالم الشرقي عامة كـ"تعبير رمزي لمنزل الإنسان الخاص به".
وإذا كان الباب يشكل نوعا من حماية "الحياة الخاصة" في الغرب فإن أبناء مجتمعات الشرق الأقصى يعيشون "منكفئين" على أنفسهم باستمرار. وعلى الصعيد الجمالي يمثل لون الباب ووجهته دلالة محددة في آسيا، ويشرح المؤلف أن هناك دلالة لفتح باب الدخول إلى المنازل نحو الخارج أو نحو الداخل. في البلدان الإفريقية عموماً تنفتح الأبواب نحو الخارج، ذلك أن فكرة الانغلاق والانكفاء على الذات ليست موجودة أصلاً في إفريقيا. ثم إن الأقفال مثلاً موجودة من الخارج فقط، ذلك على أساس أنه إذا كان القاطنون في الداخل ينبغي أن يبقى الباب مفتوحاً. أما في المجتمعات الغربية فإن الباب ينفتح في جميع الحالات تقريبا نحو الداخل، ذلك في منظور "الالتجاء" خلفه عندما يكون البشر في الداخل.
ويحدد المؤلف القول إن وظيفة "البوّاب" وصلت إلى فرنسا، وبالتحديد إلى باريس، مع عملية إعادة الإعمار التي أمر بها نابليون الثالث ونفّذها هوسمان بعد هدم عشرات آلاف المنازل. الأبنية التي أعيدت عمارتها احتوت على سكن مخصص لـ"الحراسة". وهكذا نشأت وظيفة جديدة. وبما أنه كان القيام بمهام الوظيفة لا يتطلّب الخروج شغلت النساء نسبة كبيرة من "البوّابين".
وبرزت بالتوازي "شخصية البوّاب" في الأدب الفرنسي، كما تشهد على ذلك روايات عديدة على اعتبار أن "البوّاب" يعرف "أسرار" جميع سكان بنايته. ويحكي "كل شيء على كل الناس". وتعزز حضور شخصية البوّاب من خلال سينما سنوات الخمسينات. بكل الأحوال كان يتم اعتبار الكلب في السابق بمثابة "حارس الباب".
والباب هو بالنسبة لكل إنسان تعبير عن ثقافة وأبعد منها عن موقف من الآخر ومن الحياة.
الكتاب: أصول الأبواب
تأليف: باسكال ديبي
الناشر: متيلييه- باريس- 2012
الصفحات: 422 صفحة
القطع: المتوسط
Ethnologie de la porte
Pascal Dibié
Métailié - Paris- 2012
422 .p
