من المعروف عن هـ. ج. ويلز هربرت جون ويلز- هو أنه مؤسس ما يُعرف بأدب"الخيال العلمي". وكان قد قدّم في أعماله، على مدى حوالي نصف قرن من الزمن، صورة "متخيّلة" لما ستكون عليه معارك الدبابات والغارات الجوية لاحقا، بل وكان قد تحدّث عن التدمير الكبير الذي سينجم عن استخدام السلاح الذري.. وجميع ما أبدعه ويلز من "خيال علمي"، جاء الواقع في ما بعد كي يؤكّده.

إن سيرة حياة هـ. ج. ويلز، موضوع عمل أخير للكاتب والروائي البريطاني دافيد لودج، تحت عنوان: "رجل متعدد المواهب". ويأتي هذا العمل بعد آخر سابق له، كان المؤلف قد كرّسه للكاتب الأميركي الشهير هنري جيمس.

كان ويلز، المتوفى عام 1946، قد كتب كثيرا، ولديه مئات الكتب، منها قسم كبير في مجال روايات الخيال العلمي، ولكنه كتب أيضا في الرواية الاجتماعية والسياسية، ذلك بالإضافة إلى عدد من الكتب التي كرّسها لـ"تبسيط" النظريات العلمية. ولم يكن همّ ويلز، الكتابة فحسب، ولكنه كان يريد أن يغيّر العالم، وأن يعيش كل لحظة في حياته. وهذا ما يبدو بوضوح من خلال الصورة التي يرسمها له دافيد لودج، في هذا الكتاب.

إن المؤلف يبدأ حديثه عن بطله ويلز، خلال السنوات الأخيرة في حياته، وتحديدا في الفترة التي كانت فيها طائرات هتلر تقصف بريطانيا. ثم يعود، أي المؤلف، إلى الوراء للتوقف عند العديد من المحطات الرئيسة، أو التي يعتبرها رئيسة، في مسار حياة ويلز. وهكذا يتحدث عن ذلك اللقاء التاريخي، بين ويلز والكاتب الروسي الشهير مكسيم غوركي، صاحب رواية "الأم" الشهيرة .

ويروي المؤلف عن ويلز، انه خلال عمليات القصف الألماني الكثيف، في عامي: 1940 و1941، سمع ويلز كثيرين يتحدثون عن أن الرقم 13 يجلب سوء الطالع. وكرد فعل على ذلك، وكما كانت عادته في تمجيد الخرافة وليس الحياة، كتب الرقم 13 بحروف كبيرة جدا، إلى جانب باب منزله. ومن ما يؤكده المؤلف، أن ويلز، وطالما سمحت له صحته بذلك، ظل يعتمر خوذة حربية على رأسه.

وبقي يتخذ من سطح بيته مرصدا لمراقبة الحرائق في المناطق القريبة، بدافع حسّه الوطني. ولكن جزئيا، وبدافع ملاحظة مدى تحقق النبوءة، التي كان قد طرحها في روايته عن الحرب في الأجواء، والتي قال فيها ان السيطرة في الحروب القادمة، ستكون للقوة الجوية وسيتعرّض السكان، وكذا المدن للتدمير، خلال عمليات القصف الجوي المتكررة.

ويشير المؤلف الى أن ويلز، كان قد أخطأ عندما تصوّر أن عمليات القصف الجوي ستتم بوساطة مناطيد ضخمة (كبيرة مثل السفن) وليس طائرات. كما يشير المؤلف إلى أن دار نشر بنغوان، اعتبرت نبوءة ويلز مهمة وذات مصداقية، إلى درجة أنها قررت إعادة نشر روايته في العام 1941. وكتب ويلز في مقدمة الطبعة الجديدة: "قلت لكم ذلك، أيها الحمقى".

ويشير لودج الى أن ويلز كان على النقيض الكامل من هنري جيمس، في مختلف النواحي. وتدل أعماله التي بلغت المئات، على عدم اهتمامه بالكمال في أسلوبه. ولكنه كان يتمتع بقدر كبير من البلاغة الطبيعية، ومن السهولة في الوصف. وهذا مع الإشارة إلى أن أعماله في فترة الشباب، وخاصة رواياته في الخيال العلمي، تتميز بقدر كبير من الشاعرية.

وأما نقطة تميّزه الأكبر، فقد تمثلت في مخيلته الخصبة، عندما كان يريد وصف الكوارث. وهذه الميزة ليست بعيدة عن الشهرة التي لا يزال يتمتع بها، حتى الآن، حسب رأي المؤلف. وذلك أن العالم اليوم يعيش، أكثر من أي وقت مضى، تحت وطأة الخوف من كارثة كبرى، على صعيد البيئة أو انتشار الأوبئة أو غير ذلك. وكان ويلز قد تصوّر (مرتين)، تصادم بين أحد المذنّبات الفضائية والأرض.

ويبين المؤلف أن ويلز تجرأ على توجيه النقد العنيف الى الاتحاد السوفييتي (السابق)، في سنوات الثلاثينات من القرن الماضي، وقطع صلاته مع اليسار (المعجب بستالين). وأما علاقته الحميمة بالصحافة، فيعيدها المؤلف إلى المال الكثير الذي كسبه منها.

ويؤكد المؤلف أن ويلز استفاد كثيرا من الحقبة التي عاش فيها، إذ كان الكتّاب هم "ملوك الثقافة". وكان الجمهور نفسه مثقفا، ولديه شهية كبيرة لما هو مكتوب، إلى جانب إفراطه في الكتابة. وذلك لم يحصّنه من كتابة بعض النصوص الخفيفة، إلى جانب الاخرى: الجدية الكبرى (ولكنها كانت قليلة العدد). ويختم المؤلف: ".. ومع ذلك، فلا مثيل له اليوم).

 

 

 

 

المؤلف في سطور

 

دافيد لودج، من مواليد مدينة لندن في العام 1935. عمل بمجال التدريس في جامعة برمنغهام ما بين عامي: 1960-1987. وسبق له أن قدّم ما يزيد عن 20 كتابا، وفي عدادها: المؤلف، سيرة حياة هنري جيمس، آلة سبر الزمن، حرب العوالم.

 

 

 

الكتاب: رجل متعدد المواهب

تأليف: دافيد لودج

الناشر: فنتاج لندن 2011

الصفحات: 580 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

 

A man of parts

David Lodge

Vintage - London- 2011

580 .p