الشمس، هذا الكوكب المضيء الذي يبعث الحرارة في الكون والنفوس، هو بعيد.. بعيد. لم يصله أبدا أي إنسان، ولن يصله أحد في أي يوم من الأيام. هكذا يقدّم المهندس والفيزيائي البريطاني وعضو الجمعية الملكية البريطانية لعلم الفلك، توني بركستون، لكتابه هذا، بعنوان: "شمسنا".
الشمس أبعد من متناول البشر.. هذا ما يؤكده المؤلف، بأشكال مختلفة، قبل أن يسأل: "كيف يمكننا أن نعرف إذن، آليات عمل الشمس ومنظومتها؟ وينطلق من هذا التساؤل، ليحدد هدفه من الكتاب- الدليل، عبر شرح وتقريب المعارف المحصلة حول هذا الكوكب، إلى عقول الذين يهمهم مثل هذا الموضوع. وكذلك التعريف بالطرق والأدوات التي استخدمها العلماء من فيزيائيين ورياضيين، وعلماء فلك، غاية الحصول على فهم أكبر لهذا الكوكب المضيء.
النقطة التي ينطلق منها المؤلف في تحليلاته مفادها أن القارئ لا يمتلك أية معرفة أساسية في مجال علم الفلك أو علم الفيزياء الفلكية الشمسية، وبالتالي، يمكن له أن يتتبع مسار التحليل المرسوم بمجرد امتلاكه لجوانب فضول الاطلاع والتعرّف. ولكن المؤلف لا يتردد في تأكيده أن المادة المقدمة، ستكون ذات فائدة بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون بعض المعارف في مجال الموضوع المدروس.
يتحاشى المؤلف، الخوض في مجالات الرياضيات التي تتطلب درجة عالية من التجريد، وبالتالي من الاختصاص. ويتم الاكتفاء ببعض الصيغ الرياضية البسيطة التي ربما تساعد في عملية الشرح للقارئ المتخصص. ويبقى الهدف الأساسي من هذا العمل، تقديم مجموعة من المعارف الأساسية التي يمكن أن تشكّل قاعدة صلبة للمبتدئين في رحلة الخوض بمجالات العلوم عامة، وللراغبين في التعرّف على المنظومة الشمسية الرائعة التي تعمل بدقة لا تحتمل معها أي خلل، مهما كان بسيطا.
ويوضح المؤلف، أن الشمس، شمسنا، هي مركز المنظومة الشمسية الذي تدور حوله الأرض والكواكب الأخرى. وتشكل الشمس وحدها 99.86 في المئة من كتلة المنظومة الشمسية. كما ان الطاقة الشمسية بالطريقة التي تصل فيها إلى الأرض، تسمح بوجود المياه والنباتات.
ويعيد علماء الفلك إليها مختلف الظواهر المناخية التي تحيط بنا في الأرض. ثم إن حوالي 99.98 في المئة من الكثافة الحرارية، على سطح الأرض، من مصدر شمسي. وتشير المعلومات التي أقرها العلماء المتخصصون، الى أن أشعة الشمس تحتاج إلى ثماني دقائق و19 ثانية للوصول إلى الأرض.
ويلفت مؤلف الكتاب الى ان التوصيفات التي أطلقها البشر في هذا الشأن، تتنوع كثيرا، إذ يعبّر عنها البعض بـ: "روح العالم". ويسميها آخرون: "سيدة النجوم"، وغيرهم :"الشعلة الكبرى". إضافة الى توصيفات أخرى عديدة. والشمس تدور حول نفسها بفترة تعادل 27 يوما تقريبا. وهذا مع تدقيق القول انه.
ولكون الشمس ليست جسما صلبا، فإن دورانها لا يتم بالإيقاع نفسه. وهكذا مثلا، فهي تدور بسرعة أكبر حول نفسها في أميركا الجنوبية (حوالي 25 يوما)، بينما يستغرق دورانها حول نفسها في المنطقة القطبية، حوالي 35 يوما.
ومن المعلومات التي يتم تقديمها عن الشمس، في سياق حديث المؤلف عن تاريخية بعض الظواهر وتطوّر المعارف حولها، هو أن أقدم ظاهرة لكسوف الشمس، رصدت، تعود إلى العام 1223 قبل الميلاد. وهذا ما يتم توثيقه على طاولة من الفخّار موجودة في آثار حضارة اوغاريت في سوريا. وكانت قد تعددت النظريات حول طبيعة الشمس وحجمها وبعدها عن الأرض.
ويذكر المؤلف أن الفيلسوف اليوناني اناكساغور، كان اعتبر الشمس بمثابة جسد كبير، بعيد عن الأرض. وقدّر قطرها بحوالي الـ 56 كيلومترا. وكانت الأفكار التي قدمها، تخالف المقولات الشائعة في عصره، مما عرّضه إلى تهديدات كثيرة، قبل أن يتم نفيه من أثينا.
وسادت بعد ذلك، ولفترة طويلة، الفكرة القائلة بأن الشمس ثابتة في مركز العالم، وانها والقمر والكواكب الأخرى، تدور حول الأرض. وكان كوبرنيك، قد قدّم في عام 1543، تصوّرا شبيها للكون المحيط، بحيث اعتبر الشمس في المركز، والأجرام الأخرى هي التي تدور حولها.
وفي عام 1644 صاغ ديكارت نظرية مفادها أن الشمس هي كوكب. ثم كانت نظريات غاليلي غاليليو، ومن جاء بعد ذلك، تهدف إلى معرفة فيما إذا كانت الشمس ثابتة وكذا الكواكب الأخرى، بينما ان الأرض وغيرها، هي التي تدور حولها.
وتجري الإشارة في هذا السياق، إلى أن العلماء يلجؤون إلى الطريقة نفسها، التي يستخدمها المتخصصون في مجال الزلازل الأرضية، عندما يدرسون الموجات الناتجة عنها، من أجل تحديد البنية الداخلية للأرض. وذلك عبر دراسة الموجات الضوئية، غاية محاولة التعرّف، بطريقة غير مباشرة، على البنية الداخلية للشمس.
الكتاب: شمسنا
تأليف: توني بروكستون
الناشر: يونيفرس لندن 2011
الصفحات: 228 صفحة
القطع: المتوسط
Our sun
Tony Broxton
Universe - London- 2011
228 .p
