يوضح كتاب" "أسئلة حول انطلاق الربيع العربي"، لمؤلفيه عبد الحي مودن، عبد الأحد السبتي، إدريس كسيكس، أن الثورة التونسية، والتي توصف بالكتاب ب" الرجة الثورية"، شكلت مفاجأة كبرى بالنسبة للباحثين في العلوم الاجتماعية، لأسباب كثيرة، ونجد ان الطيب بن الغازي، يجملها ف في تقديمه لهذا الكتاب، الصادر حديثا ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في سلسلة "بحوث ودراسات"، في ثلاثة أسباب:

أولا، لأنها وقعت في بلدان تحكمها أنظمة سلطوية لم تعرف أي تغيير ذي بال منذ عدة عقود، على العكس من ما عرفته مناطق أخرى من العالم، مثل أميركا اللاتينية في الستينيات من القرن الماضي، وآسيا في الثمانينيات من القرن نفسه )، وايضا سقوط الديكتاتورية في كل من أندونيسيا والفيلبين( وكذا الحال في بلدان المعسكر السوفيتي، إثر سقوط جدار برلين).

ويشير الطيب بن الغازي، الى انه، ورغم كون بعض هذه البلدان عرف انفتاحا سياسيا، إلا أن ذلك الانفتاح بقي محدودا، وذا طابع تكتيكي كان الهدف منه دعم النظام السلطوي وتقويته. ولذا كان الاعتقاد الراسخ، مفاده ان صعوبة زعزعة تلك الأنظمة السائدة.

واما ثاني تلك الاسباب، حسب بن الغازي، فلأن متزعميها شباب - وهم كثلة طالما اعتبرها الخطاب السائد في العلوم الاجتماعية، غير مبالية بالشأن السياسي - وظفوا بشكل مبدع وخلاق ما أتيح لهم من وسائل الاتصال الجديدة، وخاصة مواقع الشبكات الاجتماعية مثل ال"فايسبوك" و"اليوتوب" و"تويتر".

وكان الاعتقاد السائد هو أن المحرك الرئيسي للحركات الاجتماعية في المنطقة، لن يكون إلا إسلاموي، فجاءت الرجة الثورية بشعاراتها المتمحورة حول حقوق الإنسان والديمقراطية، كما هو متعارف عليها كونيا، لتدفع البعض إلى نعتها بالحركة ما بعد إسلاموية.

ومن ثم ثالثا، لأن الفكرة الرائجة بخصوص إقرار الديمقراطية في المنطقة، هي كونها تأتي نتيجة الضغوطات التي تمارسها الدول الغربية على حكوماتها، وليس استجابة لمطالب شعوبها.

وتواكب موضوعات بحث وتفصيل الكتاب، بمختلف محاورها، جملة المتغيرات في المنطقة، وذلك من خلال ما تضمه من اوراق بحث وتفصيل ونقاش، كانت قدمت في 15 مارس من السنة الماضية، ضمن فعالية مائدة مستديرة نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، حول موضوع "الأوضاع الراهنة في العالم العربي"، وذلك مواكبة من الكلية لما يجري في الواقع العربي، وتتبعا لقضايا العالم العربي اليوم، التي صارت تطرح الكثير من الأسئلة الملحة، وتستدعي من الأكاديميين تقديم اية حلول، حتى ولو أجوبة تقريبية عنها.

ويقدم الباحث عبد الحي مودن، مساهمته بالكتاب، ضمن مقاله "الرجة الثورية العربية على ضوء نظريات الثورات الاحتجاجية" قبل اندلاع ثورة الياسمين بتونس، والفل بمصر.

ويناقش فيها، بشكل مركز، الأطروحات المركزية للنظريات التي درست الثورات، كما يتناول بالنقد والتحليل، المقاربات الرئيسية للحركات الاجتماعية، ويستعرض ما يمكن أن تفيده مختلف هذه المقاربات في فهم أسباب وصيرورة ومآلات الرجة الثورية.

وأما عبد الأحد السبتي، فيقترح في مقاله المعنون :بـ "الشعوب العربية وعودة الحدث"، قراءة للحدث ترتكز على المفارقة الكبرى، التي يحملها ألا وهي: "جدلية العالمي والمحلي"، ويتناول توظيف الشباب الثائر للتكنولوجيا في معركتهم من أجل التعبئة، ووسائل الإعلام وعلاقتها بتحولات العالم العربي.

في حين يقوم إدريس كسيكس في مقاله المعنون بـ "الظاهر والباطن في ثورة الشباب"، بتفكيك الممارسة الإعلامية، التي تسرف في وصف الآني، وتقوم باختزال الظاهرة الثورية في المنطقة في تعبيرات ضيقة، مثل: "ثورة الشباب"، "ثورة رقمية"، "ثورة ضد الاستبداد"، "ثورة من أجل الحرية"، "ثورة من لا حق له". وحلل هذه التعابير التي تختزل تصورات مبطنة.

وخلص إلى أن معادلة الحرية في هذه الثورات تبدو معقدة، وأن تدبيرها يعوزه بعد النظر، وأنه بقدر ما نجد عند أصحاب هذه الثورات رغبة جامحة في التخلص من رموز النظام القائم، بقدر ما ينتابهم الشك في قدرة الفاعلين في الحقل السياسي، على المرور من ضرورة الحرية إلى وجوب العدالة، أو بشكل أوضح من دول مغرقة في التقليدانية إلى دول حديثة.

 

 

 

 

مفاهيم وصدى

 

يمدنا الكتاب بمفاتيح فهم لطبيعة "الرجة الثورية" التي عرفتها تونس، ومصر، وامتدت إلى بلدان أخرى بمنطقتي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ووجدت لها صدى، في حركات احتجاجية تعرفها غيرهما من المناطق كإسبانيا مثلا.

 

الكتاب: أسئلة حول انطلاق الربيع العربي

تأليف: عبد الحي مودن عبد الأحد السبتي إدريس كسيكس

الناشر: كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط 2012

الصفحات: 62 صفحة

القطع: المتوسط