بعد أن كتبت المؤرخة البريطانية سير حياة عدد من مشاهير عصرها والعصور السابقة، تكرّس كتابها الأخير للحديث عن" الملكة إليزابيث الثانية.. حياتها في عصرنا". وذلك بعد ان كانت قد قدّمت في عام 1996، كتابا تحت عنوان: "إليزابيث: سيرة حياة صاحبة الجلالة الملكة".

وإذا كانت المؤلفة تكتب سيرة حياة ملكة بريطانيا، فإنها تقوم بعملية ربط بين هذه السيرة وتاريخ بلادها، من خلال النظر إلى بعض المحطات الملكية في حياتها، عبر المسار الوطني البريطاني. وهكذا تتم الإشارة إلى أزمة التنازل عن العرش، بالتزامن مع مسيرات الجوع.

وكذلك تلفت إلى حدث هام في حياة الملكة، وهو زواجها الذي كان مناسبة لإقامة احتفالات شعبية كبيرة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك ما وصفه ونستون تشرشل عام 1948 :"كان ذلك بمثابة بقعة من اللون على الطريق الرمادي الذي كان علينا أن تخرج منه"، كما تنقل عنه المؤلفة.

ترسم برادفور صورة واضحة متكاملة لمسيرة حياة الملكة إليزابيث الثانية، في سياق من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها بلادها. والملاحظ أنها، أي المؤلفة، تستشهد بالجملة السابقة التي قالها تشرشل، مرات ثلاث، كنوع من الدلالة على أن التاج البريطاني، لعب دورا مركزيا في زرع روح الثقة والتفاؤل لدى شعبه. وهذا بالتحديد ما أراده من استخدام الأحداث الخاصة، كـرافعة للشأن العام.

الواضح أن مؤلفة الكتاب، تعرف جيدا أجواء حياة الملكة إليزابيث الثانية، من الداخل. وذلك خاصة أنها أمضت عقودا طويلة، مقربة من القصر الملكي. وهي تصف الملكة بأنها "أرستقراطية مقاومة"، والأمير الشاب فيليب، بأنه "صعب المراس".

وترى المؤلفة أن الملكة عاشت طفولة مغلقة على نفسها، بعيدا عن الاختلاط بالآخرين. وأما عمّ الملكة دوق غلوسيستر، فتصفه المؤلفة : "رجل محدود الذكاء، كان همه اليومي الأكبر، قتل الفئران في شرفة القصر". وتبقى الأوصاف التي ترددها المؤلفة في هذه السيرة، عن الملكة اليزابيت الثانية، وهي أنها مثل والدها الذي كانت تكنّ له حبا كبيرا"، تتمتع بـحس واقعي وبالهدوء. وأنها: "خجولة ومطيعة ومهذبة".

ومن المعلومات التي تقدمها المؤلفة عن الملكة، اعتمادا على مصادر لا تفصح عن هويتها بدقة، والاكتفاء بالقول ان مصدرها: "هو أحد المستشارين المقرّبين من الملكة"، تأكيدها أنها، أي الملكة، كانت ترى في مشاركة بريطانيا بالعمل الحربي الثلاثي على مصر عام 1956، وبالعمل نفسه، عملا غبيا.

كذلك تصف ما جرى عام 1986، عندما تم السماح للصحافة بأن تتحدث عن خلافاتها مع رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك، مارغريت تاتشر، إنما كان تصرفا خاطئا . وأيضا كانت خاطئة سياسة الحكومة البريطانية، حيال حكومة جنوب إفريقيا العنصرية. وبهذا المعنى تريد المؤلفة القول ان الملكة لم تكن مجرّد صورة منفصلة عن الواقع، بل انه كان لها آراء كثيرة، في ما يجري حولها من أحداث.

ويجري التأكيد على أنه كان للملكة مواقفها في فترة عرفت تبدلات عميقة، على أصعدة الثقافة والتطور التكنولوجي، خلال فترة الستين سنة التي تجلس فيها على عرش المملكة البريطانية، طوال سنوات عمرها الذي يناهز التسعين سنة.

وتعود المؤلفة إلى عام 1952، عندما كانت اليزابيت تقوم بزيارة إلى كينيا. ولم تعرف، حينها، ولعدة ساعات، أن الملك كان قد توفي أثناء نومه. ثم تشرح المؤلفة، على مدى فصل كامل، كيف أن عم الملكة، ادوارد الثامن، قرر التخلّي عن العرش الأيرلندي، فخلفه أخوه البير الذي اتخذ اسم جورج السادس، كتعبير عن الاستمرارية.

اشتهرت اليزابيت الثانية عند وصولها إلى التاج، بأنها امرأة تقليدية ومحافظة. وذلك على النقيض تماما، من شهرة الرجل الذي تزوجت منه، أي دوق ادمبورغ. وعند تتويجها على العرش سادت في بريطانيا فكرة مفادها أن البلاد ستشهد فترة من الاستقرار والازدهار. ولكن سرعان ما ترسّخت قناعة مفادها أن بريطانيا، ربما انتصرت في الحرب العالمية الثانية، لكنها غدت مهددة بفقدان السلام.

واعتبارا من سنوات الستينيات من القرن الماضي، استعاد التاج البريطاني، الكثير من مكانته ورونقه، بالتزامن مع تغيّر في السياسة الإعلامية للقصر، وتبنّي سياسة إظهار العائلة الملكية كنموذج للانفتاح. ولكن عادت صورتها باهتة، في سنوات التسعينيات، مع اهتمام الصحافة بنمط حياة الأمير شارل، وعلاقاته وزواجه من ديانا، ثم موت الاخيرة، والذي أعقبه وفاة الملكة-الأم.

وفي الفصول الأخيرة، تناقش المؤلفة طبيعة علاقة الملكة إليزابيث الثانية مع رؤساء حكوماتها، حيث تتم الإشارة إلى أنها أقامت علاقة جيدة معهم، باستثناء ادوار هيث ومرغريت تاتشر. وبالمقابل، تؤكد سارة برادفورد، على أن الملكة فضّلت باستمرار، مجموعة دول الكومنولث على مشروع التكامل الأوروبي.

 

 

 

 

الكتاب: الملكة إليزابيث الثانية.. حياتها في عصرنا

تأليف: سارة برادفورد

الناشر: بنغون- لندن - 2012

الصفحات: 320 صفحة

القطع: المتوسط

 

Queen Elizabeth II

Sarah Bradford

Penguin - London- 2012

320 .p