«حرب الإبادة الاسبانية»، كتاب جديد عن الحرب الأهلية الاسبانية. وصاحبه هو المؤرخ البريطاني بول بريستون، المتخصص بالتاريخ الاسباني عامة، وتاريخ اسبانيا خلال فترة الحرب الأهلية خاصة.
ويعود المؤلف في كتابه الى البحث عن الجذور الإيديولوجية لفورة العنف في اسبانيا، خلال شهر يوليو من عام 1936. كذلك يقوم المؤلف بنوع من إعادة بناء لأجواء الحرب الأهلية الاسبانية، مع التعرّض لذكر تفاصيل المذابح التي اقترفها جيش الجنرال فرانكو أثناء تقدمه، وأيضا تفاصيل تجاوزات السياسة الجمهورية بمواجهة القمع المفروض من قبل فرانكو. ويرى المؤلف أن الحكم على الماضي بالنسبة للمعنيين بالتاريخ الاسباني، يقتضي بالضرورة معرفة ما جرى حقيقة، وهو يقدّم في هذا العمل ما يمكن اعتباره جملة مفاتيح تكفل معرفة الحقيقة، من خلال معرفته الاستثنائية المأخوذة من مصادر مباشرة وغير مباشرة.
والمؤلف- المؤرخ البريطاني، يقوم في هذا الكتاب بالمهمّة، بإلقاء الضوء على التاريخ الاسباني القريب. ولكن النتيجة هي في الواقع تبيان مدى شراسة القمع والقسوة المتعمّدة التي مارسها فرانكو وأنصاره. ذلك القمع الدموي الذي حطّم الأسطورة التي يرددها بعض الاسبان، ومفادها أن فرانكو كان دكتاتورا لطيفا.
إن بول بريستون يقدّم العديد من البراهين على أن الجنرال فرانكو، أعدّ وتبنى خططا جهنمية تفضي الى حبس وتعذيب وإخفاء وقتل آلاف الأشخاص، لأسباب إيديولوجية وسياسية. ومن ثم يؤكد المؤلف على أن تلك الممارسات استمرت إلى هذه الدرجة أو تلك، حتى بعد نهاية الحرب الأهلية الاسبانية.
ويجد القارئ في مختلف فصول الكتاب، كمية كبيرة من الإحصاءات التي تذهب كلها باتجاه تأكيد الرعب الذي يرقى إلى مصاف المجزرة الحقيقية، وإجراءات الإبادة التي جرى تنفيذها بـدم بارد. وبهذا المعنى يرى المؤلف أن أصداء عمليات الاغتيال المنهجي في الحالة الاسبانية، تتناظر مع ما جرى في روسيا الستالينية وألمانيا النازية.
ويفتح المؤلف باستمرار، قوسين، للتأكيد على أن أعمال فرانكو المرعبة، تجد أصداءها أيضا، في ممارسات الجمهوريين، خلال السنوات الثلاث الأولى التي أعقبت انتفاضة عام 1936، ضد حكومة كانت قد وصلت إلى السلطة بالانتخاب. وكان ثلثا رجال الكنيسة في منطقة كاتالونيا قد لقوا حتفهم، وبالإجمال وضعت الحرب الأهلية الحد، لحياة ثلث رجال الكنيسة على الأقل، في المناطق التي كانت تخضع لسلطتهم.
ومن الخصوصيات التي يذكرها المؤلف بالنسبة للحرب الأهلية الاسبانية، قوله ان القسم الأكبر من الضحايا، لاقى حتفه في المناطق البعيدة عن خطوط المواجهة. وهكذا بلغ عدد الضحايا من المدنيين، ما يزيد على 000 200 ضحية، على يد المجموعات المعروفة بـ"كتائب الموت"، وكان قسم كبير من أولئك الضحايا، دفع حياته ثمنا، على خلفية خلافات شخصية أو محليّة.
وكان معسكر المنتصرين، معسكر فرانكو، قد مارس عمليات انتقام رهيبة، تحت عنوان الثأر، ذهب ضحيتها ما يزيد على 20000 شخص، حسب الأرقام التي يقدمها المؤلف، أغلبهم من المعارضين، بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين تم زجّهم في السجون، أو الذين عرفوا طريق المنفى، أو عانوا من حالة مدقعة من الفقر. إن فرانكو قام بـعملية استثمار للرعب. وذلك الرعب كان بمثابة السياسة الرسمية التي تبنّاها. أما بالنسبة لاسبانيا الجمهورية، فكان الرعب بمثابة نتيجة للفوضى والحقد والجهل وانتشار العصابات.
ولم تكن المقابر الجماعية قليلة على مدى عدة عقود من الدكتاتورية. ولكن حالة من الصمت المطبق، سادت لدى الاسبان، حتى بعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975. ولم يتم الكشف عن تلك المقابر. ويشير المؤلف الى أنه وجد في الدراسات المحلية، حول هذه المقابر، أحد مصادر معلوماته. كما يجد أحد مصادر عنف جيش فرانكو في سوابق ممارسة عنف الجيش الاستعماري الاسباني في إفريقيا، وخاصة في بلدان شمال افريقيا العربية، التي كان يرى في أبنائها بشرا من درجة أدنى.
وينقل المؤلف عن الجنرال ايمليو مولا، الذي كان أحد الرجال الذين يحيطون بفرانكو، قوله حيال المعارضين والمناوئين لنهج الدكتاتور: "من الضروري إشاعة الرعب، وعدم التردد في إبادة جميع أولئك الذين لا يفكرون مثلنا أو يعارضون طريقتنا في التصرف". ويضيف : "أولئك الذين يعارضون انتصار الحركة، الرامية إلى إنقاذ اسبانيا".
وما يؤكده مؤلف الكتاب، أن اتساع درجة العنف ورقعته، جعل الحياة الإنسانية سلعة رخيصة. ومن بين أولئك الذين ذهبت حياتهم رخيصة، الشاعر فريديريكو غارسيا لوركا. ولم يكن القتل هو الممارسة التي يتم تنفيذها بصورة منهجية، ولكن أيضا الاغتصاب وإذلال النساء.
الكتاب: حرب الإبادة الاسبانية
تأليف: بول بريستون
الناشر: هاربر برس- لندن - 2012
الصفحات: 720 صفحة
القطع: المتوسط
The spanish holocaust
Paul Preston
Harper Press- London - 2012
720 .p
