لم يكن باسكال يحلم سوى بشيء واحد، وهو أن لا يكون هدفاً للنظرات الفضولية التي يلقيها عليه المارّة الذين يصادفهم في الشارع. كان يحلم أن يعيش حياة طبيعية، وأن يعمل ويتسلّى ويحب مثل جميع البشر. وهكذا يتم توصيف حالة باسكال، قبل القيام بالعمل الجراحي.
وانطلاقاً من هذه الحالة العيانية الفردية، يرى الأستاذ لوران لونتييري أن هناك مئات الآلاف من البشر الذين يريدون تغيير وجههم، من أجل تغيير حياتهم. وهذا له طريق واحد، وهو القيام بعملية "زرع وجه". وهذا بالتحديد ما يرويه جرّاح التجميل، ذو الشهرة العالمية، في هذا الكتاب بـ"صيغة يوميات".وقصة الوجه لا تعني فقط أولئك المرضى الذين يتلقون وجهاً جديد.
ولكنها أيضاً قصة أولئك الذين يقررون التبرّع بوجودهم. وهذا يطرح عدداً من الأسئلة، من نوع: كيف يمكن للإنسان أن يعيش بوجه إنسان آخر؟ كيف يمكن زراعة وجه؟ ما هي المشاعر والتساؤلات الإنسانية التي تطرحها مثل هذه العملية؟يمثل هذا الكتاب بأحد أوجهه، مغامرة طبيب جرّاح تجميل مع فريقه الطبي. وهكذا يتم توصيف إيقاع الحياة اليومية لعملية زرع وجه.
وذلك الإيقاع، يتخلله خاصة انتظار وتوتر، أثناء البحث عن مانح تتوافق صفات وجهه طبياً، مع المريض الذي سيستقبل الوجه، وحالة من الانتظار والقلق بسبب المدة الزمنية التي يستغرقها إجراء العملية، بحيث يمكن أن تستمر 48 ساعة. ثم هناك خطر الفشل، إذ لا يمكن ضمان النجاح بشكل كامل.
وبالتالي هناك هامش المخاطرة التي يجد المعنيون، من أطباء ومانحين ومرضى، أنفسهم، أمامها. ويقول المؤلف: "كتبت هذا الكتاب كي يفهم البشر كيف تجري الأمور عندما يكون المرء جرّاحاً، وكيف يمكن الوصول إلى مثل هذه المغامرة". ويؤكد المؤلف-الجراح في هذا السياق، أن مغامرته تعود إلى عام 2005، عندما أخبره أحد زملائه الأطباء، بإجراء أول عمل جراحي من نوعه في الولايات المتحدة، وهو يخص زراعة وجه لسيدة تعرّضت للعضّ في وجهها، من قبل كلبها.
ويومها حدد لنفسه هدفاً، يتمثل بالبرهان على أنه يمكن للإنسان العيش بوجه إنسان آخر. إن المؤلف يتحدث في كتابه عن العمليات الخمس التي قام بها حتى الآن، والتي أعطى فيها من جديد، للأشخاص الذين أجريت لهم العمليات تلك، وجهاً إنسانياً.
وذلك بعد ان كانت الأمراض أو الحوادث الطارئة، قد جعلته ذا مظهر مرعب. والعمليات التي أجراها أعادت للمعنيين بها: أنفاً وفماً وجبهة، وأيضاً أعضاء الوجه الأخرى. ولكن المؤلف-الطبيب، يستدرك مباشرة، ليؤكد أن أولئك الذين يصادفون المرضى الذين جرت لهم عملية زراعة وجه، يدركون مباشرة أنه قد أجريت لهم عمليات كبيرة. ومع ذلك، يعلن عن اعتزازه بكون أنه قد أعطاهم فرصة العيش مع البشر الآخرين المحيطين بهم.
ويشير المؤلف الى أن مريضه الأول، المدعو باسكال، كان قد أصيب بمرض عصبي- وراثي، شوّه وجهه تماماً، إلى درجة أنه عانى صعوبة تثبيت النظر إليه، وهو الطبيب الجرّاح الشهير الذي رأى الكثير من المشوهين خلال مسيرته الطبية، المهنية الطويلة. وأما اليوم، فما يؤكده المؤلف، أن باسكال ينتقل في الحافلات العامة أو المترو الباريسي، ولم يعد هناك من يستدير للتحديق به، عند مروره. وهذا مع التأكيد على أن وجهه الجديد يبقى ليس مألوفاً تماماً، كوجوه بقية البشر، مثل من يتعرّضون لحادث سير ويثيرون لدى الآخرين، الإحساس بالشفقة عليهم، وليس الضيق من رؤيتهم.
إن باسكال الذي يبلغ اليوم 32 سنة، يعمل حالياً في أحد دوائر البريد. ولا يثير وجوده أية مشكلة في محيط عمله، بعد أن كان قد اجتاز جميع امتحانات الكفاءة لممارسة وظيفته. ولكن المؤلف- الطبيب، يؤكد أنه لا يعرف شيئاً عن الحياة العاطفية وقصص قلوبهم.
وفي كل الحالات، يركّز لوران لانتييري، على أن أولئك الذين يسيرون اليوم بوجه جديد، يعتبرون أن هذا هو وجههم، وذلك منذ اللحظة التي يستيقظون فيها بعد العمل الجراحي. وأما تفكيرهم الأول فيذهب نحو الامتنان حيال الشخص الذي منحهم وجهاً جديداً، غير الوجه المشترك الذي كانوا سجناء وراءه.
الكتاب: لكل وجه حكاية
تأليف: لوران لانتييري
الكسندر ديوك
الناشر: فلاماريون
باريس 2012
الصفحات: 208 صفحات
القطع: المتوسط
Chaque visage a une histoire
Laurent Lantierri, Alexandra Duyick
Flammarion - Paris- 2012
208 .p
