يمثل الحقل الثقافي أحد مراكز الاهتمام في النقاشات الدائرة داخل المجتمع الأميركي، وفي الكتاب الذي يحمل عنوان "الثقافة المفتتة"، يناقش المساهمون، الذين تعمل أغلبيتهم في الجامعات الأميركية الكبرى، مسألة العلاقة بين الطب الأميركي والتنوع الثقافي في المجتمع، وذلك بالتحديد، من زاوية ما يسميه المساهمون بـ: الوجه الإنساني للرعاية الصحية في أميركا.
إن المساهمين في الكتاب يولون أهمية خاصة في بحثهم للأصول الثقافية للمرضى، وكذلك لأصول أولئك الذين يقومون بتقديم الخدمات الطبية وغيرها من مستلزمات الصحة. ومن خلال هذا كله، تتم دراسة حركات الهجرة في الولايات المتحدة الأميركية.
وهكذا تتم الإشارة إلى أن أول مركز طبي أنشئ في أميركا، كان بناء على أساس تقديم العناية لمجموعة بشرية من المهاجرين المنحدرين من منطقة معينة، وذلك في مدينة بوسطن. وكان الأميركيون والمهاجرون ذوو الأصول الإيطالية، هم الذين يتم علاجهم، وكذلك إضافة إلى الأميركيين ذوي الأصول الإفريقيةــ الأميركيين السود. وكان ذلك في سنوات الستينيات من القرن الماضي.
ومن خلال البحث في المنشآت الصحية التي شهدتها مدينة بوسطن ومنطقتها، يتم التأكيد على واقع التنوع الثقافي والتبدل الكبير في المشهد الديموغرافي، الذي شهدته المدينة في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، العشرين.
وذلك في شأن تزايد كبير في أعداد الناطقين باللغة الإسبانية، القادمين خاصة من المكسيك، ويليهم في الزيادة ذوو الأصول الآسيوية، القادمون خاصّة من بلدان جنوب شرق آسيا، ويأتي السود في المرتبة الثالثة، كما تدل الأرقام التي سجلتها المراكز الصحية المعنية بكل فئة من هذه الفئات.
وتدل الإحصاءات المقدّمة، على أن نسبة المولودين في بوسطن ومنطقتها، خلال عام 2007 وحده، بلغت 28 بالمائة ممن تعود أصولهم إلى مهاجرين أجانب. وذلك من مجموع الولادات. وكانت نسبة 32 بالمائة ممن يؤمّون مراكز الرعاية الصحية، هم من غير البيض. وكانت هناك نسبة 47 بالمائة من نزلاء مشافي العلاج النفسي من النساء. وبالتوازي مع ذلك، تغيّرت تماماً الصورة التقليدية التي تدل على أن أغلبية الأطباء والعاملين في حقل العلاج الصحي، كانوا من البيض ومن الرجال.
إن المساهمين في هذا الكتاب يعتمدون في معلوماتهم، بشكل خاص، على المقابلات التي أجروها مع المعالجين والمرضى، وكذلك على عقد كامل من البحث. وذلك من منظور محاولة إلقاء الضوء على الثقافات الصحية، وآليات عملها ومدى تأثيرها في تحديد نوعية العلاج المقدّم للمرض.
ومن ما يتم التأكد عليه، هو وجود عدد من الممارسات المثيرة للجدل، في سلوكيات الأطباء والمرض، والتي تقوم، أي السلوكيات، على عوامل ومعطيات ليس لها علاقة مباشرة بمستلزمات المجال الطبي، ولكن بالأحرى لها علاقة بالأصل الإثني أو الجغرافي أو باللغة. وتجري الإشارة إلى أن حججاً كثيرة، يمكن تقديمها للبرهنة على أن تلك الممارسات، تتم في أحيان كثيرة، على حساب الثقافة الصحية السليمة.
وتكرس إحدى مساهمات هذا الكتاب، لشرح مفهوم المحيط الثقافي للتنوع المتعاظم. ويتم تبيان الدور الواضح الذي تلعبه الممارسات في حقل الصحة، بإلقاء الضوء على عدد من العوامل التي تتشكّل منها الهويات الثقافية المعقّدة. وإذا كانت درجة اندماج المهاجرين الجدد في المجتمع الأميركي لها دلالاتها في مختلف الميادين.
فإن درجته على مستوى السلوك الصحي، قد تكون الأكثر دقة من حيث تجاوزها للثقافات الأصلية، التقليدية. وتتمثل إحدى النقاط، التي يؤكد عليها المساهمون في هذا الكتاب، بالتأكيد على أهمية التنسيق بين المدافعين عن الصحة العامة، والتأكيد على ضرورة تحسينها، وهو من ما كان يشكل أحد الأهداف التي حددها الرئيس الأميركي باراك أوباما في برنامجه الانتخابي، وبين أصحاب القرار المعنيين بمسائل التنوع العرقي.
وتجري الإشارة في هذا السياق، إلى أن تبدّلاً كبيراً في هذا الميدان، استجّد خلال السنوات الماضية، بفضل نشاط جيل بذل جهوداً كبيرة، من أجل تحسين أمور الأقليات العرقية في الولايات المتحدة الأميركية، بشكل عام.
ويجري التأكيد، من جهة أخرى، على أن الكثير من العاملين في الحقل الصحي بأميركا اليوم، أصبحوا على قناعة تامة بأهمية أخذ العامل الثقافي في الحسبان، عند مناقشة الأمور المتعلقة بالصحة العامة، وبكل ما يتعلق بمؤسسات العلاج. ويحاول المساهمون في هذا الكتاب، تقديم رؤية شاملة للطريقة التي تتم فيها ممارسة الطب في مختلف الثقافات التي تنتمي إليها مجموعات كبيرة من المجتمع الأميركي.
وليس أقلّها أهمية: مجموعة الناطقين باللغة الإسبانية، القادمون من بلدان أميركا اللاتينية وأميركا الجنوبية- وخاصة من المكسيك. إن طريقة ممارسة الطب، تبدو في التحليلات المقدّمة وكأنها فعل ثقافي بامتياز، بالنسبة للمرض، ولكن أيضاً بالنسبة للأطباء.
ولعلّ أهم ميزات هذا الكتاب، أنه يقدم توصيفاً للعالم الطبي الأميركي ولآليات عمله. ويشرح المنظورات المتنوعة لما تعنيه الثقافة، بالنسبة للأطباء والمرضى والعاملين في الحقل الطبي. وأيضاً وكيف أنها، أي الثقافة، تحدد إلى درجة كبيرة طريقة ممارسة الطب في أميركا، راهناً.
ويرى المساهمون في الكتاب، أن التعاظم السريع لظاهرة التنوع الثقافي في المجتمع الأميركي من جهة، بفعل تفاعل وتضاعف ظاهرة الهجرة قبل اتخاذ إجراءات الحد منها، وأيضاً الواقع البيرقراطي من جهة أخرى، أمران جعلا من الصعب أكثر فأكثر تكييف السياسات الطبية العامة، على المستوى الأميركي الشامل.
الكتاب: الثقافة المفتتة.. الطب والتنوع الثقافي في أميركا
تأليف: ماري جو ديلفيشيو غود، سارة س. ويلين وآخرون
الناشر: مؤسسة روسل نيويورك 2011
الصفحات: 224 صفحة
القطع : المتوسط
Shattering culture
Mary Jo Delvecchio Good, Sarah S. Willen andة
Russel Sage Fondation- New York- 2011
224 .p
