قبل عشر سنوات، شخّص الأطباء ورما خبيثا أصاب البنكرياس، لدى الصحافي البريطاني بيتر ستوتهارد، رئيس تحرير الملحق الأدبي في مجلة التايمز البريطانية، والذي ناضل ضد المرض وتغلّب عليه حتى الآن. وقد وجد بعض نقاط التقاطع، بين نضاله ضد مرضه، وبين نضال سبارتاكوس في إيطاليا القديمة، من أجل التحرر من العبودية خلال القرن الأخير، في ما قبل الميلاد. ومن هنا يقدّم ستوتهارد، كتابا تحت عنوان: "على طريق سبارتاكوس"، وبعنوان فرعي: "رحلة عبر إيطاليا القديمة".
يعنى "طريق سبارتاكوس"، بالدرجة الأولى بمحاولة رسم المسار الذي عرفه العبيد المتمردون على سلطة روما، في ظل غياب شبه كامل تقريبا، لأغلبية المعطيات الخاصة بالحقائق التاريخية، وبسيرة حياته ومسيرته المهنية، كما يشير المؤلف. وعلى خلفية مثل هذا الغياب للمعطيات الملموسة، غدا نضال سبارتاكوس مصدر إلهام كبير للعديد من الكتاب والمبدعين وحتى السياسيين. الأمر الذي جعل منه بطلا شعبيا في الثقافات، القديمة والحديثة على حد سواء.
وفي هذا الكتاب "على طريق سبارتاكوس"، يقدّم المؤلف نوعا من "أدب الرحلات"، حيث تمتد الطريق من الأزمنة القديمة وحتى الحاضر، ومن الحاضر إلى الأزمنة القديمة. وكذلك بين الواقع والأسطورة. ويلفت المؤلف الى انه يتفق الجميع على أن سبارتاكوس كان أحد العبيد والمصارعين، وقاد عملية تمرّد كبيرة في القرن الأخير ما قبل العصر الميلادي. ولكن لم تأت كتب التاريخ الروماني القديم على ذكر ذلك التمرّد، إلا في فصل مؤلف من حوالي 30 صفحة، في كتاب خاص، يحمل عنوان: "مختصر التاريخ الروماني". وتجري الإشارة الى أن تاريخ سبارتاكوس، بات معروفا إلى درجة كبيرة، بفضل الفيلم السينمائي الذي أنتجته هوليوود عنه، في ستينات القرن الماضي.
وما يؤكده المؤلف، أن تاريخ ولادة سبارتاكوس وحقيقة أنه كان يحمل ذلك الاسم، ليسا معروفين بدقة، إذ هناك روايات عديدة. والأمر نفسه بالنسبة لمكانته الاجتماعية، إذ يؤكد البعض أنه كان داعيا، بينما يرى آخرون أن جولاته الحربية على ظهر حصان، تدل على أصوله الأرستقراطية. وتقول فئة ثالثة، انه أسير حرب جرى بيعه لروما.
وتقول أكثر الروايات شيوعا، عن تمرّد سبارتاكوس ورفاقه من العبيد الرومان، انه بدأ مع تآمر حوالي 300 منهم، غاية الهرب، حيث وشى أحدهم بهم. ونجا حوالي 70 منهم، ونجحوا في تخطي أسوار معتقلهم، ولكن دون سلاح ولا طعام. وكذلك استولوا على عربة كانت تنقل أسلحة، فوصلوا إلى خليج نابولي، حيث انضم إليهم عدد من العمال الزراعيين. وكان سبارتاكوس، أحد القادة الثلاث الذين اختارهم جيش العبيد، والذي قام بغزو المزارع القريبة، والاستيلاء على ما فيها، من أجل سدّ حاجاتهم للعيش، وعدم الموت جوعا.
وصل جيش سبارتاكوس المؤلف من العبيد وصغار الفلاحين والرعاة، إلى درجة من القوة سمحت له بالتصدي لجيش روما، والتي لم تكن ترى فيه تهديدا حقيقيا، وكانت تقلل كثيرا من قيمته. ومن ما يقال عن سبارتاكوس، انه قبل خوض المعركة التي قُتل فيها، قام بذبح حصانه، وقال: "إذا انتصرت سيكون لدي الكثير من الخيول، خيول العدو، وإذا هُزمت فلن تكون لي حاجة به". ما يتم تأكيده هو أن سبارتاكوس مات وسلاحه بيده، بعد أن كان سهم قد أصابه في ساقه. والمؤكّد أيضا هو أنه لم يتم أبدا التعرّف بدقة على جثته.
وبالتوازي مع تعرّض بيتر ستوتهارد، لسيرة حياة سبارتاكوس، عبر تقصّي منعطفات الطريق التي سلكها، يقوم أيضا بتوصيف المنظومة السياسية التي أقامتها روما القديمة. ويصفها بأنها كانت تمارس العبودية. وذلك أن أولئك الذين كان يتم أسرهم في الحروب، كان مصيرهم البيع كـالبهائم، بعيدا عن اعتبارهم أدوات ناطقة. وتجري الإشارة في هذا الإطار، الى أن عدد العبيد في روما، خلال القرن الأخير ما قبل الميلاد، بلغ تقريبا ثلث عدد السكان الإجمالي، أي حوالي 2 مليون نسمة.
وكان على العبيد أن يطيعوا أوامر سادتهم. وهذا على رغم وجود بعض المفكرين الذين كانوا يدعون مالكي العبيد، إلى ضرورة احترامهم. ولم تكن قليلة الحالات التي يتم فيها، عتق العبيد إذا أنجزوا عملهم بصورة جيدة. وبالمقابل كانت النظرة الغالبية إلى العبيد، أنهم يشكلون طابورا خامسا، وكانت هناك خشية مستمرّة من احتمال تمرّدهم. وكان التمرّد الذي قاده سبارتاكوس، على رأس أكثر من 70000 مقاتل، أكثرها شهرة، حيث أظهر كفاءة قيادية عالية، رغم أنه انتهى إلى الهزيمة، وكذا قتل سبارتاكوس نفسه، لكن ذلك كان بعد تسعة انتصارات متتالية، في معارك قاسية ضد روما.
إن مؤلف الكتاب يسير على خطى سبارتاكوس، عبر إيطاليا. وعمله هو نوع من كتابة اليوميات، خلال رحلاته، مزوّدا بتجربته الخاصة مع مرض السرطان. إن "الموت" هو النتيجة المشتركة بين التجربتين. وهذا مع حرص المؤلف على أن يبقى بعيدا عن الظهور، وكأنه يفضل البقاء في الدهاليز السرية، التي كان العبيد- المصارعون، ينتظرون فيها، قبل دخولهم، حلبة المصارعة حيث عليهم أن يقتلوا أو يُقتلوا، إنه : " صراع حتى الموت".
الملامح الرئيسية التي تتشكل منها شخصية سبارتاكوس، كما يقدمها المؤلف، تدل على أنه كان إنسانا مبهما. ولكنه كان ذا تأثير كبير على البشر العاديين في زمنه. كما في الأزمنة اللاحقة، حتى اليوم.
الكتاب: على طريق سبارتاكوس
تأليف: بيتر ستوتهارد
الناشر: هاربر برس- لندن - 2011
الصفحات: 224 صفحة
القطع: المتوسط
On the Spartacus road
Peter Stothard
Harber Press- London- 2011
224 .p
