تمثل الولايات المتحدة الأميركية، أمة شابة يبلغ عمرها 225 عاما. وتناوب على رئاستها، 44 رئيسا لولاية أو ولايتين، مدة كل منها 4 سنوات. ومارس الأميركيون، دون انقطاع، انتخاب رئيس لهم في يوم الثلاثاء، الذي يعقب أول اثنين من شهر نوفمبر، في كل أربع سنوات.

المؤرخان الفرنسيان اندريه كاسبي - أستاذ التاريخ الأميركي لسنوات عديدة في جامعة السوربون. وهيلين هارتر - الأستاذة في جامعة رين، يقدّمان لقرائهما، كتابا عن تاريخ الرئاسة الأميركية، تحت عنوان: "الرؤساء الأميركيون من جورج واشنطن إلى باراك اوباما".

إن الأميركيين يعتقدون بقوّة، ويشاركهم في هذا الاعتقاد عدد كبير من سكان البلدان الأخرى، أن نزيل البيت الأبيض، الرجل الأقوى على مستوى الكون. وهو يلعب دورا مركزيا وحاسما في تسيير أمور الأمة الأميركية، وربما أبعد منها، أمور العالم كله. إنه يجسّد بكل الحالات، الولايات المتحدة.

يوزع المؤلفان الرؤساء الأميركيين بين ثلاث فئات أساسية. تخص الأولى منها: الرؤساء المؤسسين. وتعنى الثانية بـالرؤساء المجددين. إن المؤلفين يحاولان الإجابة عن أسئلة يطرحانها، مثل: كيف ازدهر المنصب الرئاسي الأميركي.. من جورج واشنطن إلى باراك اوباما، ومرورا بلنكولن وويلسون وكندي وريغان وغيرهم؟ ومن أين يكتسب هذا المنصب مكانته المركزية في النظام الأميركي؟ وكيف احتلّ موقعه في الأذهان ولدى وسائل الإعلام وفي الحياة اليومية داخل أميركا وخارجها؟

ما يركز عليه المؤلفان بداية، هو أن عملهما هو بالدرجة الأولى، تاريخي، ويحكي عن الرؤساء الذين تعاقبوا على قيادة الولايات المتحدة، وليس تحليلا في القوانين أو دراسة في العلوم السياسية. ويقولان هنا: "هذه دراسة تاريخية وليست قانونية. وإننا ندعو قارئنا إلى رحلة عبر الزمن، من أجل فهم أفضل للمجتمع القريب منا جدا، لكن المختلف كثيرا عنا، مع ذلك".

يبدأ تاريخ الرؤساء الأميركيين عام 1787، عند التخلّي عن البنود الخاصة بقيام الفيديرالية لصالح إقامة حكومة وطنية موحّدة. ويحدد المؤلفان القول، وفيما هو أبعد من التعاقب على الرئاسة، أنه كانت هناك عدة مسائل حاسمة في ممارسة المنصب الرئاسية، وفي مقدمتها طبيعة العلاقة بين حكومات الولايات والدولة المركزية، أي بمعنى آخر، تحديد سلطة هذه الدولة المركزية وصلاحياتها.

والإشارة الى أن النقاش حول هذه المسألة، عارض بين الرئيس الكسندر هاملتون الذي كان من أنصار وجود سلطة تنفيذية قوية، والرئيس توماس جيفرسون الذي كان يميل بالأحرى، إلى وجود سلطة تنفيذية ضعيفة.

وهناك مسألة جوهرية أخرى، تتعلق بالعلاقات بين السلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة المركزية والسلطة التشريعية. والدور الهام الذي لعبه، ويلعبه، الكونغرس، تأكّد أكثر فأكثر خلال المسار التاريخي الأميركي، وإلى حد كبير، على حساب سلطات الرئيس.

وهذه السلطات يتم توصيفها أنها ليست أبدية، وليست غير محدودة، ولكنها نتاج بناء تاريخي معقّد وطويل، لعبت فيه شخصيات الرؤساء، دورا همهما وحاسما، مثل: ابراهام لنكولن أو تيودور روزفلت. وهذا ما يتم شرحه، تحت عنوان : الرؤساء ومفهوم التقدم.

والتأكيد على أن سياق الأزمات، سهّل تمركز السلطات بيد الحكومة، وعزز من سلطة الرئيس. ونقرأ في الكتاب: "حتى فترة ما بين الحربين العالميتين، تمّت صياغة تاريخ الرئاسة الأميركية، من لحظات اتخذ فيها الرؤساء مبادرة، ثم تبعها عودة الكونغرس للعب الدور الأوّل. ولكن مع رئاسة فرانكلين روزفلت وهنري ترومان ودوايت ايزنهاور، دخلت الولايات المتحدة في مرحلة جديدة.

وتفوّقت السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، بمعزل عن شخصية الرئيس وعن الحزب الذي ينتمي إليه. وهذا الوضع يمكن تفسيره بوصول الولايات المتحدة إلى مصاف قوة عظمى، ولكن أيضا بحالة الأزمة المستمرة التي خلقتها فترة الكساد الكبير، ثم الحرب العالمية الثانية، وبعدها الحرب الباردة. وتتم الإشارة هنا، الى أن الرؤساء الأميركيين، اصبحوا يتمتعون، في العقود الأخيرة، بصلاحيات ما كان لسابقيهم أن يلحموا بها.

والمسألة الثالثة الهامة، التي تخص التاريخ الرئاسي يتم تحديدها بحياة الحزبين الأميركيين، الذين يتعاقبان على الرئاسة، أي الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. ويشرح المؤلفان، واقع أن هذه الثنائية الحزبية- الأميركية، تعادل تماما ما هو قائم في بلد مثل فرنسا، ما بين اليمين واليسار. ومن خلال تاريخ الرئاسة الأميركية يرصد المؤلفان تطور مواقف هذين الحزبين، حيال مسائل محددة، مثل:التمييز العنصري والحقوق المدنية.

 

 

 

الكتاب: الرؤساء الأميركيون من واشنطن إلى اوباما

تأليف: اندريه كاسبي، هيلين هارتر

الناشر: تالاندييه باريس- 2012

الصفحات: 274 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

Les président américains

André kaspi, Hélène Harter

Talandier - Paris- 2012

274 .p