عندما فاز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأميركية، عام 2008، قالت كاترينا فاندن هوفل، رئيسة تحرير وناشرة صحيفة "الأمة" ذي نيشن- على الملأ: "للمرة الأولى، منذ عدة عقود من الزمن، غدت السياسة الانتخابية، عاملاً في بعث الأمل لدى الأميركيين". ثم أضافت محذرة: "علينا أن نكون صارمين وواضحين وعمليين، حيال عمل أوباما".

كان باراك أوباما قد قاد حملته الانتخابية تحت شعار "التغيير". وكانت كاترينا فاندن هوفل قد بدأت منذ الأيام الأولى للإدارة الديمقراطية الجديدة، بكتابة تعليقاته على عمل هذه الإدارة، مشيرة إلى أن العنوان الكبير لعملها هو الإصلاح. وقد قامت بتطوير كتاباتها خلال الفترة السابقة، لتقدم منها كتاباً تحت عنوان: "قناعتي بالتغيير".

وتؤكد المؤلفة منذ البداية، أنه أمام التحديات الكبيرة التي طرحتها الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، منذ خريف عام 2008 وضخامة الإصلاحات التي ينبغي القيام بها، يبدو من الواضح أن نجاحاً انتخابياً واحداً لا يكفي، ولا يمكن أيضاً أن يقوم بالمهمات الجسام المطروحة، شخص واحد.

ذلك أن إعادة صياغة السياسة الأميركية، في مختلف الميادين. وترميم الخراب الكبير الذي خلّفه عقد كامل من حكم المحافظين - الجمهوريين، قضايا تحتاج إلى وقت طويل وإمكانات هائلة، على مدى فترة طويلة.

كما يتم التأكيد من خلال التحليلات المقدمة أن "قوى المال" و"دوائر العديد من المؤسسات ذات النفوذ" لها آثارها السلبية على النقاش العام وعلى السياسة الأميركية. وتجاوز مثل هذه الآثار لا يمكن أن يتم، حسب آراء كاترينا فاندن هوفل، إلا بواسطة تبني "أفكار جسورة" و"تنظيمات مستقلة" و"قدرات إبداعية على الصعيد الاستراتيجي". هذا كله إلى جانب "حسٍ أخلاقي متميّز".

وما تؤكده مؤلفة هذا الكتاب، بأشكال مختلفة، أنها كانت في عداد أولئك الذين اعتبروا انتخاب باراك أوباما بمثابة فرصة لتغيير حقيقي في البلاد. وهي تقدّم بعد ثلاثة من انتخابه محصلة لما جرى تحقيقه من إنجازات وكذلك ما عرفته الفترة من خيبات أمل، وخاصة من خلال الاتفاقات التي أجراها أوباما وإدارته مع الجمهوريين في الكونغرس وخارجه، حيال العديد من المسائل الاجتماعية والاقتصادية. ولكن المؤلفة تحدد أحد أكبر أخطار المرحلة الراهنة في تزييف النقاش، حول التوجهات السياسية الأميركية، الداخلية منها والخارجية.

أحد الأخطاء الكبرى التي اقترفها أوباما، خلال السنوات الثلاث الأولى من إدارته، هو أنه قلل من حماس وتعبئة اندفاع الكثير من الأميركيين، الذين كانوا قد ساهموا في انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. وتقول المؤلفة هنا: "في إطار المنظومة التي نعيش فيها، هناك دائماً حاجة إلى سلطة تعويضية".

وتضيف موجهة كلامها إلى باراك أوباما: "أنت بحاجة إلى قوة دافعة، وهذه القوة هي التي تسمح بالوصول إلى السلطة، وإلى المال الضروري من أجل القيام بإصلاحات وإنشاءات تمثل في نظامك بالبشر".

ولا تتردد المؤلفة في الحديث عن خيبة أمل كبرى لدى قسم كبير من الأميركيين، حيال مسألتين أساسيتين. الأولى تتمثل في إصلاح القطاع الصحي. وفي هذا المجال كان هناك نوع من المصالحة. وطبعاً "المصالحات" هي عنصر أساسي في السياسة. ولكن ما فعله أوباما في مجال الصحة وإصلاح منظومتها، بدا وكأنه تراجع، بالقياس إلى الشعارات والمبادئ التي كان طرحها باستمرار، أثناء النقاشات العامة حول قطاع الصحة.

وتقول المؤلفة إن أوباما أظهر جسارة في الحديث عن الإصلاح، ولكنه مارس اللجوء إلى مصالحات وتوافقات مع خصومه. وترى المؤلفة أن ما فعله باراك أوباما، سمح لمجموعات الضغط اللوبي- بـ"تفريغ" جوهر مشاريعه الإصلاحية على صعيد الصحة، ولكن أيضاً على صعيد المال، من جوهرها الحقيقي.

وتركز المؤلفة على القول ان الآراء التي تقدمها حيال عمل إدارة أوباما، ليست من باب النقد المجاني ولا التجريح، حيال الرئيس، ولكنها تريد بالتحديد تقديم توصيف لما تراه الحالة الحقيقية للبلاد. وهي لا تخفي تفاؤلها في إعادة انتخاب باراك أوباما لفترة رئاسية ثانية عام 2012.

ولا تتردد في التأكيد، وبأشكال مختلفة، على أنه تنبغي المثابرة على العمل مع الرئيس، ودفعه إلى الأمام، إذا اقتضت الحاجة لذلك. ولكن أيضاً نقده في مكامن التقصير، أو عند ارتكاب الأخطاء التي ينبغي التنبيه إليها، وهذا بحدّة، في حال كان ذلك ضرورياً.

وترى المؤلفة أن الانتصار في صناديق الاقتراع، ليس انتصاراً نهائياً بحد ذاته. بل إن مثل هذا الانتصار، يتحدد من خلال دينامية وحركات مستدامة، تخلق طاقة حول مجموعة من الأفكار. ومثل هذه الحركات يمكن أن تقوم، على قاعدة أمل كبير، ولكنها تستطيع الاستمرار، فقط بمقدار ما تستطيع تحويل الأمل إلى واقع. وليس المهم من هو الرئيس، بل الأهم هو كيف يتحول مشروعه إلى حقائق، على المدى الطويل. وعبر مثل هذا المشروع، يحصل التغيير الحقيقي.

ومثل التغيير المعني تجده المؤلفة في الإصلاح الكبير الذي تبنّته إدارة روزفلت، بعد فترة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. وتنتهي إلى تأكيد حقيقة أن الأميركيين ليسوا بحاجة إلى أوباما ليشرح لهم ما يؤمن به، ولكن لا بد لهم من معرفة كيف يمكنه أن يحقق ذلك.

 

 

الكتاب: قناعتي بالتغيير

تأليف: كاترينا فاندن هوفل

الناشر: أفالون- نيويورك - 2011

الصفحات: 366 صفحة

القطع: المتوسط

 

The change I believe in

Katrina Vanden Heuvel

Avalon ذ New York - 2011

366 .p